الوقت- في آذار / مارس 2019، وصل وزير الخارجية الأمريكي آنذاك "مايك بومبيو" إلى لبنان مباشرة بعد زيارته لفلسطين المحتلة لمناقشة عدد من القضايا، بما في ذلك ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والأراضي المحتلة. لكن خلال الرحلة، أصبح من الواضح أن المحادثات حول الشؤون الداخلية للبنان وكذلك المنطقة كانت مجرد ذريعة، وأن "بومبيو" قد جاء إلى بيروت لتنفيذ خطة أكبر.
خياران أمريكيان لإثارة الفتنة بين أوساط الشعب اللبناني
حينها خاطب الدبلوماسي الأمريكي "مايك بومبيو" اللبنانيين ووعدهم بأنهم إذا توقفوا عن دعم المقاومة، فإن الولايات المتحدة ستحول لبنان إلى نيويورك أخرى من حيث الرخاء والراحة. وهذا هو نفس الوعد الذي قطعه الأمريكيون للشعب الأفغاني عندما دخلوا أفغانستان، والآن الأثر الوحيد المتبقي لواشنطن وأفعالها في هذا البلد ليس سوى دمار ومذابح الأفغان. لكن "مايك بومبيو" حذر اللبنانيين أيضًا من أنهم إذا اختاروا الاستمرار في دعم المقاومة، فسيتعين عليهم التعامل مع تداعيات الحصار الأمريكي والمجاعة التي ستصيبهم. في الواقع، تم تنظيم المشروع وبدأت المراحل الخمس الشهيرة للولايات المتحدة من هناك، والأحداث في لبنان بعد زيارة "بومبيو" لهذا البلد هي دليل حي على ذلك.
من أين أتت خطة "بومبيو" الشهيرة المناهضة للبنان؟
إن الفراغ السياسي والانهيار المالي والانهيار الاقتصادي والانفجار الأمني، الذي سيكتمل في نهاية المطاف بهجوم إسرائيلي واسع النطاق على لبنان لتدمير البلاد، هي محتويات المشروع الذي تقوده الولايات المتحدة، والذي يتم تنفيذه في لبنان خطوة بخطوة. فبعد بضعة أشهر من بدء المشروع، بدأت سلسلة من الاحتجاجات المنظمة في لبنان في 17 أكتوبر / تشرين الأول 2019، شارك فيها أشخاص عاديون، طواعية أو غير راغبة في المشروع الأمريكي وغير موافقين على اتخاذ إجراءات ضد بلدهم. وكانت هذه هي المرحلة الأولى من خطة الولايات المتحدة لخلق فراغ سياسي في لبنان. وبعد أيام قليلة من بدء الاحتجاجات، استقال رئيس الوزراء اللبناني آنذاك "سعد الحريري" بحجة عدم القدرة على إدارة البلاد، وفي الواقع تحت ضغط من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة.
ثم جاء الانهيار الاقتصادي والمالي للبنان الذي أشرف عليه الجهاز المصرفي و"رياض سلامة" الرجل الأول لواشنطن في لبنان. طبعاً الطبقة السياسية اللبنانية، المعتمدة على الغرب، عُرفت بفسادها طيلة العقود الثلاثة الماضية، ومعظم التحديات الاقتصادية التي يواجهها لبنان تنبع من هذا النظام الفاسد. لكن الاتجاه اشتد بعد احتجاجات أكتوبر / تشرين الأول الماضي، حيث تم تهريب مبالغ كبيرة من الودائع المالية إلى الولايات المتحدة عبر "رياض سلامة وحلفائه". وفي أوائل فبراير الماضي، اتهم مكتب المدعي العام السويسري "رياض سلامة" بارتكاب "غسيل أموال" بأكثر من 300 مليون دولار. ووجهت النيابة العامة السويسرية رسالة رسمية إلى وزارة العدل اللبنانية تطلب الشفافية بشأن تحويل هذه الأموال من قبل "رياض سلامة" وشقيقه إلى البنوك السويسرية. وتبعت الأزمة الاقتصادية اللبنانية استمرار الفراغ السياسي وحُرم اللبنانيون من حكومة مستقلة لإدارة البلاد. ولم تنجح جهود بعض الأطراف التي شعرت بالمسؤولية عن الشعب في ظل التخريب الذي مارسه الغرب وحلفاؤه.
أخيرًا، وبعد فترة وجيزة من تشكيل حكومة "حسان دياب" في لبنان، وسط كل العراقيل الخارجية ومناورات "سعد الحريري"، شكل الانفجار المروع لمرفأ بيروت في 4 آب 2020 صدمة جديدة للبنانيين، ورافقها استقالة الحكومة نتيجة الضغط؛ سبب الانفجار الذي ما يزال مجهولا، خاضتا وأن الأطراف الدولية بإشراف واشنطن تنوي تحمل مسؤولية التحقيق من الجانب اللبناني لتكرار سيناريو اغتيال "رفيق الحريري" رئيس الوزراء اللبناني الراحل.
الهدف النهائي للمحور الأمريكي في لبنان
لقد أسفر تفجير بيروت عن مقتل أكثر من 200 شخص وإصابة 6000، وتشريد مئات الآلاف من النازحين وتدمير العديد من المباني التجارية والسكنية اللبنانية. وبعد أن وصل سعر الصرف إلى أكثر من 20 ألف ليرة للدولار، شهد اللبنانيون أيضًا انهيارًا ماليًا، مما مهد الطريق لتنفيذ المرحلة الرابعة، وهي انفجار الأوضاع الاجتماعية ولقد تتطلب القيام بهذه الخطوة خطة شاملة من شأنها أن تكتمل في عدد من العمليات.
ولا يخفى على أحد أن الهدف النهائي لواشنطن وحلفائها في لبنان هو تدمير "حزب الله" بأي وسيلة، ومن الواضح أن كل الخطط الأمريكية تسير في هذا الاتجاه. ولفهم هذا بشكل أفضل، دعونا نلقي نظرة على التطورات الأخيرة في لبنان. فقبل أسابيع قليلة، قُتل شاب يُدعى "علي شبلي" من "حزب الله" على يد مجهولين في حفل زفاف. وفي جنازته في منطقة "خلدا" جنوب بيروت، فتح مسلحون مجهولون النار على المدنيين مرة أخرى دون أن يسفر ذلك عن وقوع إصابات. وبعد أيام قصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية الحدود الجنوبية للبنان مما دفع "حزب الله" لرد صاروخي، ثم بدأت بعد ذلك الاستغلال السياسي لوسائل الإعلام المعارضة في الداخل والخارج، بما في ذلك وسائل الإعلام اللبنانية المناهضة للمقاومة. ويظهر قطار الأحداث ضد "حزب الله" أن المنظمين اتخذوا هذه الإجراءات بهدف إجبار قوى المقاومة على الدخول في اشتباكات غير مرغوب فيها ثم عزو أي أحداث مؤسفة وقعت في أي جزء من لبنان إلى "حزب الله". وكما قال الأمين العام لـ "حزب الله" السيد "حسن نصرالله"، فإن المقاومة لن تسقط بالمؤامرات.
الرجل الأمريكي الأول في لبنان والذي نهض ليكمل مشروع واشنطن
إن أزمة الوقود هي أكبر مشكلة تواجه اللبنانيين هذه الأيام، والولايات المتحدة تحاول استغلال هذه الأزمة من خلال أهم مسؤول تنفيذي لها في لبنان لإكمال خطتها المناهضة للأمن والاستقرار. وعليه فقد قامت واشنطن باستغلال هذا الضعف لتفجير الوضع الأمني في لبنان. حيث أعلن رئيس البنك المركزي إلغاء دعم الوقود وسط أزمة المحروقات الحادة في لبنان وفور إعلان هذا القرار توقفت محطات الوقود والمراكز الحيوية مثل المخابز عن العمل، ورافق ذلك غضب شعبي، وبدأت الاحتجاجات في مناطق مختلفة من لبنان. الجدير بالذكر أن الجيش اللبناني صادر يوم أمس كمية كبيرة من البنزين ووزعه على الأهالي احتجاجا على إغلاق المحطة، ووقعت أثناء العملية حادثة مريبة بالاعتداء على صهريج وقود وتفجيره. ويرى العديد من الخبراء أن اللبنانيين الذين لم تلتئم آلامهم بعد من جروح الانفجار في مرفأ بيروت والذين يعيشون في أسوأ الظروف المعيشية الممكنة، لم يعد بإمكانهم تحمل جرائم جديدة.
كما يمكن لقرار رفع الدعم عن الوقود، أن يؤخر تشكيل حكومة في لبنان، وهو أمر إيجابي منذ انتخاب "نجيب ميقاتي" كمرشح جديد لرئاسة الوزراء. وسيكون انفجار صهريج الوقود ونتائجه من بين التحديات الجديدة للمسؤولين اللبنانيين، ومهمة الأطراف المعنية في هذا الصدد عدم إخفاء الجناة الرئيسيين لهذه المأساة الرهيبة، على الأقل كما في حالة بيروت وذلك حتى لا يثيروا غضب الرأي العام. بشكل عام، ما يحدث في لبنان منذ ثلاث سنوات هو نتيجة هندسة سياسية أمريكية، والمذنب الرئيسي بالطبع هو السلطات اللبنانية. لأنه على الرغم من الأدلة الكثيرة على السياسة التدميرية للمنفذين الاقتصاديين لبرامج واشنطن في لبنان، إلا أنهم ما زالوا يتركون قرارات البلاد الاقتصادية لهم.
ولكن في خضم كل هذه المؤامرات، أثبتت المقاومة وحلفاؤها في لبنان أن لا شيء يعيق جهودهم في الدفاع عن الوطن والشعب، وحتى لو كان لبنان تحت حصار شامل، فإن سلاح المقاومة يضمن استقراره. لذلك، إذا كان اللبنانيون، ولا سيما المسؤولون اللبنانيون، يتطلعون حقًا إلى إنقاذ لبنان، فعليهم أن يعلموا أنه لا فائدة في الغرب ولا في الولايات المتحدة كما تم إثباته في العقود الثلاثة الماضية. من الواضح أن لبنان سوف يمر بأيام مضطربة بعد هذه المرحلة، ولا غرابة في حدوث أي أعمال شغب وفتنة جديدة في هذا البلد. ولمنع استكمال المشروع الأمريكي في لبنان لا ينبغي الاعتماد على إرادة المسؤولين اللبنانيين، وإنما يتطلب الأمر تطهير النظام السياسي والاقتصادي للبلاد من براثن الغرب والولايات المتحدة.