الوقت- حاول الأمريكيون خلال السنوات الأخيرة تحت ذرائع مختلفة منها محاربة الإرهاب تبرير وجودهم العسكري غير الشرعي في المنطقة وخاصة في سوريا والعراق ولتحقيق هذه الغاية استخدموا جميع أنواع الحيل، لكن هدفهم الحقيقي من وجودهم في سوريا هو الإطاحة بحكم الرئيس بشار الأسد، وليس إنقاذ السوريين من براثن الإرهاب.
دعم أمريكا للإرهاب في سوريا
منذ آب 2014 شكلت الولايات المتحدة وبعض حلفائها تحالفاً دولياً بذريعة محاربة تنظيم داعش الإرهابي، وتم هذا التحالف خارج إطار الأمم المتحدة ودون أي تنسيق مع الحكومة السورية. ووفق تقارير رسمية تعتبر أمريكا وشركائها الغربيين والعرب من بين الموجدين والممولين والداعمين الرئيسيين للجماعات الإرهابية بما في ذلك داعش.
دخلت الولايات المتحدة إلى سوريا بذريعة محاربة داعش لكنها بدأت تدريجياً في ترسيخ احتلالها للبلاد من خلال نهب ثرواتها ومواردها الطبيعية. وبحسب المعلومات المتوفرة، أنشأت الولايات المتحدة 14 قاعدة عسكرية على الأراضي السورية أهمها القاعدتين العسكريتين التنف 1 و 2 اللتان تتميزان بفارق رئيسي عن القواعد الأمريكية الأخرى وهو أن القاعدتين مشتركتين بين بريطانيا وأمريكا والجيش السوري الحر الجديد.
من وجهة نظر المحللين تعد القاعدة العسكرية الأمريكية في التنف من أكبر القواعد العسكرية الأمريكية في منطقة غرب آسيا. وإن وجود هذه القاعدة في أراضي دولة ذات سيادة، لأي سبب من الأسباب، هو اعتداء على دولة عضو في الأمم المتحدة، وبالتالي خلّف هذا الاعتداء العديد من النتائج السلبية على الشعب السوري.
ومن ناحية أخرى، تستخدم الولايات المتحدة وحلفاءها قاعدة التنف العسكرية لتدريب عناصر المعارضة السورية التي تدعي أنها تحارب داعش. حيث تزعم المجموعات التي يدربها الأمريكيون أنها تحارب إرهابيي داعش، لكن في الواقع الغرض الأساسي من إنشاء وتدريب هذه المجموعات هو محاربة الجيش السوري وحلفائه. كل هذا أدى إلى تأكيد أمريكا وحلفائها السيطرة على معبر التنف.
وفيما يتعلق بآخر الأدلة على دعم واشنطن للإرهابيين في سوريا، أعلنت النيابة العامة العسكرية السورية أنها توصلت إلى أدلة تؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية تدرب إرهابيين في سوريا وقالت إن كل من تورطوا مع الاحتلال ستطالهم الملاحقة.
وقال المتحدث باسم النيابة إن التحقيق ما زال جار لديها "لمعرفة مدى تورط الأجهزة الخاصة في الولايات المتحدة بشكل مباشر في إدارة مثل تلك الهجمات على الأرض"، وأوضح أن تلك الهجمات والاغتيالات طالت ضباطا وجنودا سوريين وروسا.
وفي بيان صحفي مصور حول الوجود الأمريكي في سوريا "والجرائم والانتهاكات المرتبطة به" عرضت النيابة صورا وتسجيلات لأشخاص قالوا إنهم تعاونوا مع القوات الأمريكية.
وأشارت النيابة إلى أن "القانون السوري يطبق على كل سوري أو أجنبي فاعلا مكان أو متدخلا أقدم خارج الأرض السورية على جنحة أو جناية مخلة بأمن الدولة" وقالت إن ذلك "سيفسح المجال واسعا أمام الملاحقات القضائية لكل من تورطوا فيما يقوم به الاحتلال الأمريكي على الأراضي السورية".
وقالت النيابة إن تحقيقاتها أثبتت وبالأدلة أن الولايات المتحدة الأمريكية تنتقي أعدادا كبيرة من الإرهابيين المنتمين لجماعات موالية لها، وأنها تنتقي بعضهم من أفراد داعش الموقوفين في سجون تلك الجماعات، ثم "يجري نقلهم إلى قاعدة التنف العسكرية الأمريكية أو إلى قواعد مشابهة حيث يتلقون تدريبات عسكرية مكثفة بإشراف مدربين أمريكيين وتحت غطاء تدريب ما يعرف بجيش مغاوير الثورة".
وأوضحت النيابة أنها تقوم منذ فترة غير قصيرة بدراسة مختلف جوانب الوجود الأمريكي في سوريا، وخاصة القانونية، ونتيجة ذلك توصلت إلى جملة نتائج، منها أن ذلك الوجود وبنظر القانون الدولي "عدوان عسكري واحتلال موصوف بعيد عن أي مسوغ من مسوغات استغلال القوة التي أقرها ميثاق الأمم المتحدة".
وأوضحت النيابة أن الولايات المتحدة "لم تحصل على موافقة سوريا في ذلك الوجود، كما أن مجلس الأمن لم يفوضها بهذا الإجراء وبكل تأكيد هي ليست في حالة الدفاع عن النفس وبالتالي فإن الولايات المتحدة تخرق صراحة نص ميثاق الأمم المتحدة".
ووصفت النيابة ذلك الوجود غير الشرعي بأنه "عامل رئيسي من عوامل عدم الاستقرار وإعاقة التسوية السياسية للأزمة في البلاد". وقالت إن الولايات المتحدة "لم تكتف بالعدوان العسكري بل أصبحت تسرق الثروات السورية من نفط وغاز وقمح وتنقلها خارج الحدود على مرأى من العالم".
نهب النفط والثروة السورية من قبل المحتلين الأمريكيين
كانت الحكومة السورية تصدر بين عامي 2004 و 2010 ما يعادل حوالي 250 ألف برميل من النفط يومياً إلى دول مختلفة، بما في ذلك ألمانيا وإسبانيا وأستراليا وغيرها، والتي شكلت 20٪ من الإيرادات السنوية للبلاد.
مع اندلاع الأزمة عام 2011 تغير الوضع 180 درجة وواجهت سوريا مشاكل جدية حيث أنها خسرت تدريجياً وعلى مدى أربع سنوات المناطق الشمالية والشمالية الشرقية والشرقية وبالتالي فقدت دمشق السيطرة على العديد من حقول النفط والغاز.
ونفذ أول عملية نهب لحقول النفط السورية تنظيم داعش الإرهابي بدعم أميركي وبالتنسيق مع أنقرة. وكانت تصل آلاف الشاحنات من مناطق النفط الشرقية (خاصة محافظة دير الزور) إلى الحدود مع تركيا يومياً وهناك كانوا يقومون بتفريغ حمولة النفط.
في ذلك الوقت احتل تنظيم داعش الإرهابي مساحات شاسعة من الأراضي السورية وساعدت سيطرته على الطريق الجنوبي الشمالي إلى نهب النفط ونقله إلى تركيا عبر محافظة حلب دون أي عقبات محققاً بهذه العملية دخلاً عالياً.
بالطبع لا ينبغي أن ننسى أنه لم يكن تنظيم داعش الإرهابي المستفيد الوحيد من عمليات نهب موارد النفط فبين عامي 2014 و 2017 حقق الأمريكيون وأيضاً الأتراك أرباحاً ضخمة من خلال نهب الثروة الوطنية السورية وكذلك اشترى حلفاء البيت الأبيض النفط بسعر منخفض فهم أيضاً كانوا متواطئين في هذه السرقة الصارخة .
وبعد أن فقد تنظيم داعش الإرهابي السيطرة على الضفة الشرقية لنهر الفرات، استمرت الولايات المتحدة في نهب الثروات النفطية السورية عبر مجموعات (ما يسمى بقوات سوريا الديمقراطية) "قسد " ومنذ عام 2017 ماتزال عمليات النهب مستمرة في بعض المناطق.
وتعتبر الحسكة حالياً من أهم محافظات النفط والغاز في شمال شرق سوريا والتي تشترك في الحدود مع العراق وتركيا، ويعد الوجود العسكري للمحتل الأميركي غير الشرعي الأكبر فيها. وكان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قد قال في تصريح سابق "نحتفظ بالنفط السوري وتذكروا أن فيه من الربح 45 مليون دولار شهرياً .
وفي كانون الثاني / يناير من هذا العام أعلن مايكل سبرينغمان القنصل الأمريكي السابق في جدة: أن الولايات المتحدة تنقل قوات من العراق إلى سوريا لسرقة النفط السوري من شعبه ونقله إلى أماكن أخرى بما في ذلك الكيان العنصري "اسرائيل".
وفي السابق كان الأمريكيون ينقلون شحنات النفط المسروقة من سوريا إلى تركيا ويسلموها للكيان الصهيوني من موانئها بسعر منخفض، لكن يبدو أن الأتراك لم يحققوا بهذه الطريقة ربحاً كبيراً فبدأوا بمعارضة مرور البضائع المسروقة عبر الأراضي التركية، مما أجبر المحتل الأمريكي أن يغير مسار النفط المسروق إلى العراق.
بايدن واستمرار الترامبية في سوريا
لكن بعد هزيمة دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية وفوز"جو بايدن" ، كان من المتوقع أن تتضاءل نزعة ترامب التدميرية في مواجهة خصوم أمريكا بحيث يمكن للدول الخاضعة للعقوبات أن تتعافى من خلال المفاوضات. وعليه توقع العديد من الخبراء حدوث تغيير في سياسة واشنطن تجاه سوريا في عهد بايدن لكن بايدن بدأ رئاسته بإعطائه أمر بشن هجوم عسكري على قوات الحشد الشعبي في منطقة البوكمال السورية على الحدود مع العراق. الامر الذي يشير الى أنه لا فرق بينه وبين ترامب في السياسات المتطرفة والعدوانية في الشرق الأوسط بما في ذلك في سوريا.
وتظهر الاستطلاعات أن سياسة بايدن تجاه سوريا لن تختلف كثيراً عن سياسة ترامب، حيث يمكن رؤية هذا أيضاً في وجهات نظر أعضاء إدارة بايدن. فعلى سبيل المثال، أعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين أن التسوية مع حكومة الأسد مستحيلة، وقال ان انسحاب قواتنا من سوريا قلل من نفوذنا مقابل نفوذ روسيا وإيران وحتى تركيا ويجب إعادة هذا النفوذ. كما يجب عدم السماح بالوصول إلى الموارد النفطية في شمال شرق سوريا دون الحصول على تنازلات من الحكومة السورية. كما نرى في فترة حكم بايدن استمرار نهب النفط والمنتجات الزراعية السورية وحرمان الحكومة السورية من الوصول إلى تلك الموارد إضافة إلى الضغط الناجم عن العقوبات الشديدة ضد السوريين.
من جهة أخرى تحاول الإدارة الأمريكية الجديدة وحلفاؤها تحسين الوضع الاقتصادي للأراضي المحتلة إدلب والمناطق الكردية فضلاً عن تقديم الدعم المالي لها وتحسين الوضع الاقتصادي لتلك المناطق مقارنة بالمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة وبهذا تجعل المواطنين في مواجهة مع الدولة.
وفي جانب العقوبات الاقتصادية يبدو أن لا نية لبايدن في رفعها خاصة عقوبات "قيصر". فقد أعلن أحد مستشاريه: ان بايدن لا يعتزم تخفيف العقوبات الاقتصادية الأمريكية ضد سوريا فحسب بل على العكس إنه مستمر بها حتى تغير الحكومة السورية سلوكها وهو أمر بعيد وغير متوقع.
إعادة انتخاب بشار الأسد في سوريا ونهاية الآمال الأمريكية
كما ذكرنا كان الهدف الرئيسي لأمريكا منذ بداية دخولها العسكري إلى سوريا هو الإطاحة بحكم بشار الأسد، وحتى في الآونة الأخيرة بذلت مع حلفائها الغربيين جهوداً كبيرة لنزع الشرعية عن الانتخابات الرئاسية السورية ومنعها من اجرائها. لكن و بخلاف ما تتمنى واشطن مرة أخرى انتهت الانتخابات بفوز الرئيس بشار الأسد.
هذا وشدد الرئيس السوري بشار الأسد عقب فوزه في الانتخابات على محاربة الاحتلال وتحرير كافة الأراضي السورية من المحتلين. كما أعلن الأسد أنه سيتخذ في المرحلة القادمة إجراءات جادة لتحرير المناطق السورية من الإرهابيين والقوات الأجنبية المحتلة.
لذلك وفي ضوء استمرار توجه الحكومة السورية نحو محاربة الوجود الاجنبي، ستستمر السياسات الأمريكية السابقة ضد دمشق مع اختلاف أنه في زيادة قوة المقاومة والحلول التي تقدمها الحكومة للسوريين لتجاوز الحصار الاقتصادي، لا يمكن للأمريكيين أن يتفاءلوا كثيراً في نجاح سياساتهم ومشاريعهم في سوريا.