الوقت - أعادت مقابلة جديدة لـ"سيف الإسلام" نجل الديكتاتور الليبي السابق معمر القذافي، مع صحيفة نيويورك تايمز في مدينة الزنتان غرب ليبيا، مرة أخرى اسم عائلة القذافي إلى دائرة الضوء. فقد انتقد سيف الإسلام في هذا المقابلة مع الصحيفة الأمريكية، الأوضاع الحرجة في ليبيا على مدى السنوات العشر الماضية، مؤكداً الحنين إلى عهد والده، معلناً عودته إلى الساحة لتولي السلطة.
تجرى الانتخابات الليبية الأولى في 24 ديسمبر 2021 بعد اتفاق مجموعات المعارضة الليبية لتشكيل حكومة وحدة وطنية، وهي أول انتخابات لتحقيق حلم إقامة الديمقراطية بعد الإطاحة بالديكتاتور معمر القذافي. وفي ظل هذه الظروف، أعلن سيف الإسلام القذافي أنه مستعد للعودة إلى الساحة بعد عقد من الغياب وفي وضع تجثو فيه ليبيا على ركبتيها لا مال ولا أمن ولا حياة كريمة للشعب.
سيف الاسلام من الموت المحقق والملاحقة القانونية الدولية إلى الساحة السياسية
واجه الديكتاتور الليبي السابق معمر القذافي ثورة شعبية في عام 2011، و نتيجة لهجمات التحالف الدولي انتهى حكمه بعد أربعة عقود من الزمن، في ذلك الوقت قتل الثوار معمر وثلاثة من أولاده البالغ عددهم 7، فيما بقي مصير سيف الإسلام مجهولاً بعد هذه الأحداث.
واعتقلت مجموعة مسلحة سيف الإسلام بعد يوم واحد من مقتل والده. ويتمتع سيف الإسلام بسجل دبلوماسي حافل قبل الإطاحة بحكم والده، حيث نجح في قيادة مفاوضات عام 2004 بشأن تعويض ضحايا تفجيرات لوكربي وتفجير الطائرة الفرنسية التي اتُهمت ليبيا بتنفيذها.
كما نجحت جهوده في قضية الممرضات البلغاريات في عام 2007. يعتقد المحللون أن سيف الإسلام سيحل في يوم من الأيام محل والده. وعلى عكس شقيقه الساعدي، الذي كان رياضيا مغامرا، كان سيف الإسلام يتمتع بصفات قيادية، لكن "الربيع العربي" قضى على معظم أحلامه في إدارة البلاد.
تتابعت الأحداث بسرعة وأرد استعراض عضلاته لكنه تعرض لسلسلة من الهزائم. حيث قال سيف الإسلام في خطاب متلفز شهير أثناء الحرب، " ان ليبيا تشهد سيلاً من الدماء وسنقاتل حتى آخر شخص وآخر رصاصة".
وبعد أربع سنوات من الإطاحة بمعمر القذافي، حكمت محكمة في طرابلس على سيف الإسلام بالإعدام غيابيا عن جرائم ارتكبها أثناء الثورة، لكن أفرج عن سيف الإسلام في حزيران 2017 بموجب قانون عفو عام. وواصل بعدها العمل بصمت وبعيداً عن وسائل الإعلام معلنا مواقفه من خلال محاميه و أنصاره.
ومع ذلك، يخضع سيف الإسلام (49 عاماً)، للملاحقة من قبل المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب، والتي لا تزال هذه القضية مستمرة. لكن في ظل الوضع الجديد، أكد سيف الإسلام أن الوضع في ليبيا يمر بأزمة منذ 10 سنوات، و شدد على أن الجماعة المسلحة التي اعتقلته أدركت أخيراً أنه يمكن أن يكون حليفا قوياً.
سيف الإسلام من العداء مع الثوار إلى الصداقة واعتماد التيارات السياسية عليه
لا يمكن اعتبار عودة سيف الإسلام إلى الساحة السياسية والسلطة في ليبيا موقوفا على الأسابيع الأخيرة. ففي عام 2018، أثيرت مسألة إجراء الانتخابات في كانون الأول، وأعلن سيف الإسلام استعداده للترشح و خوض الانتخابات. آنذاك والآن، يعتقد العديد من المراقبين السياسيين، بالنظر إلى التركيبة القبلية للمجتمع الليبي، أن سيف الإسلام القذافي لديه الصفات اللازمة لقيادة ليبيا وأن القبائل الليبية قد تدعمه للفوز بالانتخابات الرئاسية.
وعلى عكس الأيام الأولى عندما كان الثوار أعداءه اللدودين، يبدو أنه الأن جزء من الطرف المتورط في الأزمة الليبية يسعى لاستغلال إمكاناته. وفي هذا الصدد، نرى أن سيف الإسلام أكد في مقابلته الأخيرة أنه شخص حر وينظم عودته إلى الساحة السياسة، وأن الذين اعتقلوه أصبحوا الآن أصدقاءه. واثق من إمكانية حل هذه القضايا القانونية إذا انتخبته غالبية الليبيين كزعيم لهم.
سيف الإسلام يظهر في الأزمة السياسية
لا شك أن ظهور سيف الإسلام القذافي وعودة ظهوره كشخصية سياسية في ليبيا يمكن أن يُنظر إليه على أنه نتيجة لفشل مشروع التدخل الأجنبي في هذا البلد في السنوات التي تلت 2011.
استمرت حالة الفوضى في البلاد في السنوات التي أعقبت سقوط القذافي وساد الإرهاب ثم الحرب الأهلية. في ذلك الوقت، عانى الليبيون من ظروف اقتصادية صعبة ومن انعدام الأمن.
و في تلك السنوات تنافست حكومتان في حكم مناطق مختلفة من البلاد، واحدة بدعم سياسي من الأمم المتحدة ودعم عسكري من تركيا وقطر، والأخرى بدعم عسكري من روسيا والإمارات ومصر .
وبعد مضي خمس سنوات على الثورة الليبية، بلغت خلافات قادة هذا البلد ذروتها. هذا و تعترف الأمم المتحدة بحكومة دولة الوفاق ومقرها طرابلس، والحكومة الأخرى في شرق ليبيا وهي الجيش الوطني الليبي، بقيادة الجنرال خليفة حفتر. هذا ويخضع الجزء الجنوبي الغربي من ليبيا لسيطرة قبائل الطوارق، وتهيمن قبيلة التبو على المناطق الخاضعة لسيطرة القوات التابعة للجنرال حفتر.
كما تسيطر القوات المتحالفة مع داعش على جزء كبير من شمال ليبيا. سعى الجنرال حفتر، الذي كان يحظى بدعم الإمارات ومصر وروسيا في اشتباكات أبريل 2019، للاستيلاء على طرابلس، وفشلت هذه المحاولة بسبب الدعم العسكري التركي لحكومة طرابلس.
وبعد التدخل التركي الجاد في الحرب الأهلية الليبية منذ يونيو 2020 وهزيمة قوات خليفة حفتر، وكذلك وصول الجانبين إلى مدينة سرت كنقطة حيوية بينهما والتحذير من التدخل العسكري المصري المباشر، أعلنت الأطراف وقف إطلاق النار وتم التأكيد على ضرورة الحلول الدبلوماسية.
وأعقب ذلك محادثات سياسية حول الأزمة الليبية (أكتوبر 2020 في جنيف ونوفمبر 2020 في تونس). حيث اتفق الطرفان المتنافسان الرئيسيان في الحرب الأهلية الليبية أخيراً في 5 يونيو 2020 على تشكيل حكومة انتقالية جديدة. وجاء الاتفاق بعد خمسة أيام من المفاوضات في ملتقى أقيم في جنيف بالتنسيق مع الأمم المتحدة. ونتيجة لذلك، انتخب محمد يونس المنفي، وهو دبلوماسي من شرق ليبيا، رئيساً جديداً للمجلس الرئاسي، وعبد الحميد الدبيبة، رجل الأعمال، رئيساً للوزراء.
وفي ظل هذه الأوضاع المتأزمة، وبعد 10 سنوات من الإطاحة بالديكتاتور الليبي السابق معمر القذافي، نرى مرة أخرى توجه غالبية الشعب وكذلك التيارات السياسية نحو سيف الإسلام.