الوقت - أدى تحرك الرئيس التونسي قيس سعيد في 25 يوليو 2021 للإطاحة برئيس الوزراء هشام المشيشي وتعليق عمل البرلمان لمدة 30 يومًا، إلى تحول المشهد السياسي في البلاد إلى أزمة كاملة. لا شك في أن السبب الجذري لقرار قيس سعيد الجديد يمكن إرجاعه إلى اختلاف دام عقدًا من الزمان بين العلمانيين والإخوان المسلمين. في كل السنوات التي أعقبت ثورة 2011 الكبرى في تونس، كان هناك تنافس شديد وتوتر بين التيارات الإسلامية، وخاصة الإخوان بقيادة رشيد الغنوشي وحزب النهضة، مع التيارات العلمانية حول طبيعة النظام السياسي والدستور والحكم. لكن بالإضافة إلى الأزمة الداخلية والتنافس بين الجماعات السياسية التونسية، لفت انتباه المراقبين السياسيين في الأيام الأخيرة دور ومشاركة الجهات الأجنبية في إثارة الأزمة الحالية في تونس. في اليوم الأول بعد أمر الرئيس، اتهم رشيد الغنوشي زعيم حركة النهضة ورئيس البرلمان التونسي الإعلام الإماراتي بالوقوف وراء الأحداث في تونس واستهداف حركة النهضة. وقال مجتهد على تويتر "الإمارات والسعودية وعدتا الرئيس التونسي بخمسة مليارات دولار مقابل نجاح الانقلاب". بالإضافة إلى هذه الادعاءات، وبالنظر إلى تسلسل التطورات والمعادلات الميدانية، فإن عمل قيس سعيد والتطورات الداخلية في تونس مرتبطة بمجال المنافسة الإقليمية وعبر الإقليمية، وفي السنوات القادمة سيتوسع هذا التوجه الخارجي في المناطق أكثر فأكثر.
صمت حقيقي لأوروبا وأمريكا، خطوة نحو المواجهة مع تركيا
من المؤكد أن تركيا هي أهم لاعب إقليمي في الأزمة التونسية، والتي تمت ملاحظة أفعالها على جهات فاعلة أخرى في السنوات منذ 2011. خلقت التطورات الثورية في العالم العربي عام 2011، والمعروفة باسم موجة الصحوة الإسلامية، ساحة جديدة لزيادة نفوذ تركيا وقوتها في غرب آسيا وشمال إفريقيا، مع الرغبة في توسيع عمقها الاستراتيجي من خلال تعزيز أحزاب وتيارات الإخوان. في غضون ذلك، انتهج رجب طيب أردوغان وحاشيته في الحكومة التركية، منذ بداية الأزمة، سياسة دعم حزب النهضة بقيادة رشيد الغنوشي، وقد أدى ذلك إلى ردود فعل متعارضة وانتقادية من جهات فاعلة مختلفة على مر السنين. في الوضع الحالي، يمكن رؤية المواجهة الصامتة بين الغرب وأنقرة بشأن قرارات قيس سعيد، والتي يشار إليها بالانقلاب من قبل حزب النهضة والقادة السياسيين الأتراك. ولإثبات ذلك، يمكننا أن نشير إلى رد الفعل السلبي للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، كما أكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض جنيفر ساكي على التطورات الأخيرة في تونس: "حافظوا على مبادئ الديمقراطية". وفي رد مماثل، أصدر الاتحاد الأوروبي بيانا حول التطورات الأخيرة في تونس، مؤكدا ضرورة الحفاظ على الديمقراطية والاستقرار في البلاد. تُظهر ردود الفعل هذه بوضوح أنه ليس للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أي قلق خاص بشأن التطورات الأخيرة في تونس فقط، بل أعطوا أيضًا الضوء الأخضر لإضعاف جماعة الإخوان المسلمين بقيادة حزب النهضة من خلال دعم الحركات العلمانية. لذلك، يمكن اعتبار قضية مواجهة تركيا مع الغرب على أنها المستوى الأول من تدخل وتأثير الفاعلين عبر الإقليميين والإقليميين في الأزمة الأخيرة في تونس.
مواجهة محور الإخوان والمناهض للإخوان على المستوى الإقليمي
على صعيد آخر، يمكن اعتبار الأزمة الأخيرة في تونس مجالًا آخر للمواجهة الإقليمية التي تركز على موضوع دعم الإخوان ومعارضتهم. في السنوات التي تلت 2011، يبدو أن تركيا والدول العربية، وعلى رأسها السعودية والإمارات، يمكن أن يكون لها مجالات تعاون وتنسيق فيما بينها. كما رأينا أن الإمارات والسعودية، وبعد انقلاب 2013 في مصر بقيادة عبد الفتاح السيسي، اندلعت مواجهة إقليمية كبرى بين العرب وتركيا. لم يتضاءل هذا الاستقطاب في السنوات الأخيرة فحسب، بل اتخذ أيضًا أبعادًا أكثر تحديدًا وتعقيدًا في مجالات مختلفة، مثل الأزمة الليبية. من جهة، تشعر الدول العربية المحافظة، بتأثير أفكار وسياسات ولي العهد الأمير محمد بن زايد، بقلق بالغ إزاء صعود جماعة الإخوان في المنطقة، ومن جهة أخرى تدعم أنقرة الإخوان في المنطقة من خلال التعاون السياسي وحتى العسكري. في أعقاب التطورات الأخيرة في تونس، نرى أيضًا أن عملية خفض التصعيد الأخيرة بين تركيا والدول العربية بشكل عام ومصر على وجه الخصوص قد توقفت. وفي هذا الصدد، ذكرت مصادر دبلوماسية مصرية أن عملية المفاوضات بين القاهرة وأنقرة لتطبيع العلاقات واجهت "انقطاعًا تكتيكيًا". يشير هذا التعليق في عملية تطبيع علاقات تركيا مع مصر، وكذلك الدعم المحتمل من بعض القادة العرب للطيف العلماني في تونس، إلى أن التطورات في هذا البلد هي الآن أحد عناصر وأكبر أجزاء اللغز في البلاد. المواجهة المتمحورة حول الإخوان مع المناهضين للنخب. في الواقع، أصبح توجه إيجابيات وسلبيات جماعة الإخوان المسلمين الآن استقطابًا إقليميًا نشطًا وديناميكيًا، يمكن رؤية أحد عناصره الرئيسية في تونس. بالنظر إلى التطورات الأخيرة، يمكن أيضًا ملاحظة أنه في المستقبل غير البعيد، في منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا، سيدخل محور الإخوان والجماعة المناهضة للإخوان بشكل متزايد في أقصى قدر من المواجهة والصراع.