الوقت_ في أول اجتماع لمجلس الوزراء الجديد في سوريا، أكّد الرئيس السوريّ، بشار الأسد، أنّ لدى بلاده القدرة على مواجهة التحديات وحلها، معلناً أولويات المرحلة الحاليّة، وذلك عقب ما يقارب أحد عشر عاماً من الأحداث التي عصفت بسوريا في 15/3/2011 امتداداً لما سميّ "الربيع العربي" الذي لم يكن له من اسمه نصيب، في ظل أوضاع معيشيّة واقتصاديّة مأساويّة لا يمكن وصفها إلا بـ "حرب لقمة العيش"، ورغم الانتصارات الكبيرة التي حققتها سوريا وحلفاؤها في الميدان العسكريّ بعد دحر الجيش السوريّ المجموعات الإرهابيّة المسلحة في أغلب المناطق السورية وسيطرته على معظم مساحة البلاد، إلا أنّ الاحتلال ودعم الإرهاب والعقوبات الغربيّة والأمريكيّة بالإضافة إلى المقاطعة العربيّة والفساد المستشري، أمور ساهمت بشدّة في ما تعيشه سوريا هذه الأيام.
بعد أن أدى الوزراء الجدد في سوريا برئاسة، حسين عرنوس، اليمين الدستورية أمام الرئيس السوريّ، ترأس الأسد اجتماعاً للحكومة أكد فيه أنّ أولويات العمل الحالية تتمثل بالإنتاج وخلق فرص العمل، معتبراً أنّ الأمن في السابق كان ضروريّاً للبدء بالإنتاج والإقلاع به، مضيفاً: إن الضروريّ في الفترة الحاليّة هو الانتاج لاستمرار الاستقرار، خاصة بعد تحرير الجزء الأكبر من الأراضي السوريّة من المجموعات الإرهابيّة.
والواضح أنّ الرئيس الأسد أوصل رسالة صريحة للحكومة الجديدة بضرورة أن تحدد ما هي التحديات الموجودة أمامها، وأيّ من هذه التحديات هو أساس وأيّ منها ثانويّ، وقد ركزّ على قضيّة الإنتاج ولم يحصر هذا الموضوع في قطاع معين، حيث إنّ الاقتصاد السوريّ كان يعتمد بشكل خاص على الزراعة والنفط، اللذان كانا معاً يمثلان نحو نصف الناتج المحليّ الإجماليّ، وقد أدت العقوبات والتدمير والاضطرابات المرتبطة بالحرب على سوريا إلى تدمير الاقتصاد السوريّ وتراجعه على جميع المستويات.
وفي الوقت الذي فقد فيه الاقتصاد السوريّ ثلثي مقدراته، خلال أكثر من 10 سنوات من أزمة مستمرة وحرب طاحنة متعددة، أضحى جل السوريين تحت خط الفقر، فيما يقف اقتصاد سوريا شبه عاجز بعد حرمانه من أهم موارده وهجرة غالبية كفاءاته، لذلك أوضح الرئيس السوريّ أنّ الحكومة يجب أن تذهب بالبلاد إلى حيث يجب أن تكون في هذا الزمن، وبما أن الظروف لن تسمح للسوريين بأن يقوموا بهذا الشيء في كافة المجالات، فيمكنهم تحديد مجالات للخرق وتنفيذ خططهم.
وإنّ حكومة عرنوس التي تضم 30 وزيراً، تواجه تحديدات صعبة وملفات معقدة للغاية، لأنّ الاقتصاد السوريّ قبل الأزمة كان يُعد من أكثر اقتصادات الدول النامية تنوعاً، وإنّ استيعاب هذا التدهور المؤسف في بلد كان قبيل اندلاع الحرب ينتج بين 75 إلى 85 % من أغذيته وأدويته وألبسته وأحذيته ويصدر الفائض منها إلى أكثر من 60 دولة وفقاً لمعطيات الصندوق العربيّ للإنماء الاقتصاديّ والاجتماعيّ والمكتب المركزيّ السوريّ للإحصاء، وكان الإنتاج السوريّ من النفط بحدود 450 ألف برميل يومياً، بفائض عن حاجة السوق المحليّة ويصدر نحو 150 ألف برميل منه يومياً إلى ألمانيا بالدرجة الأولى، وكانت سوريا بين البلدان الخمسة الأولى في العالم بإنتاج القطن وتربية الأغنام والأبقار، أما إنتاجها من الحبوب كان يتراوح بين 3.5 إلى 6 ملايين طن سنويّاً، بفائض عن حاجة السوق المحلية في أغلب السنوات.
أيضاً، مهمة الحكومة السوريّة تحتاج لخطط مدروسة وتطبيق كامل، لتحسين الوضع الاقتصاديّ ودفع عجلة الإنتاج، خاصة أنّ سلعا وخدمات أساسية كالخبز والسكر والرز والأدوية ومصادر الطاقة والطبابة والتعليم كانت قبل الأزمة متوفرة بكميات هائلة وبأسعار رمزية أو دون مقابل حتى، وكانت الجمهوريّة السوريّة قبلة لملايين السياح سنويّاً والذين زاد عددهم على 8 ملايين في عام 2010، بسبب رخص منتجاتها وجودة صناعاتها الاستهلاكيّة وعراقة تاريخها.
يُشار إلى أنّ تركيز الرئيس الأسد على الإنتاج، يأتي نتيجة لتوقف الناس على طوابير يوميّة طويلة للحصول على القليل من السلع الأساسيّة، بسبب تدمير المصانع والزراعة ووطأة العقوبات الغربيّة على التجارة السوريّة، في ظل تشديد العقوبات الأمريكية عبر ما يعرف بـ "قانون قيصر" الذي زاد طين المعاناة بلة في البلاد، لأنّه حظر التعامل مع جميع المصارف السوريّة، كما نص القانون أيضاً على معاقبة أيّ شركة أجنبيّة تتعامل مع دمشق، وبالرغم من ادعاء واشنطن أنّها استثنت الأغذية والأدوية من الحظر، فإن الواقع يؤكّد أنّ منع التحويلات الماليّة يعيق بشكل كبير وصول أيّة سلعة إلى البلد الذي دمرته الحرب، الشيء الذي دفع بالكثيرين لانتقاد الحصار الأمريكيّ بمن فيهم أصدقاء البيت الأبيض، كونه يعيق العمل مع سوريا ويعقد عودتها إلى محيطها العربيّ، وفقاً لتعبير وزير الخارجيّة الإماراتيّ، عبدالله بن زايد آل نهيان.
خلاصة القول، يسعى الأسد بشدّة لإنقاذ الناس العاديين الذين دفعوا ثمن العقوبات والفساد بالدرجة الأولى، حيث تتزايد الصعوبات اليوميّة للسوريين نتيجة لحصارهم وسرقة نفطهم من قبل أمريكا ووكلائها، فيما يدفع أبناء هذا البلد يوماً بعد آخر ثمناً باهظاً في حرب مستمرة حرقت الأخضر واليابس، ودمرت اقتصادهم ومقومات عيشهم.