الوقت - غادر محمد بن زايد إلى السعودية يوم الاثنين، في حين أن لقائه مع صديقه الحميم في السنوات الأخيرة أي محمد بن سلمان سيكون مختلفًا عن كل لقاءاتهما السابقة، ومنذ الآن تلقي الخلافات والتوترات بظلالها على هذا الاجتماع.
لكن ما هي طبيعة هذه الخلافات، وإلى أي مدى يمكن حلها في اجتماع قادة البلدين؟
الخلافات الخفية
كانت التوترات بين السعوديين والإماراتيين واضحة تمامًا في الخلاف الأخير حول مستوى إنتاج النفط في أوبك بلس.
لطالما كانت الإمارات تدعم القرارات السعودية في أوبك بلس؛ على سبيل المثال، عندما کان السعوديون يقترحون خفض إنتاج النفط، کانت الإمارات توافق دائمًا. لكنهم باتوا على خلاف في الآونة الأخيرة.
تعدّ السعودية منتجًا رئيسيًا للنفط في منظمة أوبك، وقد لعب انخفاض الأسعار دورًا رئيسيًا في التسبب في مشاكل اقتصادية وعجز في ميزانية هذا البلد.
لكن الإمارات، التي ركزت على زيادة مبيعات النفط في السنوات الأخيرة، أشارت من خلال مغادرة هذه المنظمة إلى أنها تريد الاستمرار في طريقها وإنهاء "علاقتها الحاسمة" مع الرياض.
على الجانب الآخر، في الجولة الأخيرة من تدهور العلاقات بين البلدين، منعت الرياض مواطنيها من دخول الإمارات انتقاماً لسلوكها.
ومع ذلك، ينبغي القول إن الأزمة في العلاقات بين الإمارات والسعودية أكبر بكثير من أوبك، وخلاف أوبك كان مجرد غيض من فيض الخلافات.
کانت مصر والسعودية يُنظر إليهما في العقود الأخيرة على أنهما الدولتان العربيتان الرائدتان في العالم العربي، بحيث كانت الرياض المركز المالي للعالم العربي ومصر مركزها العسكري. لكن في العقدين الماضيين، بدأ ظهور الإمارات كقوة اقتصادية جديدة في دول مجلس التعاون، في تغيير هذه المعادلة.
في زمن محمد بن زايد، لم تعد أبو ظبي متفرجًا صامتًا على صراعات الشرق الأوسط. حيث أنه باستخدام شركائه السياسيين والماليين في الغرب لتعزيز نفوذه في جميع أنحاء الشرق الأوسط، تدخَّل زايد بنشاط في مختلف الصراعات السياسية، من مصر إلى ليبيا واليمن.
وأخيرًا، أوضحت أزمة أوبك الأخيرة أن الإمارات لن تعمل بعد الآن في ظل الرياض، وهذا ما أثار غضب السعوديين.
وبينما بدا أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يتبع في البداية تعليمات نظيره في الإمارات، وتبنی السياسة الخارجية المثيرة للأزمة تجاه اليمن وحصار قطر، لکن فشل هذه التعليمات وتشكيل التنافس بين البلدين في الملف اليمني دفعا بن سلمان إلى اتباع نهج جديد، وبناءً عليه يُقدر أن تنامي قوة أبو ظبي الإقليمية في جميع أنحاء منطقة غرب آسيا وإفريقيا يتعارض مع مصالح الرياض.
الخلافات الرئيسية الأولى ظهرت في الحرب اليمنية. ففي حين سيطرت الإمارات على بعض المناطق الحدودية، معتمدةً على دعم القوات بالوكالة المعروفة باسم المجلس الانتقالي الجنوبي، واحتلت في الواقع بعض المناطق الاستراتيجية في اليمن، مثل سقطرى وباب المندب، لم تعد الرياض تسيطر حتى على واحد بالمائة من اليمن.
إن الإمارات وبالنظر إلی امتلاکها قاعدةً عسكريةً على جانبي البحر الأحمر، أي في جيبوتي وباب المندب، تتحكم في دخول كل سفينة إلى البحر الأحمر. وهذا ما شوَّه صورة السعوديين في المنطقة والعالم العربي، الذين كانوا يعتبرون اليمن حديقتهم الخلفية ذات يوم.
کذلك، يعود الخلاف الآخر بين البلدين إلی التنافس على اكتساب المزيد من النفوذ في العالم الغربي.
في أعقاب فضيحة اغتيال خاشقجي، أظهرت الإمارات أن لها نفوذاً وتأثيراً أكبر في العالم الغربي، ولديها علاقات أفضل مع الصين. في المقابل، أطلقت الرياض حملةً سياسيةً عبر العالم الغربي لمنع بعض الدول الأوروبية، مثل ألمانيا وإيطاليا، من تسليح الإمارات.
في هذا الصدد، ووفقًا لتقارير إعلامية في يناير من هذا العام، أعلنت إيطاليا أنها ستعلق مبيعات الأسلحة للإمارات والسعودية بسبب الحرب في اليمن وتداعياتها.
لكن في غضون ذلك، تعتقد بعض المصادر الغربية أن هذا الإجراء كان ضد الإمارات أكثر من كونه حملةً ضد السعودية. لذلك، قامت أبو ظبي بطرد القوات الإيطالية من إحدى قواعدها العسكرية في الإمارات، بسبب غضبها من هذا القرار الإيطالي، بينما اتخذت السعودية سياسة ضبط النفس.
کما كان الخلاف حول المصالحة العربية الأخيرة بين الرياض وجماعة الإخوان المسلمين في المنطقة بقيادة قطر وتركيا، عاملاً آخر في تدهور العلاقات بين الإمارات والسعودية. فبينما تحاول الرياض تحسين علاقاتها مع تركيا وقطر لتقليص مشاكلها الإقليمية، أزعجت هذه الخطوة الإمارات.
لا شك أن محمد بن سلمان يريد الحد من قوة الإمارات في المنطقة. وفي هذا الصدد، حتى خطة تطبيع العلاقات بين الإمارات والکيان الصهيوني، على الرغم من الضوء الأخضر الأولي الذي منحه السعوديون للقيام بذلك عبر البحرين، لم تسلم من إجراءات بن سلمان المناهضة للإمارات.
فبينما سعت الإمارات إلى تعزيز نفوذها في المنطقة من خلال تطبيع العلاقات مع الکيان الإسرائيلي، أصبح هذا الأمر الآن أداةً بيد بن سلمان لردع أبو ظبي. وبحسب بعض المصادر الكويتية، قرر السعوديون عدم السماح للطائرات الإسرائيلية بالتحليق فوق الأجواء السعودية بعد الآن.
من ناحية أخرى، في الأشهر الأخيرة، اندلعت حرب إعلامية خفية واسعة النطاق بين أجهزة المخابرات والأمن في البلدين على وسائل التواصل الاجتماعي.
يسيطر كل من الإمارات والسعودية على عدد كبير من حسابات وسائل التواصل الاجتماعي الوهمية، ويمولونها. وفي عام 2019، كشف تحقيق داخلي في تويتر أن العديد من الحسابات المزيفة تعود إلی الإمارات والسعودية.
وكان نشر أخبار كاذبة ضد قادة البلدين أحد إجراءات هذه الحسابات في الأشهر الأخيرة للتأثير على الرأي العام. على سبيل المثال، نشر المستخدمون الإماراتيون أخبارًا كاذبةً حول حظر الأذان في المساجد السعودية بناءً على أوامر ابن سلمان.
بشكل عام، يمكن القول إنه مع اشتداد الخلافات بين السعودية والإمارات حول مختلف القضايا الإقليمية والدولية، سيعتبر الجانبان بعضهما البعض تهديدات أمنية بشكل متزايد.