الوقت_ عقب أسابيع، من اتباع النظام السعوديّ أسلوباً عدائيّاً مع لبنان بذريعة تصريحات قديمة لوزير الإعلام اللبنانيّ جورج قرداحي في مقابلة صحفيّة حول حرب اليمن العبثيّة مع إحدى منصات قناة الجزيرة التابعة لآل ثاني في قطر، بعد أن كانت الرياض عثرة في طريق تشكيل الحكومة اللبنانيّة برئاسة نجيب ميقاتي في مرحلة من التقلبات والعوائق لمختلف الجهات الداخلية والخارجيّة، وإجبار الأخير على الاستقالة نتيجة للعداء الخليجيّ وبالأخص السعوديّ لِلبنان، أشارت مستشارة الرئاسة السورية، بثينة شعبان، إلى أنّ الموقف الذي أخذه وزير الإعلام اللبنانيّ المستقيل والإعلاميّ الشهير، جورج قرداحي، "موقف محق وعادل وشجاع في الوقت نفسه"، في أول تصريح رسميّ سوريّ على تلك القضية، منذ الحرب الضروس التي شنّتها المملكة ضد لبنان وشعبه.
"هل يمكن محاسبة وزير على ما أدلى به قبل استلام ملف وزارته رغم التزامه بسياسات حكومته؟"، سؤال طرحته المستشارة شعبان بعد أنّ فضلت مملكة آل سعود المتخمة بالنفط مصالحها السياسيّة الخبيثة على مساعدة لبنان للخروج من أزماته المتفاقمة وبالأخص الاقتصاديّة، مع غياب شبه كامل للحلول وفقدان الأمل في الشارع اللبنانيّ نتيجة ارتفاع نسب الفقر والعنف والهجرة، بالتزامن مع العداوات التي تتربص بلبنان وبالأخص المقاومة ومحاربته من خلال عملاء الداخل، لمحاولة تغيير قرار المقاومة في هذا البلد والمنطقة، وتغليب لغة المساومة، وخاصة أن التصعيد والحرب الاقتصاديّة السعوديّة قد شملت وقف التعاون في جميع المستويات الاقتصاديّة والتجاريّة وكذلك الاستثماريّة.
وفي صفعة جديدة للسياسة السعوديّة، أوضحت المسؤولة السوريّة البارزة أنّ "الهدف ليس فقط جورج قرداحي باسمه الكبير إنما الهدف هو ترهيب كل من يتجرأ أن يتخذ موقفاً يتنافى مع رؤية البعض أو يتعارض معها"، ولا يخفى على أحد أنّ السعودية مولت قوات المعارضة السوريّة والجماعات الإرهابيّة المسلحة في البلاد لسنوات طويلة، وسعت بكل قوتها لإسقاط الدولة السورية وعلى رأسها الرئيس السوريّ، بشار الأسد، وبالطبع فشلت كل التحالفات السياسيّة والعسكريّة في مشاريعها التدميريّة، لكنها تسببت في إزهاق أرواح مئات آلاف السوريين، ونزوح وتشريد ملايين السكان داخليّاً وخارجيّاً، وألحقت أضراراً هائلة بالاقتصاد السوريّ ودمرت البنى التحتية في مناطق كثيرة.
وفي الوقت الذي كشفت فيه السعودية عن وجهها الحقيقيّ عند الشدائد وحاربت لبنان بمبررات زائفة، بدل أن تسارع في إنقاذ هذا البلد المنهار وشعبه المنهك، أشارت شعبان إلى أنّ التصعيد السعوديّ بهذه الطريقة غير المفهومة على الرغم من وجود عشرات التصريحات المشابهة لما أدلى به السيد قرداحي، نتيجة اسمه الكبير الذي استدعى هذه المعركة من أجل تحذير كل الإعلاميين والكتاب وأصحاب المواقف من أن يخوضوا في شأن لا يروق للبعض أن يخوضوا فيه ويخشون من النتائج، تصريح يعيد إلى ذاكرتنا الحرب الضروس التي شنّتها السعودية ومن معها ضد لبنان وشعبه لتحقيق مآربها، ناهيك عن مقاطعة جميع شركات لبنان و كل القطاعات الاقتصاديّة اللبنانيّة، وقد وجّه السعوديون رسالة صريحة للبنان مفادها بأنّ "لا مساعدة سعوديّة لكم في أزماتكم بل العكس"، ولا يوجد أيّ رغبة من القيادة في السعوديّة في إنقاذ لبنان أو تقديم يد العون له، بما يتماشى مع المخططات الهدامة لنظام آل سعود.
ونعلم أنّ جميع الشركات السعوديّة أوقفت كل تعاملاتها مع الشركات اللبنانيّة، رداً على ما أسموه "التبرير والمباركة من الحكومة اللبنانيّة للأعمال الإرهابيّة التي تستهدف المملكة ومقدراتها الاجتماعيّة والاقتصاديّة"، حيث أعادت الرياض ملف لبنان وحكومته ومعهما الأزمات المتفاقمة إلى المربع الأول، ما أضاف مزيداً من التداعيات البالغة السلبيّة على مختلف المستويات وبالأخص الاقتصاديّة لتحقيق مبتغاها السياسيّ، فيما تتعرض الرياض لاتهامات كثيرة حول رغبتها في تدمير لبنان منعاً لتنامي القوة الشعبيّة والسياسيّة لحزب الله الذي بات حاضراً بقوّة على المستويين الداخليّ والخارجيّ.
في النهاية، وكما كتبت بثينة شعبان حول تأثير الكلمة والموقف: ما الذي طُلب من سيدنا الحسين عليه السلام سوى أن يقول كلمة؟، لكن جوابه كان أنّ شرف الرجل هو كلمته وأن شرف الله سبحانه وتعالى هو الكلمة وأنه في البدء كانت الكلمة، ولذا فالكلمة موقف والموقف وطن والوطن مصير وحياة، وقد أثبت التاريخ مراراً وتكراراً أن أصحاب الكلمة والموقف أقوى من كل إمبراطوريات المال والسلاح مهما عظُمت إغراءاتها وخطورتها، وأنّ كل الماكينات الإعلاميّة تعجز عن مواجهة موقف صلب وحاسم يرفض أن يتنازل عن كلمة حق بوجه سلطان ظالم، فمن يتنازل عن كلمة يتنازل عن وطن، ومن يتنازل عن وطن لا حياة ولا قيمة له أبداً.