الوقت - أصبح الجمود السياسي في لبنان هذه الأيام، أحد مواضيع المفاوضات والجهود الدبلوماسية الإقليمية والدولية.
بعد زيارة منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل إلى لبنان ومحادثاته مع الشخصيات السياسية البارزة وقادة الأحزاب، سافر رئيس الوزراء المکلف وزعيم تيار 14 آذار سعد الحريري إلى الإمارات، لمناقشة الأزمة السياسية والاقتصادية في البلاد مع المسؤولين الإماراتيين. وفي ظل هذه الظروف، هنالك أنباء متناقضة عن قرار الحريري الانسحاب من عملية تشكيل الحكومة.
يبدو أنه مع انتهاء المهلة الجديدة الممنوحة للحريري في شكل خطة نبيه بري للتوزيع المتكافئ لـ24 منصبًا وزاريًا، بات الوضع الآن على وشك إجراء مهم من قبل الحريري قد يؤدي إلى استقالته أو إعفائه من مهمة تشکيل الحكومة من قبل الرئيس اللبناني ميشال عون.
أخذ لبنان رهينةً
تهديد الحريري بالاستقالة ليس جديدًا، لأنه قد استخدم هذا التكتيك في عام 2019 أيضًا، وذلك لممارسة الضغط علی المقاومة من أجل تقديم تنازلات بشأن تشكيل ما يسمى بحكومة تكنوقراطية وعابرة للأحزاب بهدف إزاحة حزب الله من السلطة، فيما فاز تيار المقاومة في تحالف 8 آذار بـ 71 مقعدًا من أصل 128 مقعدًا برلمانيًا في انتخابات 2018.
يعتقد الحريري وحلفاؤه وأنصاره، الذين يأخذون الاستقرار اللبناني رهينةً، أنه لا يمكن تشكيل حكومة مستقرة دونه، وأن حزب الله سيضطر في النهاية إلى تقديم التنازلات اللازمة من خلال التهديد بالاستقالة وعرقلة تشكيل الحكومة.
وقد أدى ذلك إلى فشل كل المبادرات الداخلية والخارجية للخروج من الأزمة السياسية، فيما ينفد الوقت بسرعة لإنقاذ لبنان من هاوية الانهيار الاقتصادي.
مطلوب من الحكومة الجديدة تصميم سلسلة من الإصلاحات الرئيسة بما يتماشى مع المبادرة الفرنسية، الأمر الذي يمكن أن يخرج لبنان من أسوأ أزمة اقتصادية ومالية ويمنع كارثة اجتماعية رهيبة.
ويعدّ تنفيذ الإصلاحات المتأخرة للوصول إلی مليارات الدولارات من المساعدات الخارجية الموعودة لبلد يعاني من ضائقة مالية، أمرًا بالغ الأهمية.
يواجه لبنان أزمةً اقتصاديةً خانقةً، وهو أخطر تهديد لاستقراره منذ الحرب الأهلية. إذ تشهد الليرة اللبنانية انخفاضاً حاداً منذ تشرين الأول(أكتوبر) 2019، حيث فقدت أكثر من 90 في المئة من قيمتها، ما أدى بأكثر من نصف سكان لبنان البالغ عددهم ستة ملايين نسمة إلى الفقر والبطالة.
كما أن اللبنانيين في وضع صعب بسبب نقص الوقود ونقص الأموال لشراء الوقود، والزيادة الكبيرة في أسعار المواد الغذائية وغيرها من المواد الأساسية ضمن خطط الحكومة المؤقتة لإلغاء دعم المواد الأساسية مثل الوقود والقمح والخدمات الطبية.
في غضون ذلك، تهدد فرنسا والاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات محتملة على السياسيين اللبنانيين المتورطين في الفساد، والمتهمين بمنع تشكيل حكومة جديدة.
لجنة الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي تناقش حالياً في لوكسمبورغ الوضع في لبنان، بما في ذلك العقوبات الأوروبية والاستماع إلى تقرير من منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل بعد زيارة استمرت يومين لبيروت الأسبوع الماضي.
حيث ألقى بوريل باللوم على السياسيين اللبنانيين بسبب تأخير تشكيل الحكومة الجديدة، وحذر من أن الاتحاد الأوروبي قد يفرض عقوبات على أولئك الذين يمنعون الخروج من الجمود السياسي.
کما أعلن البنك الدولي هذا الأسبوع، أن الركود المالي في لبنان ربما يكون من بين الأسوأ في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر.
الضغوط الأمريکية والسعودية علی الحريري
لا شك أن أحد الأسباب الرئيسة لرفض الحريري خطة ميشال عون لتقسيم الحكومة بالتساوي دون إعطاء الثلث الضامن لأي من الجانبين، يعود إلى ضغوط الولايات المتحدة وخاصةً السعودية، التي تقيم الوضع الحرج في لبنان في سياق الضغط على المقاومة.
حاليًا، إذا استقال الحريري من مسؤولية تشكيل الحكومة بما يتماشى مع مطالب السعودية والولايات المتحدة واستمر في التعطيل، رغم أن ذلك يمكن أن يؤدي إلى ظروف سيئة للبنان، إلا أنه سيدمر أيضًا بقاء حياته السياسية في لبنان في هذه المقامرة السياسية.
وبالتالي، إضافة إلى الرأي العام، العديد من التيارات التي دعمت الحريري سابقًا في تيار 14 آذار، أصبحت الآن منتقدةً لأدائه، وقد يؤدي ذلك إلى تشكيل ائتلاف وطني للانتقال من الحريري.