الوقت- أظهر السلوك والتصريحات الأخيرة لبعض المسؤولين في باكو ضد إيران - التي كانت داعمةً لشعوب هذه المنطقة لسنوات عديدة - أن المؤامرة الصهيونية قد امتدت إلى أذهان بعض المسؤولين في المنطقة.
لذلك، من المناسب مراجعة ودراسة بعض الإجراءات التي اتخذتها حكومة باكو في السنوات الماضية ضد مصالح وشعوب المنطقة، وخاصةً الشعب الإيراني.
في غضون ذلك، فإن الاهتمام الخاص والعميق بشركة طيران مشبوهة في منطقة باكو، سيكشف الكثير من الأسرار. وعلى الرغم من أنه كان من المفترض أن تساعد شركة الطيران هذه في تلبية احتياجات القوات المسلحة في المنطقة، إلا أنها أصبحت عمليًا شركة طيران توفر بضائع خاصة لبعض العملاء المجرمين.
الخطوة الأولى؛ البحث عن مورِّدي شحنات محددة
في خضم هجوم الجماعات الإرهابية علی سوريا، تم تسليم جميع أنواع الأسلحة التي تصنعها دول أوروبا الشرقية، وخاصةً بلغاريا، إلى الجماعات الإرهابية التي تدخل الأراضي السورية بطريقة مشكوك فيها؛ أسلحةٌ تم تصنيعها كلها حديثًا وشوهدت بأعداد كبيرة، أولاً في سوريا ثم في أماكن مثل ليبيا والعراق.
لم تكن البلدان المتورطة في النزاع هي التي تشتري أسلحة هذه الدول، لذلك علينا أن نبحث عن بعض الجهات الفاعلة الإقليمية المحددة. هنا، وكما هو الحال دائمًا، ورد اسم السعودية على رأس القائمة!
في عام 2014، أشار تقرير رسمي صادر عن الحكومة البلغارية، إلى بيع أسلحة وذخائر بقيمة 85 مليون يورو للسعودية. بالطبع، لم يتم العثور على أسلحة بلغارية في أي جزء من الجيش السعودي حتى الآن، ويتضح أن الجيش السعودي لم يشتر هذه الكمية من الأسلحة لنفسه أو لقوات إنفاذ القانون في بلده.
ووفقًا للأمم المتحدة، في عام 2014، تم تصدير 287 سلاحًا صغيرًا و 120 بندقية من طراز SPG-9 المضادة للدبابات من بلغاريا إلى السعودية.
في الوقت نفسه، استفاد البلغار بشكل كبير من هذه التجارة. في عام 2013، بلغت صادرات الأسلحة البلغارية ما يزيد قليلاً عن 200 مليون يورو. وفي عام 2014، وصل هذا الرقم فجأةً إلى 400 مليون يورو، مما يدل على مضاعفة الرقم في عام واحد. وبلغ هذا الرقم 642 مليون يورو في 2015، ونحو مليار و 290 مليون يورو في 2017.
المثير للاهتمام في هذا الأمر أنه في السنوات التالية، ومع انخفاض مستوى الصراع في مناطق مختلفة في غرب آسيا وشمال إفريقيا، وصلت مبيعات البلغار في مجال الأسلحة في عام 2019 إلى 10 ملايين دولار، مما يشير إلی تراجع حاد.
بالطبع، باستثناء بلغاريا، شاركت دول أخرى في المنطقة، مثل صربيا والبوسنة ورومانيا وغيرها، في هذه التجارة المميتة.
في الخطوة الأولى، بدأت معظم طائرات الشحن الجوي التجارية من السعودية والإمارات لنقل هذه الأسلحة إلى المنطقة وتزويد الإرهابيين بها. ومع زيادة النشاط على مدى فترة محددة من الزمن، والدخول المباشر للولايات المتحدة في توريد الأسلحة من أوروبا الشرقية، کانت هناك حاجة إلى مورِّد أكثر أمانًا.
الغطاء الدبلوماسي لنقل السلاح في المنطقة والعالم
"طريق الحرير" هو في الواقع اسم شركة طيران مملوكة لدولة جمهورية أذربيجان، والتي تأسست في عام 2001 ومقرها في مطار حيدر علييف في باكو. ويضم أسطول الشركة أيضًا خمس طائرات من طراز إليوشن 76، وتشارك بشكل خاص في النقل الجوي.
مع تزايد الحاجة إلى نقل الذخيرة والأسلحة، وخاصةً في غرب آسيا وشمال إفريقيا، سعت الولايات المتحدة وبعض حلفائها إلى خيارات ليست في دائرة الضوء کثيراً. تمتلك هذه الشركة أيضًا شركةً فرعيةً تسمى طريق الحرير الغربي، تعمل في مجال النقل وتستخدم 10 طائرات بوينج 747 للنقل.
ونظرًا لكونها مملوكةً للدولة، حصلت شركة الطيران هذه أيضًا على دعم جهاز السياسة الخارجية في باكو، ومع الضغط الذي يمارسه هذا البلد، يتم استخدامها كوسيلة للنقل الدبلوماسي لتبقی بعيدةً عن العديد من أنظمة المراقبة.
كان على سفارات جمهورية أذربيجان في العديد من البلدان المختلفة، مهمة القيام بالترتيبات اللازمة لرحلات شركة الطيران هذه. في الوقت نفسه، تجدر الإشارة إلى أنه لا يُسمح لشركات الطيران المدنية بنقل الشحنات العسكرية، ولکن تحايلت هذه الشركة بطريقة ما على هذا القانون العالمي، بسبب علاقاتها العامة واستخدام الغطاء الدبلوماسي.
تبدأ رحلات شركة الطيران هذه بشكل رئيسي من باكو، وكانت وجهاتها بشكل رئيسي أيضًا بلغاريا وكرواتيا والبوسنة وصربيا، وبعد تحميل شحنات مختلفة، يتم نقلها إلى وجهات مثل جدة والرياض وأبو ظبي(كوسطاء لنقل الأسلحة إلى الإرهابيين المتمركزين في سوريا)، وباكو وبعض الدول الأفريقية.
بالطبع، قضية رحلات هذه الشركة إلى الأراضي المحتلة هي في حد ذاتها قصة منفصلة، تم القيام بها بشكل أكبر بكثير، وخاصةً في السنوات الأخيرة وفي الفترة القريبة من حرب كاراباخ الثانية.
وفي بعض الحالات، بسبب الأسطول المحدود لشركة الطيران هذه والعدد الكبير للطلبات، تم أيضًا استخدام طائرة Il-76 التابعة لسلاح الجو الأذربيجاني، لضمان وصول الطلبات في الوقت المحدد.
قراصنة أنونيموس قضوا مضاجع علييف
في عام 2017، قامت مجموعة هاكرز أنونيموس باختراق ونشر وثائق من السفارة الأذربيجانية في بلغاريا. تُظهر هذه الوثائق، التي سنأتي علی ذکر بعضها فيما يلي، لمحةً عن عمليات خطوط طريق الحرير الجوية في مجال نقل الأسلحة في العالم.
وفقًا لهذه الوثائق، كانت السعودية زبونًا رئيسيًا لشركة طيران طريق الحرير، وبين عامي 2016 و 2017، قامت شركة الطيران هذه بـ 23 رحلة دبلوماسية من أذربيجان وبلغاريا وصربيا إلى جدة والرياض في السعودية، وسلمت الأسلحة التي طلبها السعوديون.
بالإضافة إلى الأسلحة الخفيفة الفردية والذخيرة والقنابل اليدوية، تضمنت هذه الشحنات الأسلحة المدرعة الخفيفة مثل بنادق سلسلة SPG-9، وقاذفات الصواريخ من سلسلة RPG-7 وذخائرها، وبالطبع صواريخ 122 ملم لمنظومة غراد.
وفي مثال آخر، في ربيع عام 2017، قامت الشركة بتشغيل ثلاث رحلات جوية من بورغاس على ساحل البحر الأسود في بلغاريا إلى الإمارات، وفي المجموع سلمت أكثر من 10 أطنان من الذخيرة، والتي تشمل بشكل أساسي أنواعًا مختلفةً من القذائف لأسلحة RPG 7.
كما لعبت شركة الطيران هذه دورًا مثيرًا للاهتمام في إيصال الأسلحة إلى إقليم کردستان العراق، والقوات الكردية في شمال سوريا. وفي آذار 2016، أطلقت الشركة رحلتين من رومانيا وسلوفينيا إلى أربيل، فوصلت أسلحة خفيفة وذخائر إلى هذه المنطقة.
كذلك، قامت هذه الشركة بتلبية بعض احتياجات الأسلحة للجماعات الكردية السورية في عامي 2016 و 2017. وفي عدة حالات، قامت السعودية والإمارات بإرسال عناصر عسكرية مختلفة إلى دول في إفريقيا من خلال هذه الشركة.
طريق الحرير والحالة الخاصة للفسفور الأبيض
يستخدم الفسفور الأبيض في صناعة القنابل والصواريخ وقذائف المدفعية، نظراً لقدرته على إحداث حريق واختراق كبير للعديد من الأهداف العسكرية.
بالطبع، نظرًا لطبيعته المؤلمة جدًا وقدرته الفتاكة للغاية، هناك بعض الاعتبارات والمحظورات حول استخدامه. وفي السنوات الأخيرة، كانت الولايات المتحدة والکيان الصهيوني من بين مستخدمي هذا النوع من الأسلحة في منطقة غرب آسيا.
في عام 2015، في مارس ومايو، قامت هذه الشركة بتشغيل ثلاث رحلات جوية من صربيا وبلغاريا، تحمل ما مجموعه أكثر من 160 طنًا من الفوسفور الأبيض.
في هذه الحالات، تم إعلان أفغانستان كوجهة، وقوة الشرطة الأفغانية هي المستلم النهائي، ولكن في الطريق، توقفت الرحلات الجوية في باكو. وبالإضافة إلى الفسفور الأبيض، كانت الطائرة تحمل بعض الأسلحة والذخائر الأخرى أيضًا.
ذهبت هذه الطائرات إلى أفغانستان أيضًا، لكن لا دليل على وصول الشحنة إلى الأفغان ولم يؤكدها أحد! لذلك، هناك احتمال جدي بأن يكون الأذريون أنفسهم العملاء النهائيين للفوسفور الأبيض. ومن المثير للاهتمام، في ذلك الوقت، أن الشركة استخدمت طائرات النقل An-12، والتي تم ذكرها أيضًا في وثيقة الرحلة.
أمريكا العميل الخاص لطريق الحرير
لكن ربما يكون أهم عميل أجنبي لشركة الطيران هذه المثيرة للجدل، هو الجيش الأمريكي.
تستخدم أقسام مختلفة من وزارة الدفاع والقوات المسلحة الأمريكية لنقل ما يسمى بالأسلحة غير القياسية. الأسلحة غير القياسية هي أسلحة أخرى غير النماذج الغربية والتنظيمية للجيش الأمريكي، وهي في الأساس من أصل شرقي ويتم إنتاجها في دول مثل بلغاريا أو صربيا.
من أسلحة هجومية من سلسلة AK، إلى قاذفات صواريخ من سلسلة آر بي جي، إلى قاذفات صواريخ أرض - أرض، هي واحدة من أكثر الخيارات استخدامًا على نطاق واسع من قبل الولايات المتحدة، لتسليح حلفائها الذين يغلب عليهم الطابع العسكري أو الإرهابي في مناطق مثل غرب آسيا وشمال إفريقيا.
على سبيل المثال، بين عامي 2016 و 2019، اشترت حكومة الولايات المتحدة ما يقرب من مليار دولار من هذه الأسلحة غير القياسية، وتم شحن جميع هذه العناصر تقريبًا بواسطة شركة طريق الحرير للخطوط الجوية.
هذه الخطة، بالطبع، هي جزء أصغر من الخطة الأمريكية الأكبر بكثير في منطقة غرب آسيا، والتي بدأت قبل عدة سنوات في سوريا. حيث بدأت الولايات المتحدة برنامجًا لتدريب وتسليح ما سمي بقوى المعارضة المعتدلة.
خلال هذا البرنامج، تم شراء صواريخ "تاو" الأمريكية المضادة للدبابات إلى الأسلحة غير القياسية من أصل روسي، وتم تسليمها إلى حلفاء الولايات المتحدة. بالطبع، وصل العديد من هذه الأسلحة في نهاية المطاف إلی أيدي الجماعات الإرهابية مثل داعش أو النصرة، والتي تصنفها الولايات المتحدة نفسها على أنها منظمات إرهابية.
وعلى الرغم من التقارير التي تفيد بأن أسلحة الولايات المتحدة قد تم بيعها مباشرةً من قبل حلفاء الولايات المتحدة الميدانيين للجماعات الإرهابية، وأنهم لم يتمكنوا من الاحتفاظ بها، ولکن استمرت واشنطن في تسليح هذه الجماعات.
وفي إحدى الحالات، تعرض مقاول أمريكي كان يختبر قاذفات صواريخ RPG-7 في بلغاريا لحادث، وفقد حياته بسبب انفجار صاروخ.
الشركة الأمريكية الخاصة Orbital ATK، التي تنشط في مجال المعدات العسكرية، هي من بين العملاء الأمريكيين الآخرين لهذه الخطوط الجوية الأذربيجانية. في عام 2015، على سبيل المثال، استخدمت الشركة رحلات طريق الحرير لنقل عدة شحنات من الأسلحة من البوسنة إلى أذربيجان، ثم إلى أفغانستان.
والشركة الأمريكية Alliant Techsystems هي عميل أمريكي آخر لشركة الطيران الأذربيجانية هذه، والتي زودت بشكل أساسي احتياجات الأسلحة لبلد مثل أفغانستان. وبحسب الوثائق، فقد استخدمت طائرات B747 في طريق الحرير الغربي، لنقل الشحنات الكبيرة.
رحلات جوية خاصة لشراء الأسلحة من الکيان الإسرائيلي
كانت مسألة علاقة باكو الخاصة بتل أبيب، وخاصةً في المجال العسكري، من أهم القضايا في السنوات الجيدة، خاصةً بعد حرب ناغورنو كاراباخ الثانية في عام 2020.
من أهم طرق نقل الأسلحة الإسرائيلية إلى جمهورية أذربيجان، کانت طائرات نقل طريق الحرير الأذربيجاني، التي قامت برحلات عديدة إلى الأراضي المحتلة في السنوات الأخيرة، مستخدمةً أراضي دول مثل جورجيا وتركيا، تحت غطاء الرحلات الدبلوماسية. وفي هذه الرحلات، كان لكل من طائرات 747 وإليوشن 76 الأذربيجانية حضور بارز.
أخيرًا، يبدو أن الأذريين، مستغلين الوضع في غرب آسيا وشمال إفريقيا، قد بدأوا تجارةً هادئةً ومربحةً بالطبع في السنوات الأخيرة، وتحولوا إلی أحد محاور نقل الأسلحة إلى مناطق مختلفة من المنطقة، وكان زبونهم النهائي إرهابيين مثل داعش وجبهة النصرة؛ الذين جاؤوا في يوم الحاجة لمساعدة جيش باكو لمهاجمة ناغورنو كاراباخ، وهم اليوم يوجهون تهديدات لفظية للجمهورية الإسلامية.