الوقت- تزامناً مع بداية عام 2021 وکذلك تنصيب الرئيس الديمقراطي جو بايدن في 19 كانون الثاني(يناير)، أدى تفجيران إرهابيان دمويان في بغداد أسفرا عن مقتل العشرات وجرح أكثر من 100 شخص، إلى إثارة التكهنات بشأن عودة صعود داعش، وخاصةً في منطقة الشرق الأوسط، مع عودة صعود الديمقراطيين في البيت الأبيض.
إتساع نشاط داعش من العراق إلى أفغانستان
وصف بعض المراقبين عمليات داعش الإرهابية بأنها استعراض للقوة من قبل التنظيم التكفيري لإدارة بايدن، ومنذ ذلك الحين شهدنا تصاعد جرائم داعش في العراق وهجماته المتكررة على المدنيين في مختلف أنحاء البلاد، ومنها العاصمة ومحافظتي صلاح الدين وديالى وكذلك مواقع الحشد الشعبي.
لم تقتصر تحركات الخلايا النائمة لداعش في الأشهر الأخيرة على العراق، بل خلفت العمليات العديدة للتنظيم الإرهابي في أجزاء مختلفة من سوريا العديد من الضحايا؛ وفي المرحلة الجديدة بعد سقوط الحكومة الأفغانية وسيطرة طالبان في هذا البلد، وبينما لم يصل الأفغان بعد إلى الاستقرار السياسي، نشهد جرائم جديدة لداعش بحق الشعب الأفغاني، وخاصةً الشيعة.
من الواضح أنه لا يمكن فصل وقوع الهجمات الإرهابية في أفغانستان عن سياسات واشنطن باعتبارها الراعي الرئيسي للإرهاب، والتي تركت أفغانستان قبل أشهر بعد هزيمة مذلة.
ويرى المراقبون أن الأمريكيين قد مهدوا قبل نحو عامين الطريق لنقل تنظيم داعش الإرهابي من سوريا إلى أفغانستان. وهكذا، في السنوات الأخيرة، وخلال الوجود الأمريكي في أفغانستان، لم يتم تنفيذ الأعمال الإرهابية من قبل هذا التنظيم، بل ظل کمجموعات سرية وخلايا نائمة، إلی أن استؤنفت أنشطة داعش بعد خروج الأمريكيين من أفغانستان.
وبحسب هؤلاء المراقبين، فإن الولايات المتحدة، ورداً على فشلها بعد 20 عاماً من الاحتلال في أفغانستان، أعطت الضوء الأخضر للإرهابيين المرتبطين بها لتكثيف الهجمات الإرهابية ضد الشيعة في هذا البلد.
وعليه، وبالنظر إلى الوضع المتوتر الحالي في أفغانستان، فإن احتمال تكرار الهجمات الإرهابية الجديدة في أجزاء مختلفة من البلاد وارد، بل إن البعض يتوقع ظهور سيناريوهات أسوأ ودخول واسع النطاق للإرهابيين إلى أفغانستان.
هل انتقل الإرهاب من غرب آسيا إلى أفغانستان؟
في ضوء ذلك، قد يظن البعض أن الولايات المتحدة قررت نقل خلايا داعش النائمة تدريجياً من الدول العربية في غرب آسيا، وتحديداً العراق وسوريا، إلى أفغانستان، وتكرار أزمة مماثلة للأزمة السورية عام 2011 في أفغانستان.
تشير الدلائل إلى أنه لا شك في أن واشنطن تنوي زعزعة استقرار أفغانستان واستخدام ورقتها الرئيسية في الشرق الأوسط، أي الإرهاب، ضد هذا البلد؛ ولکن لا ينبغي إغفال أنه مع تكثيف أنشطة داعش في أفغانستان، لم تتضاءل جرائم هذه المجموعة التكفيرية الإرهابية في المناطق الواقعة تحت نفوذها في سوريا والعراق، وتنشر كل يوم تقريبًا أنباء عن تفجيرات إرهابية لداعش في بعض أجزاء سوريا والعراق.
لفهم هدف داعش من تكثيف أنشطته وجهوده لتوسيع تحركاته جغرافيًا في الشرق الأوسط، من المفيد النظر إلى نوع علاقة الإرهاب، ولا سيما داعش، بالولايات المتحدة.
الحقيقة هي أنه في العقد الماضي، تم تعزيز مشروع داعش من قبل الديمقراطيين الأمريكيين، والذي لعب فيه جو بايدن دورًا محوريًا، وهي قضية تم الكشف عنها مرارًا وتكرارًا من قبل وسائل الإعلام، وخاصةً في الولايات المتحدة نفسها، وليست قضيةً مخفيةً. حتى أن وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك هيلاري كلينتون اعترفت بهذه الحقيقة في مذكراتها.
هيلاري، التي وُلدت النواة الرئيسية لداعش خلال الفترة التي قضتها في وزارة الخارجية، تؤکد بوضوح في مذكراته أن واشنطن لعبت دورًا رئيسيًا في تأسيس داعش وتمهيد الطريق لصعوده إلى السلطة.
وفي وقت سابق أيضًا، ذكرت صحيفة التايمز البريطانية في ديسمبر 2013، أن القوات الأمريكية لعبت دورًا مركزيًا في تشكيل داعش وصعود اسم "أبو بكر البغدادي".
وفي أغسطس 2016، أصدرت وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية وثائق تكشف الدور الشخصي للرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما وكلينتون في صعود داعش.
في الوقت نفسه، أعلن مؤسس ويكيليكس "جوليان أسانج"، أن وكالة المخابرات المركزية (CIA) قد أنشأت تنظيم داعش التكفيري الإرهابي. کما عمل جو بايدن أيضًا لمدة ثماني سنوات كنائب لأوباما، الذي يعتبر الخبراء إدارته "الأب الروحي لداعش".
حتى بايدن نفسه اعترف ضمنيًا في أكتوبر 2014 بالدور البارز لواشنطن في ظهور هذه المجموعة الإرهابية، مع التأكيد على دور السعودية والإمارات، أهم حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، في تشكيل داعش وتعزيزه.
تنفيذ المشروع الأمريكي التقليدي "الفوضى الخلاقة" في الشرق الأوسط من خلال الحرب بالوكالة
عقب تنصيب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في البيت الأبيض، تغيرت سياسة الولايات المتحدة تجاه الإرهاب، وقررت إدارة ترامب التنفيذ المباشر لمشاريع أمريكية تسمى "الفوضى الخلاقة" في الشرق الأوسط، وخاصةً في سوريا والعراق.
ولهذا السبب، علی الرغم من أن جرائم واشنطن في الشرق الأوسط لم تتضاءل خلال السنوات الأربع لرئاسة ترامب، وكان أبرزها استشهاد الفريق قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، لكن هذه الجرائم ارتكبت بشكل مباشر ولم تستخدم الولايات المتحدة ورقة داعش في الدول العربية والإسلامية خلال هذه الفترة.
الواقع أن "الحرب بالوكالة" وعدم التدخل المباشر في الشرق الأوسط، هي جزء من استراتيجية الإدارات الأمريكية الديمقراطية، وقد تم تشكيل مشروع داعش لتحقيق هذا الهدف.
السبب الذي يجعل الديمقراطيين يتمتعون بشعبية كبيرة في المجتمع الأمريكي، هو أنه يبدو أنهم يركزون على الشؤون الداخلية، وينفذون مشاريعهم في الخارج بأدوات من نفس المناطق.
بايدن أيضًا ذكر منذ البداية أن أولوية أنشطة إدارته تتعلق بالأزمات الداخلية الأمريكية، ولا سيما تفشي جائحة كورونا وآلية مكافحته، وفي المرحلة الحالية فإن التعامل مع الشؤون الخارجية ليس على جدول أعماله، في حين أن اهتمام إدارته في الملفات الخارجية غالبًا ما يترکز على الصين وشرق آسيا.
وفقًا لذلك، يمكن التنبؤ بأن إدارة بايدن لا تنوي التورط بشكل مباشر في ملفات غرب آسيا، وستتبع استراتيجية الحرب بالوكالة.
من الواضح أن الإدارات الأمريكية المختلفة، سواء كانت ديمقراطيةً أو جمهوريةً، قد تتبع استراتيجيات مختلفة في الشرق الأوسط أو أجزاء أخرى من العالم، لكن أساس هدفها لن يتغير، والأمل في أن تشعر شعوب الشرق الأوسط بالأمان مع وصول حكومة ديمقراطية في الولايات المتحدة، هو أمر وهمي تمامًا.
هل يتكرر سيناريو الخلافة الإسلامية لداعش مرةً أخرى؟
على هذا الأساس، هناك سيناريو لإحياء داعش واستكمال مساعيه لتشكيل حكومة تسمى "الخلافة الإسلامية".
حتى في بلد مثل لبنان، الذي كان في الماضي قد نجی إلى حد كبير من عواقب صعود داعش في المنطقة بفضل قوى المقاومة، هناك الآن تحركات مشكوك فيها من قبل أدوات واشنطن والرياض، ومنها المجزرة التي وقعت قبل أسبوعين في منطقة الطيونة؛ وحملة الاتهامات ضد حزب الله في قضية انفجار مرفأ بيروت وحصار لبنان، ومحاولة اندلاع حرب أهلية في لبنان، تذكرنا بالأحداث التي شهدتها سوريا قبل أسابيع قليلة من بدء الحرب الإرهابية العالمية عليها.
وهذا الأمر يدق ناقوس الخطر للبنان وحتى الدول المجاورة له، خاصةً أن هناك خطةً کبری لنزع سلاح المقاومة وإضعافها من قبل المحور الأمريكي الصهيوني العربي، مما يجعل لبنان عرضةً للعدوان الأجنبي والإرهاب.
إن قرار الولايات المتحدة بسحب قواتها من العراق وسوريا، مؤشر واضح على استئناف الأمريكيين الحرب بالوكالة في الشرق الأوسط، ومن المحتمل أن نشهد في المرحلة التالية سيناريوهات مشابهة للأيام الأولى لدخول داعش إلى الشرق الأوسط، وتحديداً دول غرب آسيا.
والخطر الأكبر لعودة ظهور الإرهاب في المنطقة وغرب آسيا، يستهدف البلدان التي توفر غفلة مسؤوليها الأرضية اللازمة للصراع الداخلي؛ مثل ما نشهده الآن في لبنان تماماً.
بما أن محور المقاومة والقوی التابعة له في جميع أنحاء الشرق الأوسط قد أثبتوا قدرتهم علی دحر الإرهاب في المرحلة السابقة، في المرحلة الحالية أيضًا، فإن اللجوء إلى خيار المقاومة ودعمه في الدول العربية والإسلامية، هو أفضل وسيلة لدرء خطر الإرهاب والتصدي لمشاريع أمريكا المشؤومة.