الوقت- للسعودية تاريخ طويل في استمالة واحتواء وسائل الاعلام المختلفة والسعي للهيمنه على الفضاء الاعلامي العربي والاسلامي بشكل عام، وذلك من خلال أذرعها وسفارتها ومكاتبها القنصلية الممتدة عبر أرجاء العالم، والتي تقوم بضخ الأموال لشراء صمت وسائل الاعلام المختلفة، البارز منها والمغمور، وقد زخرت وثائق ويكيلكس بالكثير من التقارير التي تؤكد هذا الأمر. إلا أن الجديد هذه المرة هي لغة الترهيب التي اعتمدتها السعودية في التعاطي مع قناة الميادين، والتي تدل على مستوى البلطجة الذي غدت تتعامل به السعودية مع من يخالفها بالرأي ويتجاوز "الخطوط الحمر" التي تحاول فرضها على الاعلام العربي، والأمر هذه المرة لم يقف عند وسيلة اعلامية بحجم الميادين فحسب، بل تعداه إلى ابتزاز الدولة اللبنانية والتلويح بنقل محطة بث القنوات اللبنانية عبر عرب سات من بيروت إلى الأردن، في حال لم تستجب الدولة اللبنانية لطلب وقف بث الميادين.
ويضاف هذا الاجراء السعودي تجاه قناة الميادين إلى سجل السعودية الظلامي الحافل بمحاولات كم الأفواه وشراء الذمم ومصادرة الوعي العربي والاسلامي، عبر استخدام الأموال الطائلة من أجل تطويع الاعلام العربي، بأقسامه المسموع والمقروء، وقد كانت السعودية في وقت سابق قد وجهت تهديداً لجريدة الأخبار اللبنانية عبر السفير السعودي في لبنان الذي توعد الصحيفة "بإيقافها عند حدها"، كما لعبت دوراً هاماً في وقف بث القنوات الإيرانية على الأقمار الصناعية العربية.
وإن كانت السعودية قد مارست الكثير من الضغوط على قناة الميادين خلال الفترات السابقة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، لكن يبدو هذه المرة أنها لم تعد قادرة على اخفاء حنقها وغيظها من هذه القناة، الأمر الذي يعزيه مراقبون إلى تزلزل صورة الدولة السعودية جراء الأزمات المتراكمة التي تعاني منها اليوم، بدءاً من المستقع اليمني الذي أبرز عجز السعودية العسكري عن تحقيق أهدافها في اليمن بعد ثمان أشهر من بدء عدوانها عليه، وصولاً إلى فاجعة منى التي سلطت الضوء على عدم كفاءة السلطات السعودية في إدارة شؤون الحج، وهو ما ذهب بهيبة السعودية إلى حد كبير.
فالسعودية اعتادت طوال عقود من الزمن إلى اتباع سياسة التعمية على قلة كفاءتها عبر توظيف أموالها الطائلة، للهيمنة على الاعلام ما أمكن. إلا أن عجزها عن استمالة قناة الميادين، واسكات صوتها الذي سلط الضوء على الحقائق التي تحاول السعودية حجبها عن العالم، إضافة إلى الشعبية الكبيرة التي تحظى بها القناة عند الجماهير العربية، جعل الغيظ السعودي يصل إلى حد المجاهرة بالبلطجة على مبدأ "على عينك يا تاجر".
ولاشك بأن قناة الميادين لها خصوصية من ناحية النجاح الكبير الذي حققته خلال فترة قصيرة نسبياً، حيث استطاعت القناة بعد ثلاث سنوات ونصف من بدء انطلاقها أن تحظى بنسبة متابعة كبيرة لدى جماهير العالم العربي، وفي زمن انزلقت فيه الكثير من الفضائيات في وحل الطائفية واللامهنية، حافظت قناة الميادين على بوصلتها في دعم القضايا العادلة والانتصار للقضية الفلسطينة والنهج المقاوم، دون أن تغفل الرأي الآخر، الذي أفردت له مساحة هامة من بثها، عبر استضافة الضيوف من مختلف المشارب والآراء ضمن برامجها ونشرات الأخبار، وهذا ما أثار حنق السعودية، التي تعودت على شراء الصمت فيما يتعلق بالمسائل التي تمس مصالحها، ولم تعتد على وسائل اعلام حرة لا تلتزم بلائحة المحظورات السعودية، ولا يتم التحكم بها عبر السفارات السعودية.
الجدير بالذكر، أن السبب المباشر الذي دفع شركة عربسات (التي تملك السعودية أكثر من ثلث أسهمها) أن تطلب من الحكومة اللبنانية اغلاق مكتب الميادين، والتلويح بفسخ تعاقدها مع الدولة اللبنانية و نقل محطّة بثّها من منطقة جورة البلوط في المتن (شمال بيروت)، إلى عمان في الأردن، هو بكل بساطة تعليق أدلى به ضيف إيراني في أحد برامج قناة الميادين، حول كارثة منى، حيث وجهت إدارة عربسات كتاب إنذار للقناة، بحجة مخالفة شروط التعاقد، وهو ما ردت عليه القناة في كتاب عبر محاميها، مشيرةً إلي أنّها لم تخالف شروط البثّ، وأنّ ما ورد في الحلقة جاء علي لسان الضيف ، وليس علي لسان مقدّم البرنامج .
وبالرغم من أن إدارة "عرب سات" تمتلك القدرة التقنية علي حجب القناة من دون المرور بالدولة اللبنانيّة ، كما حصل سابقاً لدي إزالتها قنوات أخري من باقتها، إلا أن طلبها من الحكومة اللبنانية اغلاق مكتب الميادين ينطلى على ابتزاز ومحاولة تطويع للدولة اللبنانية، ومحاولة فرض منع بث المواد الإعلاميّة المعارضة للسعوديّة ودول خليجية أخرى.
أما فيما يتعلق بموقف محطة الميادين، فقد قال رئيس مجلس قناة الميادين غسان بن جدو "لا نريد إحراج الحكومة اللبنانية بل هي قضية تتعلق بالاعلام العربي وإسكات الاعلام ليس من حق أحد." وأكد بن جدو أنه "لن نقف مكتوفي الأيدي أمام أي ترهيب أو تهديد لنا"، مشيراً إلى أن القضية ليست قضية الميادين إنما قضية الإعلام العربي و"نحن لن نسكت". مؤكدا بأنه بالرغم من وجود بدائل تقنية لدى قناة الميادين في حال تم ايقاف بثها عبر "عرب سات"، إلا أن المحطة لا يمكن أن ترضخ لهذا الضغط لأنها "مسألة مبدأية".
من المؤكد أن هذا السلوك البلطجي السعودي تجاه قناة الميادين، لن يعجز فقط عن اسكات صوتها، بل سيكون من شأنه زيادة شعبية هذه القناة لدى المتابع العربي، والتأكيد على الوجه الظلامي لممكلة القهر السعودية، في اخفاء الحقائق والهيمنة على الاعلام، فشمس الميادين التي بزغت عالياً في زمن الظلام، لن يحجبها الظلام.