الوقت- صفعة كبيرة لـ "إسرائيل"، شكلها فوز غابريئيل بوريك برئاسة جمهوريّة تشيلي الواقعة غربي أميركا الجنوبيّة، باعتباره نموذجا لتعميم كراهية ومقاطعة الكيان الصهيونيّ المجرم الذي يستمر بقمع الشعب الفلسطينيّ واستعمار أرضه دون رقيب أو عتيد منذ مطلع القرن المنصرم، بسبب فشل الحكومات على المستويين العربيّ والعالميّ في محاسبته على جرائمه الشنيعة، إضافة إلى أنّ بوريك يعتبر علامة تحذير بخصوص ما قد يحدث لاحقاً في أمريكا الشماليّة، ما يدل على أن القضية الفلسطينية باتت مركزيّة أكثر من أيّ وقت مضى في النظرة العالميّة، بالرغم من استمرار بعض الشركات والمؤسسات الدوليّة بمساعدة تل أبيب في جناياتها وانتهاكاتها للقانون الدوليّ.
تهديد استراتيجيّ
رئيس جديد انضم لقافلة مقاطعي ومحاربي الكيان الصهيونيّ القاتل، في تهديد استراتيجيّ آخر لوجود العصابات الصهيونيّة غير الشرعيّ في فلسطين، حيث تؤكد تحليلات عبريّة أن الأمر لا يتعلق بالفلسطينيين فقط، بل بمعاداة "إسرائيل" بشكل أساس، في ضوء المواقف التي يعلنها غابريئيل بوريك بشأن جرائم الإبادة الجماعيّة التي ارتكبها الصهاينة، فيما يزعم الإسرائيليون أنّ تلك المواقف المُشرفة للرئيس التشيليّ الجديد نابعة من وجود تجمعات سكانيّة تضم مئات الآلاف من العرب والفلسطينيين في البلاد.
ومع تكشف حقيقة هذا الكيان الباغي الذي يتستر على جرائمه من خلال وسائل الإعلام العالميّة التي يدير اليهود الكثير منها، تتزايد بشكل كبير حملات مقاطعة الدولة المزعومة، لذلك اعتبر كتاب صهاينة فوز بوريك خبراً سيئاً لكيان الاحتلال، لأن اليسار الراديكاليّ في أمريكا الجنوبيّة يرى نفسه معاديّاً لليهود، ويعتبرونهم خداماً للإمبريالية الإسرائيلية (التوسع الاستعماريّ الصهيونيّ) ، ومع مرور السنوات أصبحت دول أمريكا الجنوبية مناهضة للمحتل الإسرائيليّ، وتروج فيها حقيقة أن تل أبيب تتبع سياسة الفصل العنصريّ تجاه الفلسطينيين، وهذا ماتؤكّده مراكز حقوق الإنسان الإسرائيليّة حول أنّ حقوق الفلسطينيين أقل من حقوق اليهود في المنطقة بأكملها بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن، وأنّهم يعيشون تحت أشكال مختلفة من السيطرة الصهيونيّة في الضفة الغربيّة وقطاع غزة والقدس الشرقيّة وداخل الأراضي المحتلة نفسها، وأنّ فلسطين منطقة جيوسياسيّة واحدة تحكمها حكومة واحدة (جيوسياسيّة: السياسة المتعلقة بالسيطرة على الأرض وبسط نفوذ الدولة في أي مكان تستطيع الوصول إليه)، أي ديمقراطيّة كاذبة بجانب احتلال، بل "أبرتهايد" (نظام فصل عنصريّ) بين النهر والبحر.
وفي ظل تمادي قوات العدو المستبد بجرائمها ضد الفلسطينيين وثرواتهم ومقدساتهم، وارتكابها أبشع الجرائم الإرهابيّة في قتل وإعدام وتعذيب الفلسطينيين، ووصول الإجرام والاستخفاف الصهيونيّ بأرواح الفلسطينيين لحد لا يمكن السكوت عنه أبداً، أصبحت السياسة اليساريّة الرائجة في دول أمريكا اللاتينية تجعل الطلاب اليهود يتجولون في معظم الجامعات هناك وأنوفهم على الأرض، دون أن يجرؤوا على تحديد هويتهم اليهوديّة، أو تنظيم أحداث وفعاليات صهيونيّة، وهناك أدلة كثيرة على ذلك، وقد زادت هذه الأجواء المعادية عقب العدوان الصهيونيّ الغاشم على قطاع غزة المحاصر، والذي راح ضحيته مئات الشهداء وآلاف الجرحى مع دمار كبير في البنية التحتيّة، حيث انتشرت هذه الحوادث على نطاق واسع، وفي بعض الأحيان يتم تصنيف اليهود على أنهم "بيض"، وهي نظرة استعماريّة في الموروث التاريخيّ لتلك المنطقة.
وبالتزامن مع إجرام وعنصريّة العدو الصهيونيّ الوحشيّ بحق الفلسطينيين، وتأكيد حتى الصهاينة أنفسهم أنّ "اليهود هم الذين على حق وهم الذين يدافعون عن أنفسهم دائماً، والفلسطينيون فقط مخربون"، وأنّ “القتل مسموح فقط لليهود"، تحاول الأوساط السياسية الإسرائيلية المنزعجة من التطورات السياسية الأخيرة في تشيلي، تضخيم الأوضاع المعادية لليهود هناك، لتلعب على وتر الابتزاز المبكرة ضد الرئيس التشيليّ المعادي للإرهاب الصهيونيّ، من خلال المبالغة في الحديث عن معاناة اليهود، وانتشار ظاهرة معاداة السامية، باعتبارها نتاج تمدد اليسار الراديكاليّ الذي ينتهج مهاجمة المحتل الإسرائيليّ في كل المحافل السياسيّة والدوليّة، تمهيداً لخلق مجتمعات واعية تعادي الكيان وحقيقته الدمويّة.
فرصة ذهبيّة
لا شك أنّ أبرز القيادات الصهيونيّة تؤمن بقطعيّة أنّ فوز بوريك في تشيلي يشكل "فرصة ذهبيّة" أمام حركة مقاطعة الكيان الصهيونيّ (BDS) التي يعتبرها العدو تهديداً استراتيجيّاً لاحتلالهم الأراضي الفلسطينيّة، وقد أقرّ الاحتلال مراراً بفشل جهود وزارة الشؤون الاستراتيجيّة في حكومة العدو بالقضاء على حركة المقاطعة العالميّة المناهضة لكيانهم العنصريّ، والتي سوف ترى في هذا الفوز خط إنتاج ناجح لعملها وفعالياتها، وكشف قذارة ودمويّة الكيان الصهيونيّ، وهذا بالضبط ما تقوم به الحركة الفلسطينيّة التي تأسست عام 2005، وامتدت لتصبح عالميّة بعد ذلك.
على هذا الأساس، ستتصاعد مساعي مقاومة الاحتلال الصهيونيّ وتوسعاته الاستيطانيّة من قبل حركة المقاطعة، من أجل تحقيق الحرية والعدالة والمساواة في فلسطين وصولاً إلى حق تقرير المصير للشعب الفلسطينيّ داخل البلاد وخارجها، وبالتالي نجاحاً أكبر لحركة (BDS) من ناحية سحب الاستثمارات من الكيان الصهيونيّ وفرض العقوبات عليه، وتتناول مطالب وحقوق وطموحات كافة مكونات الشعب الفلسطينيّ التاريخيّة.
ومن الجدير بالذكر أنّ الحركة تُصنف على أنّها حركة مقاومة سلميّة غير إقصائيّة مناهضة لكافة أشكال العنصريّة بما في ذلك الصهيونيّة ومعاداة المجموعات الدينيّة والعرقيّة، وتحظى بدعم من قبل اتحادات ونقابات وأحزاب ومؤسسات المجتمع المدنيّ الدوليّ بالإضافة إلى حركات شعبيّة تمثل الملايين من الأعضاء حول العالم، كما تؤيدها شخصيات مؤثرة في الرأيّ العام العالميّ.
أيضاً، إنّ "حركة مقاطعة إسرائيل" نجحت في بداية عزل الكيان الصهيونيّ أكاديميّاً وثقافيّاً وسياسيّاً، واقتصادياً إلى حد ما، حتى بات الصهاينة يعتبرون هذه الحركة من أكبر الأخطار الاستراتيجيّة المحدقة بهم، وإنّ تأثير الحركة يتصاعد بشكل ملموس بفضل الحملات العالميّة الممنهجة والاستراتيجيّة بشكل مباشر وغير مباشر، ويدرك الإسرائيليون حجم الرعب الذي يصيب الكيان من حركة (BDS)، خاصة أنّ الاحتلال الغاشم وأعوانه يعلمون أنّ الشرعيّة التي يحاولون إضفائها على كيانهم، هي شرعيّة زائفة تُشتتها الحقيقة في كل لحظة، وإنّ المبالغ الخياليّة التي تُنهب من أرض فلسطين وتصرف لخلق الشرعيّة للمحتل لا يمكن أن تكون سبباً في ذلك، فكلمة الحق مسموعة ومرعبة مهما ارتفعت أصوات الجنات والمجرمين.
نتيجة لكل ما ذُكر، يرتعب الإسرائيليون وأعوانهم من أدنى مقاطعة أو محاربة لهم نتيجة مخالفتهم الشنيعة للقانون الدوليّ والإنسانيّ، وينبع خوفهم الكبير من أنّ فوز بوريك في تشيلي يمكن أن يكون كرة الثلج المتحرجة بالنسبة لدول أخرى، أي أبعد من دول أمريكا الجنوبية وصولاً إلى أمريكا الشماليّة في مراحل متقدمة، لأنّ الدعم التاريخيّ لدولة الاحتلال اللقيطة، يتركز في الولايات المتحدة وكندا، وسط انتشار ظواهر مثيلة له في القارة الأوروبية منذ سنين طويلة.