الوقت- بعد حوالي ست سنوات ونصف على بداية الأزمة في اليمن، يستمر مسلسل حدوث الكوارث الإنسانية في هذا البلد على مستوى كبير. ولقد أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) مؤخرًا أن 11.3 مليون طفل في اليمن بحاجة إلى مساعدات إنسانية. وقالت المنظمة في تقرير حديث لها إن اليمن يعاني من أسوأ أزمة إنسانية في العالم بسبب سنوات الحرب الدامية، حيث يحتاج 20.7 مليون شخص أي نحو 71٪ من إجمالي السكان إلى مساعدات إنسانية.
مأساة إنسانية في انتهاك حقوق الطفل في كل اليمن
يأتي تقرير صدر مؤخرًا عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة في وقت حذرت فيه الأمم المتحدة مرارًا وتكرارًا من الخطر على سلامة وحياة أطفال اليمن. وفي أوائل يوليو، حذرت المنظمة في تقرير لها من أن أكثر من ستة ملايين طفل في اليمن معرضون لخطر الحرمان من التعليم وأن أكثر من مليوني طفل في سن الدراسة في اليمن أصبحوا خارج مدارسهم حاليًا. وكانت اليونيسف قد قالت في وقت سابق إن 8.1 مليون طفل يمني بحاجة إلى مساعدة تعليمية فورية بسبب الصراع في البلاد، وغردت: "هذه زيادة كبيرة مقارنة بما يقدر بنحو 1.1 مليون طفل قبل الحرب". اللافت في اليمن أن الأمم المتحدة أدرجت "أنصار الله" في قائمة منتهكي حقوق الطفل، في حين أن المملكة العربية السعودية، بصفتها المعتدية على اليمن ، لديها أسوأ سجل في حقوق الإنسان وجرائم الحرب. وبحسب الأرقام الصادرة عن اليونيسف العام الماضي، أغلقت أكثر من 2500 مدرسة خلال الحرب، تضرر ثلثاها بفعل الضربات الصاروخية، واستخدم 7 في المائة منها كملاجئ للاجئين.
وتقول اليونيسف إن أكثر من مليوني طفل يمني حرموا من التعليم و 5.8 مليون طفل أصبحوا معرضون لخطر الاصابة بفيروس كورونا. ولفتت اليونيسف إلى أنه أيضا، بسبب الحرب والحصار الذي يفرضه التحالف السعودي على اليمن، لم يتم دفع رواتب المعلمين في 11 محافظة. وبحسب التقارير الموجودة ووفقًا للمركز اليمني لحقوق الإنسان، فقد قُتل أو أصيب في الفترة من 2015 إلى 2020 أكثر من 7227 طفلًا نتيجة الهجمات الوحشية في مناطق مختلفة من اليمن،. ويقدر تقرير آخر لليونيسف أن حوالي 2.5 مليون طفل يمني معرضون بشكل متزايد لخطر سوء التغذية. ومن ناحية أخرى، أعلن برنامج الغذاء العالمي ومنظمة الفاو ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) ومنظمة الصحة العالمية، كأربع وكالات تحت إشراف وإدارة الأمم المتحدة، في تقرير مشترك: أن ما لا يقل عن 400 ألف يمني من الأطفال دون سن الخامسة في عام 2021 إذا استمر الوضع الحالي، فسوف يفقدون حياتهم بسبب الجوع. وحتى "أنطونيو غوتيريش" اعترف في عام 2020 بأن الأطفال اليمنيين معرضون لاخطار صحية كبيرة، حيث يموت طفل يمني كل 10 دقائق بسبب الصراع والمرض. وخلاصة هذه التقارير تعني أن عمق المأساة الحقوقية بحق أطفال اليمن يمتد إلى المجتمع اليمني بأسره ولا يقتصر على منطقة معينة في شمال أو جنوب البلاد.
الأطفال اليمنيون ضحية المعايير المزدوجة لحقوق الإنسان الغربية
على مدى عقود، دأبت الدول الغربية على دس قيمها في العالم بشعارات الدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية وحرية التعبير وحقوق المرأة وحقوق الطفل وما إلى ذلك. ومن وجهة نظرهم، فإن السبيل الوحيد أمام العالم للهروب من ظل الحرب والتوتر هو الاعتماد على قيم الديمقراطية الليبرالية. وفي السنوات التي تلت نهاية الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة التي تلت ذلك، أصر الغربيون باستمرار على الدفاع عن الشعارات وحقوق الإنسان في شكل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وإنشاء مؤسسات مختلفة في الأمم المتحدة. وعلى مدى عقود، دعت هذه الدول إلى تعزيز وتوسيع الديمقراطية الانتخابية وإنشاء أنظمة ديمقراطية ليبرالية في دول ومناطق أخرى من العالم. وفي السنوات التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفيتي، ابتهج العالم الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة بانتصاره على الكتلة الشرقية، داعيًا إلى إنشاء أنظمة ديمقراطية في أجزاء مختلفة من العالم، بما في ذلك غرب آسيا، ولقد نتج عن تلك الإدعاءات الزائفة قيام الولايات المتحدة بغزو أفغانستان (2001) والعراق (2003).
ولكن الآن وبعد أكثر من ثلاثة عقود من انتهاء الحرب الباردة، أصبح من الواضح للجميع أن العالم الغربي قد اتخذ نهجًا متحيزًا وثنائيًا في تطوير مفاهيم حقوق الإنسان والدفاع عن القيم الإنسانية والديمقراطية، بمعنى أن الديمقراطية وحقوق الإنسان هي في الأساس أداة لتعزيز هيمنتهم والوصول إلى الموارد والمصالح التي يختارونها في البلدان الأخرى. وفي كل لحظة ومكان، يتقمص الغربيون شخصية حقوق الإنسان، لكن في كل نقطة عندما لا تكون هناك مصلحة لهم، يتجاهلون بشكل أساسي مفهوم حقوق الإنسان أو حتى يقلبوه. بشكل أكثر دقة، تقدم الدول الغربية رواية مقلوبة لحقوق الإنسان حول قضية معينة، ويمكن رؤية هذه النهج واضح في قضية حقوق الطفل في اليمن. وبالنظر إلى أن المملكة العربية السعودية ودول أخرى ارتكبت جميع أنواع الجرائم ضد النساء والأطفال بشكل عام في السنوات التي تلت 2015، نرى أن اسم "أنصار الله" مدرج في قائمة منتهكي حقوق الطفل من قبل الأمم المتحدة، ولكن المفارقة هي أنة لا يوجد ذكر للمملكة العربية السعودية في هذه القائمة وهذا يشير إلى أنه في رواية الغربيين والمؤسسات الراسخة للنظام الديمقراطي الليبرالي المنتسب إليهم، فقد تغير موقف الظالم والمضطهد بشكل غريب.
ولا شك أن عدم إدراج اسم الدولة المعتدية في اليمن، وهي السعودية، في قائمة منتهكي حقوق الطفل، يرجع أكثر من أي شيء آخر إلى العلاقات المالية والعسكرية الواسعة لقيادات الرياض مع قادة الدول الغربية. ففي السنوات الخمس التي سبقت الحرب اليمنية، بلغ حجم شحنات الأسلحة الأمريكية إلى السعودية 3 مليارات دولار. وبلغ متوسط هذا الرقم 10.7 مليار دولار سنويًا بين عامي 2015 و 2020. ومع موافقة الولايات المتحدة على بيع أسلحة بقيمة 64.1 مليار دولار خلال هذه الفترة، زادت مبيعات الأسلحة للمشاركين الآخرين في الحرب، مثل الإمارات العربية المتحدة، بشكل كبير. وتعد الولايات المتحدة أكبر مورد للمملكة العربية السعودية للمعدات العسكرية منذ عام 2015، حيث تمثل 73 في المائة من واردات البلاد من الأسلحة، وفقًا لمعهد "ستوكهولم" الدولي لدراسات السلام.
ومن ناحية أخرى، يمكن اعتبار الصمت وعدم الإدانة لانتهاك حقوق الطفل في اليمن موقفًا جيوسياسيًا بالغ الأهمية. فاليوم، تعتبر حقوق الإنسان أساسًا مكونًا تمت مناقشته في قاموس الأخلاق السياسية والقواعد الدولية لحماية الكرامة وحقوق الإنسان، ولكن الآن في النظام الفوضوي الدولي، نرى أن الغربيين، على عكس شعاراتهم الليبرالية و الادعاءات الزائفة، لها معايير مزدوجة بل ومتعددة في تعريف حقوق الإنسان. وحيثما ومتى اقتضت مصالحهم، سيتم تسليط الضوء على قضية حقوق الإنسان وحتى استخدامها كوسيلة لمهاجمة الخصوم بشكل شرعي. والآن، يعد الدعم الأمريكي والأوروبي للمملكة العربية السعودية في اليمن تفنيدًا لجميع مطالبات حقوق الإنسان الغربية، وخاصة ادعاءات التعاون مع الدول الإسلامية. في الواقع، أصبحت المصالح الجيوسياسية والسياسية الآن هي التي تغلبت على الأخلاق السياسية ومطالبات حقوق الإنسان.
لقد لعبت وسائل الإعلام الغربية بلا شك دورًا لا يمكن إنكاره في قلب الحقائق رأسًا على عقب. وفي الواقع، تعد وسائل الإعلام أيضًا أهم أدوات صنع الحقائق في العالم الجديد، وفي التطورات الثورية في غرب آسيا وشمال إفريقيا في السنوات التي أعقبت عام 2011، رأينا بوضوح وظيفتها المزدوجة وموقفها المتحيز. ففي أزمة مثل ليبيا، على سبيل المثال، تم تجاهلها من قبل الغربيين بسبب مصالحها السياسية والجيوسياسية الخاصة، لكن الأزمة اليمنية، التي حدثت فيها واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية في القرن العشرين، تمت تجاهلها. والواقع أننا نرى استمرار نفس المعايير المزدوجة لوسائل الإعلام الغربية فيما يتعلق بالأعمال اللاإنسانية للسعوديين ضد أطفال اليمن. ومن الناحية العملية، فإن وسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية المختلفة، مثل BBC و Fox News و Cyanan و The Guardian و Franz وغيرها، هي التي غطت الأزمة في اليمن وقلبتها رأساً على عقب. وحقيقة الأمر أنه لولا الدعم الإعلامي والاستخباراتي للغرب لما تجرأت السعودية على ارتكاب أعمال إجرامية بحق الأطفال والمواطنين اليمنيين.