الوقت_ لا يخفى على أحد حجم توتر العلاقات بين الجزائر والمغرب والتي وصلت إلى حد القطيعة بين البلدين الجارين، نتيجة المتغيرات الأخيرة في المنطقة وبالأخص المغرب العربيّ عقب تطبيع الرباط مع الكيان الصهيونيّ الغاصب مقابل اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على الأراضي التي تحتلها في الإقليم الصحراويّ المتنازع عليه أو ما يعرف بـ "الصحراء الغربيّة" إضافة للتآمر مع تل أبيب للنيل من الموقف الجزائريّ المقاوم والكثير من الملفات الأخرى، لهذا فإنّ مزدوجي الجنسية والعمالفي البلدين قلقون بشدّة من الوضع القائم، والدليل ما ذكرته صحيفة “لوموند” الفرنسيّة، حول وجود 50 ألف مواطن مغربيّ يعملون في الجزائر بشكل رسميّ، ولا سيما في وهران والجزائر العاصمة، وبعد أن عقدت الأزمة الصحيّة الناجمة عن وباء كورونا حياتهم، ثم جاء قطع الجزائر العلاقات الدبلوماسيّة مع المغرب وغلق السفارة المغربيّة لدى الجزائر، ليزيد الطينة بلة عليهم.
مع ارتفاع منسوب العداء بشكل غير مسبوق بين الجزائر والمغرب وتأزم العلاقات أكثر وأكثر بينهما، في ظل الخلاف الكبير على عدة ملفات حساسة في المنطقة، ترى الجزائر فيها أنّها مُستهدفة بالفعل من أعداء الماضي والحاضر، المتعاونين والمُطبعين مع الصهاينة، وإنّ إعلان السلطات الجزائرية، قطع العلاقات الدبلوماسيّة مع المغرب، جاء بعد أن "طفح الكيل" من التوترات التي تفتعله الرباط الضالعة في أعمال عدائيّة ضد الجزائر.
كما أنّ الكيان الصهيونيّ ضالع بشكل كبير في تدهور العلاقة إلى هذا الحد، عقب تصريحات أطلقها وزير خارجية العدو، يائير لابيد، خلال زيارة رسميّة غير مسبوقة للمغرب، والتي كشفت الانخراط المغربيّ مع العدو لمحاربة الجزائر، وصدّ الحملة التي قادتها ضد قبول الكيان الغاصب كعضو مراقب في الاتحاد الإفريقيّ، كما أنّ المملكة المغربيّة جعلت من أراضيها قاعدة خلفيّة ورأس حربة لتخطيط وتنظيم ودعم سلسلة من الاعتداءات الخطيرة والممنهجة ضد جارتها الشرقيّة.
لهذا كله، يخشى العمال المغاربة في الجزائر أن يكونوا ضحيّة سياسات بلادهم الرعناء بعد سنوات من العمل خارج بلادهم، لدرجة أنّ بعضهم منذ إعلان الجزائر عن قطع العلاقات الدبلوماسيّة مع المغرب، باتوا يخشون من أن يتم اعتقالهم أو ترحيلهم، وإنّ ما يبرر تلك المخاوف، أحداثٌ تاريخيّة مشابهة، كالخلافات بين البلدين في سبعينات القرن المنصرم، شملت نزع ملكيّة أراضي الجزائريين المقيمين في المغرب عام 1973 والتي تذكرها الصحافة الجزائرية بانتظام، ثم قيام الجزائر عام 1975 بطرد آلاف المواطنين المغاربة إثر فتور العلاقات المرتبطة بمسألة الإقليم الصحراويّ.
وغم أنّ وزير الخارجية الجزائريّ، رمطان لعمامرة، وعد بأنّ قرار بلاده الأخير لن يؤثر سلباً على الجزائريين المقيمين في المغرب والمغاربة المقيمين في الجزائر، لكن لدى العديد من العمال المغاربة في الجزائر والعمال الجزائريين في المغرب، قلق ملموس بشأن عواقب هذا التمزق في العلاقات، خاصة أن وضعهم الإداريّ حساس أصلاً، فيما لا تزال القنصليات المغربيّة في وهران وسيدي بلعباس غربيّ الجزائر مفتوحة.
وبما أنّ العمال في كلى البلدين مقيمين منذ عقد وأكثر فيعني أنّهم أصبحوا مستقرين بشكل كامل، ويملكون عقارات وسيارات إلى جانب عملهم، وبعضهم لم يستطع حتى أن يلم شمل عائلته بعد أن تحسنت ظروفه المعيشيّة، عقب القطيعة الدبلوماسيّة التي لا يمكن إخماد نارها بشكل سريع في الوقت الحالي، خاصة وأنّ الجزائر تدرك جيداً قواعد اللعبة مع جارتها الغربيّة، المنخرطة في تحالفات استخباراتيّة مع بعض الدول بالإضافة للكيان الصهيوني، لاستهداف الجزائر وإشغالها عن القضايا المصيريّة وإبعادها عن القضايا العربيّة والإفريقيّة.
علاوة على ذلك، فإنّ تداعيات الأزمة الدبلوماسيّة لم تتوقف على العمالة في البلدين، بل أيضاً على المواطنين الذي يملكون جنسيّة مزدوجة، حيث يجدون أنفسهم أمام تحد كبير جراء هذا التوتر الحاصل بين البلدين، كمن وقع بين نارين، ويتحدثون أنّه من المؤلم أن يروا بلديّهم في مثل هذه الظروف القاسيّة، رغم أنّ العلاقات الجزائريّة - المغربيّة تشهد انقطاعاً شبه تام على خلفية ملف الحدود البريّة المغلقة منذ عام 1994، بالإضافة إلى قضيّة "الصحراء الغربيّة".
ويعُد ملف الإقليم الصحراويّ من أبرز نقاط الخلاف بين البلدين، وشهد نزاعاً بين المغرب وجبهة "البوليساريو" منذ عام 1975، وذلك بعد انتهاء فترة وجود الاحتلال الإسبانيّ في المنطقة، ليتحول إلى مواجهة مسلحة بين الجانبين، توقفت عام 1991، بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية الأمم المتحدة، حيث تقترح الرباط حكماً ذاتياً موسعاً تحت سيطرتها، فيما تطالب جبهة "البوليساريو" باستفتاء يقرر مصيرهم، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تؤوي عشرات آلاف اللاجئين من الإقليم الصحراويّ، ويسيطر المغرب على أجزاء كبيرة من الصحراء الغربيّة التي أعلنت جبهتها الصحراويّة عن تأسيس "الجمهورية العربيّة الصحراويّة الديمقراطيّة" و شكلت حكومتها في منطقة "تندوف" الجزائريّة.
وتؤكّد الجزائر على ضرورة أن تتحمل الأمم المتحدة ومجلس الأمن مسؤولياتهما الكاملة بما يخص هذا الملف الحساس، خاصة وأنّ الأمم المتحدة ومجلس الأمن والاتحاد الأوروبيّ والاتحاد الأفريقيّ لا يعترفون بسيادة المغرب على الصحراء الغربيّة، وتُصر الجزائر على أنّها ماضية في الدفاع عن الحقوق المشروعة للشعوب التي ترزح تحت الاحتلال، رافضة كل ما يمكن أن يثنيها عن مواقفها وخياراتها، وتعتبر قضية "الصحراء الغربية" من أولوياتها، وتشدّد على ضرورة تحمل المسؤوليّة القانونيّة الكاملة في تطبيق الشرعيّة الدوليّة، وإعطاء الشعب الصحراويّ حقه في تقرير مصيره، بعد خيانة فلسطين والجرائم البشعة التي ارتكبتها المغرب بحق هذا الشعب لتحقيق أهدافها التوسعيّة.
وتدرك الحكومة الجزائريّة حجم الأهداف المغربيّة الخطيرة، لاستهداف بلادهم عب التجسس والتطبيع وملف الصحراء الغربيّة والتواجد العسكريّ الحدوديّ، ما يُشكل استفزازاً أو تهديداً للأمن القوميّ الجزائريّ عبر المخططات المغربيّة والغربيّة والإسرائيليّة المعاديّة، لإشغال الجزائر وإبقائها بعيدة عن القضايا الهامة والعادلة، وثنيها عن مواقفها العادلة المناهضة للاستعمار والمؤيدة لحقوق الشعوب في تقرير مصيرها.
خلاصة القول، بالطبع إنّ العلاقات السياسيّة بين البلدين ستنعكس على العمال ومزدوجي الجنسيّة ولو بالحد الأدنى، إلا في حال اتخذت سلطات البلدين قراراً جديّاً بمنع نقل العداء من المستوى السياسيّ إلى الشعبيّ، عندها لن يؤثر قطع العلاقات مع المغرب على عمالة البلدين، وستبقى القنصليات تمارس دورها المعتاد، لتبقى الوحدة المغربيّة وبالتالي العربيّة هي الخاسر الأكبر نتيجة بناء العلاقات مع الأعداء ومعاداة الجزائر التي تربطها أواصر الدم والأخوة والثقافة والنضال المشترك ضد المستعمر الفرنسيّ مع المغرب.