الوقت - دعا ملك إسبانيا فيليبي السادس، يوم الإثنين 17 يناير 2022، إلى” سير الأمتين (المغربية والإسبانية) معا” من أجل “الشروع في تجسيد علاقة مبنية على أسس أكثر قوة ومتانة”.
وأبرز العاهل الإسباني، خلال استقبال خص به السلك الدبلوماسي المعتمد في إسبانيا، أهمية إعادة تحديد العلاقة القائمة مع المغرب على “أسس أكثر قوة ومتانة”.
وأشار العاهل الإسباني إلى أنه “مع المغرب، اتفقت حكومتا بلدينا على القيام سويا بإعادة تحديد علاقة للقرن الحادي والعشرين، بناء على أسس أكثر قوة ومتانة”، قائلا “الآن ينبغي على الأمتين السير معا من أجل الشروع في تجسيد هذه العلاقة بدءا من الآن”.
وأضاف “قربنا وكثافة الصلات المتعددة التي تجمعنا، تجعل علاقتنا مترابطة بشكل واضح. ولهذا السبب، سيواصل بلدنا بذل كافة الجهود اللازمة لإحداث وتعزيز فضاء مشترك من السلم، الاستقرار والازدهار”.
وهذه أول مرة يتحدث فيها ملك إسبانيا عن العلاقات مع المغرب منذ اندلاع الأزمة في مايو الماضي، وهو بهذا يرد على خطاب نظيره المغربي الملك محمد السادس الذي طالب في أغسطس/آب الماضي بعلاقات تقوم على الاحترام بين البلدين.
ورخصت حكومة مدريد برئاسة بيدرو سانتيش للملك فيليبي السادس بالحديث عن العلاقات مع المغرب بحكم مراجعة ومصادقة الحكومة على مضمون أي خطاب قبل قراءته لأنها هي التي تتحمل المضمون السياسي لخطابه.
ورغم دعوة الملك الى العمل سوية، فهو يخضع حرفيا للتصور الذي جاء في وثيقة الأمن القومي الإسباني المصادق عليها نهاية ديسمبر الماضي، التي تطالب المغرب بإرساء علاقات ثنائية تتماشى والقرن الواحد والعشرين، ومنها ما نصت عليه باحترام وحدة إسبانيا في سبتة ومليلية المحتلتين وعدم تكرار ما جرى في سبتة خلال مايو الماضي، بدخول أكثر من عشرة آلاف مغربي في يومين بعد تخفيض الحراسة عند الحدود.
وشهدت العلاقات توترا انفجر خلال مايو الماضي عندما عارضت مدريد اعتراف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بسيادة المغرب على الصحراء، ثم استقبلت زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي بشكل سري للعلاج من كوفيد-19. وسحب المغرب سفيرته ولم تعد حتى الآن.
ويصطدم الحوار بالشروط غير المعلنة، إذ يطالب المغرب إسبانيا بضرورة وقف الدفاع عن تقرير المصير في نزاع الصحراء الغربية، في حين بدأت مدريد تتشبث باحترام المغرب لحدودها الترابية في سبتة ومليلية المحتلتين.
وعليه يكون ملك إسبانيا فيليب السادس، قد وضع مستقبل العلاقات بين بلاده والمملكة المغربية، في مرحلة جديدة ضمن خطاب ألقاه بمناسبة استقبال السفراء الأجانب، بالقصر الملكي في مدريد.
وفي هذا السياق، توقف أحمد صلحي الباحث في العلاقات الدولية، عند أهمية هذه الدعوة الملكية، وقدم قراءة تحليلة حول دلالاتها وثمارها على المدى القريب والمتوسط.
وأول ما ركز عليه صلحي، هو كون العلاقات المغربية الإسبانية، أمام دعوة صريحة من صانع القرار الإسباني، بفتح صفحة جديدة، عنوانها بناء كل تعاون وشراكة على أساس الثقة المتبادلة.
وأضاف إن ما جاء في خطاب العاهل الإسباني، دعوة من أعلى سلطة بالبلد الأوروبي، وليس مجرد إشارة أو تلميح، مردفا ”وذلك يكتسي أهمية كبيرة، حيث يتبين أن هناك إلحاحا من طرف أعلى سلطة لتكون العلاقات في مستوى أفضل”.
وسجل أيضا أن هذه الدعوة، تجسد قوة العلاقة القائمة بين المؤسستين الملكيتين المغربية والإسبانية، وتضيف لبنة صلبة في بنيانها.
ومن موقعه كمتخصص في الشؤون الإفريقية، وتحديدا منطقة غرب إفريقيا، قال المتحدث ذاته، إن عاملا مهما ينضاف لعوامل تمسك إسبانيا، بتحسين علاقتها مع المملكة، وهو كون هذه الأخيرة، بوابة أوروبا إلى القارة السمراء.
بدوره أوضح الخبير في العلاقات الدولية وتسوية النزاعات والشؤون الأمنية، عصام لعروسي، أنه “يمكن تحليل هذا الموضوع من زاويتين، أولا من الناحية الدبلوماسية، ما يعني أن الأزمة مازالت متواصلة من خلال عدم عودة السفيرة المغربية بنيعيش إلى مدريد، إذ يجب أن يكون هناك قرار سيادي يتخذه المغرب لإعادة السفيرة كمؤشر على عودة تجديد العالقات المغربية الإسبانية، وهذا لم يتم إلى الآن”.
وتابع لعروسي، قائلا “من الزاوية السياسية يمكن قراءة الموضوع على أن ما قام به ملك إسبانيا من تضمين عودة العلاقات الإسبانية المغربية في خطاب رسمي، يأتي من أعلى الهرم الإسباني شكليا، لأن ملك إسبانيا ليس هو الحاكم الفعلي للبلاد، وباعتبار مكانته الرمزية فقط وأنه يسود ولا يحكم”.
ويرى المتحدث أن “هذه إشارة قوية من المؤسسة الملكية الإسبانية، خاصة أن الأخيرة كان لها دوما ما يجمعُها مع المؤسسة الملكية المغربية من تاريخ علاقاتٍ جيدة وتواصل جيد”.
موردا أن نظام “الحكم في إسبانيا المعتمد على الحكومات وأن رئيس الوزراء، الذي يُقرّر في الحكومات من خلال تناوب الأحزاب السياسية، هو ما جعل سُلطةَ القرار والسياسات في يدِ الحكومات وليس في يد الملك”.
ولفَت العروسي الإنتباه إلى أنه “على مستوى السياسة الخارجية و إدارة الدفاع، خاّصة القوات المسلحة الإسبانية، فيبقى ملكُ إسبانيا له صلاحيات قوية، ما يجعل هذا الخطاب التطميني الإيجابي، بمثابة دعوة إلى إعادة العلاقات واعتبار المغرب جارا ًوشريكا أساسيا تجمعُه مع إسبانيا العديد من القضايا، وهذا ما أرغم إسبانيا على دخول هذه البوابة”.
وخلُص المتحدث إلى أنه “رغم وجود الكثير من العلاقات والمَلَفّات المُشتركة العالِقة بين البلدين، إلا أن تجاوزها يبقى رهينا بتغيير إسبانيا موْقِفَــها من الصّحراء المغربيّـة ومن جبهة البوليساريو، خاصّة بعد الأزمة التي تسبب فيها إبراهيم غالي بين البلدين”.