الوقت_ صحت التنبؤات التي تحدثت أنّ عودة المياه إلى مجاريها بشكل إعلاميّ مع النظام الإخوانيّ في قطر وإعادة الدوحة إلى الحضن الخليجيّ لا يمكن أنّ ينهي المشكلات العميقة بين الدول الخليجيّة ولا يعني أنّها قد انتهت إلى غير رجعة، بسبب تناقض الفكريّ والسياسيّ، حيث أوضح وزير الخارجية البحرينيّ، عبد اللطيف الزياني، أن قطر لم تستجب لدعوتين وجهتهما البحرين إليها من أجل عقد اجتماعات ثنائيّة لبحث أسباب الأزمة بين البلدين بعد المصالحة الخليجيّة، ما يؤكّد أنّ الادعاءات الواهية بأنّ صفحة الخلافات قد طويت لا تعدو عن كونها "دعاية إعلاميّة كاذبة".
مجدداً، عادت قضية الخلافات بين الدول الخليجيّة إلى الواجهة، خلافات لا يمكن أن تنتهي بمجرد لقاء أو تصريح أو إعلان عودة للعلاقات بعد مقاطعة دامت لسنوات، وإنّ حديث الزياني خلال لقاء مع عدد من كتاب الأعمدة والرأي، حول أنّ "وحدة مجلس التعاون لدول الخليج تشكل ركيزة أخرى من ركائز تحقيق غاية السلام في المنطقة"، لا يعدو عن كونه تصريحاً دبلوماسيّاً كشف اللثام عن حجم الخلاف المتنامي بين الدولتين.
وفي الوقت الذي كثرت فيه التساؤلات بشأن العلاقة بين قطر والدول الخليجيّة وبالأخص البحرين، يمكن استنباط نقطة هامة وهي أن بيان قمة العلا الذي يشمل عدداً من الالتزامات، من بينها عقد اجتماعات ثنائيّة للتعامل مع الأسباب التي أدت إلى الأزمة بين قطر وكل دولة على حدة، هو مجرد "حبر على ورق"، وأنّ ما سميت "المصالحة الخليجيّة" والتي أخذت بعداً إعلاميّاً أكثر من كونه سياسيّاً، لم تغير من واقع الحال شيئاً بل إنّها خففت حدة التوتر ظاهريّاً ليس أكثر.
والدليل الآخر على أنّ المصالحة الإعلاميّة كانت "مصالحة إقليميّة" واسعة النطاق ولمدة وجيزة، هو تصريحات الزياني التي بيّن فيها أنّ "مملكة البحرين وجهت دعوتين إلى قطر لإرسال فريق إلى مملكة البحرين، إلا أنها لم تستجب"، لذلك شكك كثيرون منذ البداية في أن تشهد المنطقة تكثيفاً مفاجئاً للتعاون بين الدول الخليجيّة التي فشلت حتى في جعل قدراتها العسكريّة متوافقة منذ 40 عاماً، والتي لها مصالح وسياسات متباينة تجاه القوى الخارجيّة.
وتدرك الدول الخليجيّة جيداً أنّ انعدام الثقة بينها لا يمكن أن ينتهي في ليلة وضحاها، وخاصة أنّ جذور التوتر لم يتم التطرق إليها في المصالحة الصوريّة، على الرغم من تأكيد البيان الختاميّ لقمة العلا السعودية الذي جرى في 5 كانون الثاني المنصرم ووقعته البحرين مع مصر والسعودية والإمارات في ختام قمة لدول مجلس التعاون الخليجي، على عودة العلاقات الكاملة بين قطر ودول المقاطعة واحترام ما أسموها "مبادئ حسن الجوار"، بعد مقاطعة دامت أكثر من ثلاثة أعوام ونصف، حيث أعلنت الدول الأربع في حزيران 2017 قطع العلاقات الدبلوماسيّة مع قطر، متهمة إياها بدعم وتمويل الإرهاب والتدخل في شؤونها الداخليّة، وهو ما نفته الدوحة بشدة.
كذلك، فإنّ تصريحات الزياني أوصلت رسالة رسميّة واضحة إلى الجميع، وهي أنّ تلك القضية الشائكة ازدادت تعقيداً، وأنّ انعدام الثقة يتفاقم بشدة بين الدوحة من جهة، وبقية الدول الخليجيّة من جهة أخرى، خاصة عقب سنوات من الحرب الضروس والعداء الكبير والمكثف بينهم، حيث كشفت السنوات الماضية حقيقة العداء بين تلك الدول، حيث فرضت السعودية والإمارات والبحرين ومصر لسنوات حصاراً برياً وجوياً وبحرياً على قطر، بسبب اتهامات بدعمها للإرهاب إضافة إلى علاقتها مع طهران.
ومن الجدير بالذكر أنّ ولي العهد السعوديّ، محمد بن سلمان، سعى حينها بقوة لإنهاء الحصار على قطر الغنية بالغاز، لهدفين الأول هو كسب ود إدارة الرئيس الأمريكيّ، جو بايدن، لتصمت عن فضائحه وجرائمه ذات البعد الدوليّ، والثاني هو تقديم ذكرى الوداع إلى صديقه المفضل الرئيس الأمريكيّ السابق، دونالد ترامب الذي حول المملكة إلى "بقرة حلوب" في عهده، بعد اتفاقيات التطبيع لكل من الإمارات والبحرين والمغرب مع العدو الصهيونيّ الغاصب.
في المحصلة، لم تنس قطر سلوك البحرين في الماضي والتي كانت من بين الدول الأربع التي فرضت عقوبات صارمة عليها، وباعتبارها الحلقة الأضعف بينهم، تعاملت الدوحة معها بشكل صريح وواضح، ما يعني أنّ خلافات الأمس حاضرة اليوم وغداً بقوة مع جميع تلك الدول وإن لم يكن ذلك علنيّاً، وأنّ الخلافات ستتفاقم مستقبلاً وستتخذ أشكالاً لم نشهدها في السابق.