الوقت_ عقب زيارة الملك الأردنيّ، عبد الله الثاني، إلى الولايات المتحدة مؤخراً كأول زعيم عربيّ يلتقي بالرئيس الأمريكيّ، جو بايدن، كثُر الحديث عن أن آخر محطة توقف عليها الملك عبد الله في واشنطن قبل عودته إلى بلاده كانت مباحثات معمقة مع رئيس الأركان الامريكيّ، مارك ميلي، الأمر الذي يُظهر بأنّ العلاقات العسكريّة بين الأردن والبيت الأبيض في طريقها للذهاب إلى آفاق لم تشهدها من قبل، وخاصة أنّ الأردن كان ولا يزال حليفاً وثيقاً لواشنطن في المنطقة منذ أكثر من عقدين، خلال فترة حكم عبد الله الثاني، رغم التراجع الذي عاشته العلاقة بينهما في عهد الرئيس الأمريكيّ السابق، دونالد ترامب، نتيجة لسياسات أمريكا الإقليمية، ولا سيما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينيّة.
بالتزامن مع عاصفة الأزمات التي يواجهها الملك الأردنيّ على المستويين الداخليّ والخارجيّ، إضافة إلى التغيير الذي حدث في الإدارة الأمريكية، يسعى الملك الأردنيّ لإعادة الأمور إلى سابق عهدها مع الولايات المتحدة، حيث بحث مؤخراً مع رئيس الأركان الأمريكيّ قضايا أمن واستقرار المملكة ومكافحة الإرهاب، في ظل أزمات اقتصادية كبيرة يعاني منها الأردن منذ سنوات، باعتبار أنّ الاقتصاد الأردنيّ يعتمد على المساعدات الخارجيّة وبالأخص الأمريكيّة إضافة إلى عائدات السياحة.
وبالاستناد إلى أنّ الأردن يلعب دوراً مهماً في السياسة الإقليميّة للولايات المتحدة، اعتبر محللون أنّ خطاب الملك الأردنيّ يوحي بأنّ غرفة العمليات العسكريّة الأمنيّة بين البلدين سيعاد ترميمها وبأنّ اللجان المشتركة التي كانت تزعم أنّها تعمل ضد الإرهاب والتطرف في العراق وسوريا تحديداً ومن ثم في لبنان ستستأنف عملها انطلاقاً من استراتيجيّة الوجود المكثف للقوات الأمريكيّة العسكريّة في عمق الأراضي الأردنية هذه المرة.
وتُعد زيارة الملك عبد الله، الأولى للولايات المتحدة منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في 4 نيسان الماضي، سبقها زيارة مثيرة ومهمة وصفت حينها بأنّها "تاريخية"، وقد قام في العاصمة الأمريكيّة بلقاءات حيويّة مع جنرالات كبار في وزارة الدفاع "البنتاغون" بما فيهم قائد القيادة الوسطى في القوات الأمريكيّة وهي تشكل الفرع المسؤول عن نطاق العمليات في منطقة الشرق الاوسط.
ووفقاً لخبراء عسكريين، فإنّ انتقال الاتفاقيات والعلاقات العسكريّة بين واشنطن وعمان إلى مستويات عملياتيّة في هذا التوقيت، يمكن اعتباره نقطة تحول كبيرة واستراتيجيّة بينهما، والدليل نقل العديد من القوات التابعة لأمريكا في المنطقة إلى مثلث صحراويّ أردني شمال وشرقي البلاد، وخصوصاً تلك القوات الموجودة في بعض الدول الخليجيّة مثل قطر والكويت ولاحقاً العراق.
وإنّ قيام الولايات المتحدة بإنشاء قواعد ومنشآت عسكريّة دائمة لها في الاراضي الأردنيّة، يُفضي إلى توسع النطاقات العملياتيّة في التنسيق وهو أمر جديد يجعل البُعد الأمنيّ والاستراتيجيّ في قمته بين البلدين، كما أنّه سيؤثر بلا شك على الناحيتين السياسيّة والاقتصاديّة، عقب زيارة الملك التي وصفت من كل الأوساط السياسيّة الأردنيّة بأنّها كانت ناجحة بامتياز في تفعيل وتنشيط علاقات متقدمة جداً.
وفي الوقت الذي تنقل فيه العلاقات الأردنيّة مع البيت الأبيض إلى مرحلة عملياتيّة – عسكريّة، تتقدم عمان بقوة في خارطة الأولويات العسكريّة لواشنطن على مستوى المنطقة، وإن وجود القوات العسكريّة التابعة للولايات المتحدة في الأراضي الأردنيّة بنطاق عملياتيّ ومستقل، يعني أنّ السرطان العسكريّ الأمريكيّ شرق الأردن سيكون ذو مهام أمنيّة رفيعة المستوى في مراقبة الأوضاع برمتها ليس فقط في لبنان وسوريا والعراق، بل في البحر المتوسط والخليج، وبالطبع سيرافق ذلك دعماً اقتصاديّاً كبيراً من قبل البنتاغون للعمليات المخصصة لمنطقة شرق البحر المتوسط.
وعلى هذا الأساس، تعيش العلاقات العسكريّة بين الأردن والولايات المتحدة ظروفاً استثنائيّة ستلقي بظلالها على المنطقة والأيام القادمة ستشهد على ذلك، فالارتباط العسكريّ هذا غير مسبوق في العلاقة بينهما، رغم العلاقة التاريخيّة بين البلدين، وإنّ النطاق العملياتيّ هو عنصر جديد وخطر، حيث يتم الحديث عن واجبات رقابة وتنسيق أمنيّ وجاهزية قتاليّة وليس فقط عن مناورات وبرامج عسكريّة ثنائيّة، وقد شهدت زيارة الملك عبدالله للأردن تفاصيل كثيرة وخفايا أكثر، الأهم من ظاهرها الحرص الكبير على إبراز التحالف والشراكة بشكل أكثر مما هو معهود.
خلاصة القول، إنّ البوابة العسكريّة الجديدة لأمريكا في الأردن، تُشكك في نية واشنطن تقليص وجودها العسكريّ في الشرق الأوسط، حيث تسعى لإعادة رسم خططها الدمويّة بما يتناسب مع مصالحها الحاليّة، وهذا يُغري الأردن بشدة ويوفر مساحة عريضة له لحل الاشكالات الاقتصاديّة والسياسية الكبيرة على حساب أمن المنطقة، كما أنّ قدوم الضباط الأمريكيين للمنطقة وتعاونهم الرفيع مع ضباط الأردن ومؤسساته العسكريّة والأمنيّة يعني بشكل واضح انتقالاً كبيراً على مستوى المكانة الجيوسياسيّة للأردن، والمطلوب من الحكومة الأردنيّة هو الاستعداد والجاهزية لتنفيذ الإملاءات الأمريكيّة والتجهيز للانطلاقة الكبيرة في العلاقات والعمل على تحقيق مكاسب أكثر.