الوقت_ في الوقت الذي يتفاقم فيه الخلاف بين الرئاسات الثلاث في تونس منذ انتخابات عام 2019، والتي أسفرت عن برلمان منقسم ورئيس جديد على الساحة السياسيّة، ما أوجد حالة مستمرة من الاضطرابات السياسيّة في الدولة الوحيدة التي خرجت بديمقراطيّة سليمة كما يصف البعض، مما يُسمى "الربيع العربي" قبل ما يقارب الـ 10 سنوات، تتجه البلاد نحو عزلة دولية كبيرة تؤكدها الرسائل الأخيرة الواردة من الولايات المتحدة وبلجيكا، إضافة إلى المؤسسات الماليّة الدوليّة التي فقدت الثقة بقدرة تونس على تسديد ديونها مع تواصل الأزمات السياسيّة وتعطيل أغلب المؤسسات في البلاد في ظل إصرار الرئيس قيس سعيد على الاحتفاظ بجميع السلطات، بعد أن وصل الخلاف إلى ذروته في وقت تحاول فيه الحكومة التونسيّة تجاوز الأزمة الاقتصاديّة الناجمة عن فيروس كورونا المستجد، الأمر الذي يثير مخاوف غربيّة من انتكاس الديمقراطيّة من جديد بعد عقد من تخلص البلاد من الديكتاتوريّة.
عادت تونس بقوة لتحتل نشرات الأخبار والمواقع الإلكترونيّة، عقب اجتماع افتراضيّ عقدته اللجنة الفرعية لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الكونغرس الأمريكيّ، قبل أيام، بحضور عدد من الخبراء حول “دراسة حالة الديمقراطيّة في تونس وموقف الإدارة الأمريكيّة منها”، والتي تحدثت أنّ الديمقراطيّة التونسيّة في "خطر" نتيجة القرارات الأخيرة للرئيس سعيد، حيث عبر رئيس اللجنة، تيد دويتش، عن القلق العارم إزاء الإجراءات التي اتخذها الرئيس التونسيّ، رغم التحركات الإيجابيّة خلال الأسابيع المنصرمة، موضحاً أنّ عدداً من النواب التونسيين ما زالوا رهن الاعتقال بتهم ذات طابع سياسيّ، زاعماً أنّ واشنطن ترغب بتواصل الاستقرار في البلاد ومستعدة لدعم التحول الديمقراطيّ التونسيّ وعملية الإصلاح الدستوريّ.
وفي ظل اتهامات للرئيس التونسيّ بمواصلة الانفراد بالسلطة والإمعان في العمل خارج الدستور، هنأت الخارجية الأمريكيّة على لسان المتحدث باسمها، تونس على تشكيل حكومة جديدة، معرباً عن أمله في إرساء مسار شامل من أجل العودة السريعة للنظام الدستوريّ في البلاد، فيما أعلن الاتحاد الأوروبيّ أنّه سيعقد الثلاثاء جلسة خاصة لمناقشة الأوضاع في تونس، مشيراً إلى أنّ النظام الديمقراطيّ التونسيّ في خطر بسبب عدم الفصل بين السلطات (الرئيس ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان).
أيضاً، دعت الولايات المتحدة الرئيس قيس سعيد إلى فتح حوار مع الأحزاب الرئيسة وممثلي المجتمع المدنيّ لإنهاء الأزمة السياسيّة التونسيّة، منتقدة إصراره على الاحتفاظ بجميع السلطات التنفيذيّة والتشريعيّة والقضائيّة، رغم ترحيب الإدارة الأمريكيّة بتعيين نجلاء بودن كأول امرأة في رئاسة الحكومة، لكن واشنطت ذكرت أنّ الرئيس التونسيّ قلل بشكل كبير من سلطات الحكومة وسيقوم عمليّاً بإدارتها بنفسه، محذرة من حدوث صدام بين مؤيدي الرئيس ومعارضيه، الشيء الذي قد يدفع البلاد نحو الفوضى.
وفي ظل الهجوم الحاد الذي شنّه الرئيس سعيد على مؤسسات التصنيف الائتمانيّ والمؤسسات الماليّة الدوليّة، وتأكيده أنّ تونس لا تقبل بأن تكون في موقع "التلميذ الذي يتلقى التعليمات من المؤسسات الدوليّة"، يبدو أنّ القلق الغربيّ لم ينحصر فقط في دوائر السياسة إذ عبرت المؤسسات الماليّة عن قلقها من الوضع الاقتصاديّ السيء في تونس، حيث أعلنت وكالة التصنيف الائتمانيّ "موديز"، مؤخراً، عن خفض التصنيف السياديّ لتونس من B3 إلى Caa1، مع نظرة مستقبلية سلبيّة، مبررة قرارها بضعف الحوكمة وزيادة عدم اليقين فيما يتعلق بقدرة الحكومة على تنفيذ التدابير التي من شأنها ضمان الوصول المتجدد إلى التمويل لتلبية الاحتياجات المرتفعة على مدى السنوات القليلة المقبلة.
ومن الجدير بالذكر أنّ القياديّ في حركة النهضة الإخوانيّة، رفيق عبد السلام، أوضح أن تدحرج تونس في الترقيم السياديّ، هو أمر مؤلم ومؤسف يهز صورتها في العالم إلى حد كبير بسبب تعطيل المؤسسات وإلغاء الدستور، بما يقرب الوضع الاقتصاديّ التونسيّ من الأوضاع السيئة للغاية في العديد الدول العربيّة كالسودان ولبنان، خاة أنذ التجربة أثبتت أن الانهيار والتخريب سهل، ولكن الخروج من الهوة العميقة التي تسير نحوها تونس، بسبب اختلاط الأزمة السياسيّة بالأزمة الاقتصاديّة الماليّة، صعب للغاية، مع غياب صوت الحكمة والعقل، الشيء الذي يستدعي "التوقف عن التمادي في هذا العبث المدمر"، بحسب وصفه.
وبالاستناد إلى تلك المعطيات، وعقب قرار وكالة التصنيف الائتمانيّ، كشف المدير العام للتمويل والمدفوعات الخارجيّة في البنك المركزي التونسيّ، عبد الكريم لسود، عن وجود نقاشات متقدمة جداً مع كل من السعودية والإمارات من أجل تعبئة موارد الدولة، إضافة إلى ضرورة تطوير التعاون الثنائيّ مع الجزائر، وقد أثارت تلك التصريحات جدلاً واسعاً في الأوساط التونسيّة، حيث اتهم سياسيون تونسيون رئيس البلاد بالاصطفاف في المحور السعوديّ – الإماراتيّ.
لذلك، تساءل سياسيون كُثر عن سبب تلقي المساعدة من الحكومتين السعوديّة والإماراتيّة على وجه التحديد، باعتبارهما يشكلان محورين إقليميين، ما يعني وجود ثمن سياسيّ غير معلن لتقديم المساعدة لتونس الغارقة بالأزمات الاقتصاديّة بما يشبه "التنازلات"، ويثير البعض القضايا الوطنيّة التونسيّة وبالأخص مسألة السيادة الوطنيّة ومحلها من الإعراب في هكذا مشاورات، هذا في حال قدمت هاتين الدولتين مساعدات حقيقيّة تُسهم في نجدة وإنقاذ الدولة التونسيّة التي تتجه نحو الإفلاس وتسرب الشركات الأجنبيّة من البلاد.