الوقت – شكلت الاحتجاجات خلال الأيام القليلة الماضية، تحولاً نوعياً في الشارع التونسي الذي اعتقد قيس سعيّد أنه يقف معه، على اعتبار العدد الكبير من الناخبين الذي صوت لصالحه في الانتخابات، غير أن هذا الأمر تغير وخاصة مع تصاعد الأصوات المطالبة بإنهاء الإجراءات الاستثنائية.
حيث احتشد المئات من معارضي قيس سعيد، السبت، أمام مقر المسرح البلدي، وسط شارع الحبيب بورقيبة الشهير، وسط العاصمة التونسية، مطالبين برفع التجميد عن البرلمان التونسي، رافعين لافتات تتهم سعيد بالانقلاب على الدستور، وتطالب بإنهاء التدابير الاستثنائية التي أعلنها في يوليو الماضي، وتتهمه أيضا بالتخبط في قراراته، وبأنه لا يملك أي تصور للمستقبل، سوى أنه يريد الاستفراد بالحكم.
جاءت هذه الاحتجاجات مع مرور قرابة شهرين على الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها سعيد، ففي 25 يوليو، أعلن عن إجراءات استثنائية منها تجميد البرلمان، لمدة 30 يوما (مددت في 23 أغسطس/ آب)، ورفع الحصانة عن النواب، وإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي، على أن يتولى هو بنفسه السلطة التنفيذية، بمعاونة حكومة يعين رئيسها، ثم أصدر أوامر بإقالة مسؤولين وتعيين آخرين.
ويعتبر مراقبون للشأن التونسي أن تظاهرات السبت، تمثل حالة رمزية مهمة، في حركة الشارع التونسي، إذ إنها تشير إلى بداية تبلور رأي عام مضاد لإجراءات سعيد، بعد تشكل رؤية العديد من الأحزاب والنخب السياسية، تجاه ما قام به منذ إعلانه قراراته الاستثنائية في 25 يوليو الماضي وحتى الآن.
غير أن التداعيات الأكثر خطورة، والتي أشارت إليها بعض الأطراف السياسية، كما رصدها مراقبون، هي تلك المتعلقة باتجاه الشارع التونسي، إلى مزيد من الانقسام، بشأن سياسات الرئيس التونسي قيس سعيد، وما إذا كان استمرار ذلك الانقسام، سيهدد الجبهة الداخلية في تونس، عبر خلق توترات في الأوساط الشعبية.
وفي هذا السياق، كتب الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي “ثبت اليوم أنه لا خوف على هذا الشعب من الانقسام إلى شعبين. لأن المواجهة كانت وستبقى بين شعب المواطنين الداعي للحرية ومليشيات مشبعة بالبذاءة والعنف الداعية للزعم الأوحد”.
بدوره دون النائب السابق بشير النفزي “وذلك جزء من الشعب لا يرى ما يرى الرئيس ولا يمثله هذا الأخير في شيء من القرارات والأفعال التي اتخذها وقام بها. هذا جزء من الشعب ليس بهيّن كما الجزء الآخر من الشعب الداعم وبقوة لقرارات الرئيس قيس سعيد. وعليه، لا يحق لأحد أن يتكلم باسم كل الشعب وأن يتحدث عن تفويض شارع أو ما شابه. التفويض في الديمقراطيات لا يكون إلا عبر صناديق الانتخابات وعبر تركيز المؤسسات وحسن سيرورتها”.
وأضاف “رسالة تختلف غاياتها، ولكنها مهمة جدا للتأكيد على احترام الخطوط الحمر الداكنة: الحرية والتعددية والحق في التعبير ولا وألف لا، لدولة القمع الغاشم في مقابل دولة القانون والمؤسسات. ويبقى أجمل ما في صور المظاهرة الحاشدة اليوم. أن لا أمن تدخل لقمع المتظاهرين أو منع من يريد من الاحتجاج والتعبير عن مواقفه. قلتها وأعيدها: من حررتهم ثورة سبعطاش (الثورة التونسية) لن يقبلوا يوما أن تلجم ألسنتهم ولن يرضوا بأي فردانية وطغيان”.
وتحت عنوان “عودة الروح”، كتب الباحث مخلص المرزوقي “انتفاضة الكرامة أثبتت اليوم أن الشعب أو جزء وافر منه لا يقبل ولن يقبل أبدا بالانقلاب، وتباعا لذلك لا يجوز للانقلابي مستقبلا أن يتكلم باسم الشعب ويدوس مجددا على كرامته. روح الثورة ما زالت تنساب في قلوبنا وفي عقولنا. لا خيار آخر إلا الديمقراطية، يسقط الانقلاب وتحيا تونس”.
ودون نور الدين البحيري، النائب عن حركة النهضة “واهم من يتوقع للحظة أن من أفتك حريته وكرامته من أشرس المستبدين والفاسدين بالدماء الزكية الطاهرة وبدموع الثكالى واليتامى والأرامل وآهات المعذبين على مر عقود يمكن أن يخضع للحكم الفردي القهري وللإذلال فما بالك بتحويل كل وطنه إلى سجن مهما كانت الوعود ومهما كان الثمن”.
وأضاف “تاريخ الشعوب علمنا أن الاستبداد قرين الفساد والظلم وأنه المدخل لخراب الدول وإفلاسها وفشلها وأن المستبد غاشم بطبعه ولن يقدر على توفير حتى زيت الصانغو (زيت القلي) فما بالك بتحقيق السيادة والتنمية والشغل والكرامة والثروة والعدل. ولا نجاة لنا من المأزق الذي تورطت فيه بلادنا يوم 25 جويلية (تموز) إلا بالتواضع والتخلص من الأنانية والانطلاق قبل فوات الأوان في حوار جدي وتشاركي يسرع في العودة للديمقراطية في إطار الدستور الذي أقسم الجميع على احترامه وحمايته”.
وكتب النائب عن ائتلاف الكرامة ماهر زيد “نادتنا الساحات مجددا فلبينا نداها. دعوة مواطنيه لشجب الانقلاب على صناديق الاقتراع وإرادة الناس بقوة الدبابات والسلاح. حضور كثيف بالآلاف ومظاهر تحضر نادرة في زمن ارتفاع أصوات الغوغاء والسفهاء”.
ودون المحلل السياسي زهير إسماعيل “الديمقراطيّة تستردّ أنفاسها وتبادر. وقفة بقيادة الشبيبة التي تشرّبت نسائم الحرية والوفاء للثورة والشهداء. وصار لها القدرة على تمثّل الشعارات الأثيرة وتحيينها فكان شعار: دستور، حريّة، كرامة وطنية. وكانت شعاراتها قاسية على الانقلاب وروافده، تلخّص موقفا جذريا من كل محاولة لاختطاف الدولة وامتهانها وشطب المسار الديمقراطي. كان لحضور بعض الشخصيات والنشطاء والوجوه الثقافية المناهضة للانقلاب معناه”.
فيما وجه سامي الطاهري الأمين العام المساعد لاتحاد الشغل (المركزية النقابية) انتقادات للرئيس قيس سيد بسبب عدم تشاوره مع اتحاد الشغل وبقية المنظمات الوطنية والأحزاب السياسية، مضيفا “عدم تشاور قيس سعيد مع هؤلاء يُعتبر نقيصة خطيرة جدا تحمل نوعا من التفرد الذي لا يمكن أن يؤدي إلا إلى الأخطاء”.
وقال، خلال اجتماع في ولاية مدنين جنوب البلاد، إن اتحاد الشغل يرفض تنظيم احتجاجات في الوقت الحالي، معتبرا أنها قد تساهم في تقسيم التونسيين، داعيا الرئيس قيس سعيد إلى إنهاء الوضع الاستثنائي الذي تعيشه البلاد.
وقبل أيام، دعا نور الدين الطبوبي الأمين العام لاتحاد الشغل الرئيس قيس سعيد إلى عدم الخروج عن الشرعية الدستورية، معتبرا أن الاتحاد يوافق على التغيير “ولكن يجب أن يتم ذلك وفق القانون والمؤسسات وفي إطار الدستور”.
وأكد مراقبون في وقت سابق أن الرئيس التونسي يتجه نحو عزلة سياسية، وخاصة في ظل تخلي حلفائه عنه، وهو ما يفسر تبدل خطاب اتحاد الشغل وبعض الأحزاب المؤيدة سابقا لسعيد، واتهامها للأخير بالتفرد بالرأي.