الوقت - في الأسابيع القليلة الماضية، ومع الاشتباكات التي شهدتها مدينة القدس بين الفلسطينيين المقيمين في المدينة والصهاينة، فإن قضية فلسطينيي 1948 أو بحسب الكيان الصهيوني "عرب إسرائيل" قد ظهرت مرة أخرى في المقدمة. في جولة جديدة من الصراع في الأراضي المحتلة، نظم السكان فلسطينيو 48، أكثر من أي وقت مضى، مسيرة احتجاجية وتحدوا الحكم الصهيوني في مدينة القدس. حتى أن هناك أدلة على أنه بعد حوالي أسبوعين من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، الذي توسطت فيه مصر في 21 مايو 2021، قام الكيان الصهيوني بحملة قمع واعتقال ضد فلسطينيي 48 في موجة جديدة من الاعتداءات. من أجل معالجة وتحليل وضع هذه القضية، يحاول المقال الحالي تقديم تاريخ ووضع وأفعال ومستقبل ما يسمى "فلسطينيو الـ 48."
من هم فلسطينيو 48؟
يشير مصطلح فلسطينيو 48 أو عرب 48 في الأراضي المحتلة، إلى الفلسطينيين الذين عاشوا في الأراضي الفلسطينية المحتلة حتى عام 1948. يطلق الكيان الإسرائيلي على هؤلاء الفلسطينيين اسم "عرب إسرائيل". حسب الإحصائيات المتوفرة، فإن 21٪ من السكان البالغ عددهم 9 ملايين نسمة في الأراضي المحتلة (إسرائيل) يتشكلون من هذه المجموعة السكانية. بمعنى آخر، هم فلسطينيون لم يغادروا البلاد بعد قيام الكيان الإسرائيلي عام 1948 وبقوا في محل إقامتهم (باستثناء الضفة الغربية وقطاع غزة ومرتفعات الجولان). لا يزال هؤلاء السكان في نفس وضعهم منذ بداية تأسيس الكيان الصهيوني في عام 1948، عندما دارت حرب قصيرة بين هذا الكيان والدول العربية، حيث هرب 750,000 فلسطيني أو طُردوا، وتم ترحيل الفلسطينيين الفارين إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، أو استقروا في مخيمات اللاجئين في أنحاء المنطقة.
بين عامي 1949 و1966، كان العرب الفلسطينيون تحت حكم جيش الكيان الصهيوني المنشأ حديثًا وكانوا خاضعين لتصاريح التنقل وحظر السفر والاعتقال. في الوقت نفسه، طُرد معظم الفلسطينيين من منازلهم وأراضيهم، واستبدلوا باليهود بشكل تغيير ديموغرافي وإنشاء مستوطنات جديدة. لكن في السنوات التي أعقبت عام 1966، ازداد وعي السكان وقدرتهم على المواجهة، وكان أول ظهور جدي لهم في عام 1976 بعد مقتل ستة فلسطينيين عزل كانوا قد احتجوا على استيلاء الحكومة على الأراضي في منطقة الجليل. خلال هذه الفترة، اتحد الحزب الشيوعي الإسرائيلي وما يسمى بالفهود السوداء الفلسطينية ضد الحكومة، وهو ما يُعرف بأنه أكبر احتجاج داخلي ضد استعمار الكيان الصهيوني. وتواصلت احتجاجات العرب المتواجدين في الأراضي المحتلة في أوقات مختلفة، لكنها لم تكن أبدا كما هي في الوقت الحالي. وبالفعل، فإن الاشتباكات الأخيرة بين اليمينيين الصهاينة والأقلية العربية في الأراضي المحتلة مع سكان حي الشيخ جراح وما تلاها من اضطرابات واسعة النطاق في الحرم القدسي شرقي القدس، قد أدت، كما يزعم سياسيو الكيان، إلى تأجيج خطر اندلاع "حرب أهلية". بل إن العديد من وسائل الإعلام الصهيونية تؤكد أن "حرب الشوارع اليهودية العربية" هي أزمة أكثر خطورة من حرب كيانهم ضد المنظمات الفلسطينية. وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن عرب الأراضي المحتلة يضمون مجموعتين سكانيتين، مسلمة ومسيحية، على الرغم من أن تعداد العرب المسيحيين العرب قليل جدًا. في الواقع، معظم المواطنين العرب الموجودين في الأراضي المحتلة، حوالي 83% منهم، مسلمون ولديهم 15 مقعدًا في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي).
التمييز العنصري ضد الفلسطينيين 48
على مدى العقود الماضية، سعى السياسيون ووسائل الإعلام الصهيونية والغربية إلى تصوير سكان الأراضي المحتلة على أنهم يهود وتجاهلوا الأقلية العربية للكيان من أجل طمس هويات المسلمين والعرب، الذين يوجد منهم حوالي 1.9 مليون نسمة منهم في الأراضي المحتلة، أو حوالي خمس سكان الأراضي المحتلة. هؤلاء الأشخاص معترف بهم ظاهريًا كمواطنين من قبل الكيان الصهيوني ولهم جميع الحقوق القانونية، لكن الحقيقة هي أن حقوق فلسطينيي 48 تنتهك على نطاق واسع. في الواقع، منذ الانتخابات الأولى للكيان في 25 كانون الثاني (يناير) 1949، منح الصهاينة لفلسطينيي 48 حق التصويت، لكنهم تعرضوا دائمًا للتمييز وخطر التطرف الصهيوني. على سبيل المثال، في النظام الصحي للكيان، فإن 20٪ أطباء و25٪ ممرضات و50٪ صيادلة عرب، لكن لا يمكن للمرء أبدًا التحدث عن هوية وطنية مشتركة وشعور بالانتماء بين المواطنين العرب واليهود. يعتقد العرب أنهم يعانون من "تمييز منظم" في الأراضي المحتلة للحصول على السكن والخدمات الطبية والتعليمية. في هذا الصدد، ووفق تقرير نشرته منظمة هيومن رايتس ووتش في أبريل 2021، فإن المسؤولين الإسرائيليين قد ارتكبوا الفصل العنصري ضد الفلسطينيين داخل إسرائيل والفلسطينيين في الأراضي المحتلة في الضفة الغربية وغزة، وهو ما يعتبر جريمة ضد الإنسانية. ويقول فلسطينيو 48 إن حكومة الكيان تصادر أراضيهم، ويتهمون المسؤولين الحكوميين الإسرائيليين بالتمييز العنصري المنظم ضدهم في تخصيص الأموال الحكومية. على سبيل المثال، تمنح قوانين الجنسية الإسرائيلية لليهود الحق في الحصول على الجنسية الإسرائيلية وجوازات السفر بغض النظر عن المكان الذي يأتون منه، لكن الفلسطينيين الذين هاجروا أو رُحّلوا وأطفالهم لا يتمتعون بهذا الحق إذا عادوا. أيضًا، حتى عام 2018، كانت اللغة العربية معترف بها، كاللغة العبرية، لغة رسمية في الكيان الصهيوني، ولكن بموافقة برلمان هذا الكيان على قانون "الدولة القومية" أو قانون "الدولة اليهودية"، فقدت اللغة العربية مكانتها كلغة رسمية إلى جانب العبرية، وأعلن أن حق تقرير المصير "حصري لليهود". إضافة إلى ذلك، هناك بعض الانقسامات الاقتصادية والاجتماعية بين اليهود والعرب في مناطق الكيان نتيجة التمييز ضد العرب بحجة عدم الخدمة العسكرية. يتمتع الأشخاص الذين يخدمون في الجيش الإسرائيلي بالعديد من المزايا وفرص العمل التي لا تتوفر لمواطنين آخرين. ونتيجة لذلك، فإن العرب الموجودين في الأراضي المحتلة يعملون في صناعات ومهن كالبناء. كما أن للعرب حضور ضئيل في قطاعي التعليم العالي والصناعة، ويكاد لا يوجد اتصال بين اليهود والعرب الفلسطينيين، لأن معظم الأطفال والمراهقين يذهبون إلى مدارس ابتدائية وثانوية مختلفة.
آفاق مستقبلية حول وضع فلسطينيي 48
على الرغم من أن فلسطينيي 48 الذين يعيشون في الأراضي المحتلة قد أقاموا احتجاجات محدودة ضد قمع وجرائم الحكومة والجيش الصهيوني، إلا أنه وفي الوقت الحاضر ولأول مرة منذ تشكيل الكيان الصهيوني المزيف، نرى مليوني شخص من فلسطينيي الأراضي المحتلة، يحتجون بشدة على جرائم تمييز وبرامج تل أبيب لطمس هوياتهم. في الواقع، يُظهر هذا التوجه أنه أشد من أي وقت مضى، إذ اختار فلسطينيو 48 محاربة حكومة تل أبيب بالتنسيق مع مواطنيهم في الضفة الغربية وقطاع غزة ومخيمات اللاجئين في المنطقة. وتجدر الإشارة إلى أنه في الوضع الجديد، وعلى عكس ما كان يحدث في الماضي حيث يبدأ الكيان الصهيوني الحروب وترد المقاومة الفلسطينية عليها، فإن المقاومة الفلسطينية الآن هي التي تهدد الصهاينة بالهجوم وإعطاء الإنذارات ثم تنفيذ هجمات تستهدف المستوطنات الصهيونية. في غضون ذلك، شهدت سبع مدن على الأقل في الأراضي المحتلة، بما في ذلك في مدينة، لاد اشتباكات ومظاهرات، حيث سيطر المتظاهرون الفلسطينيون على المدينة وأرسل الجيش قوات احتياط للسيطرة على الوضع وقمع المتظاهرين الفلسطينيين. كان هذا حدثًا غير مسبوق، ولم نشهد مطلقًا اشتباكات أو مظاهرات في الأراضي المحتلة منذ عام 1948، وللمرة الأولى نظم العرب في الأراضي المحتلة احتجاجات واسعة النطاق لدعم الفلسطينيين الآخرين.
بشكل عام، يمكن وصف الوضع الجديد بأنه حقبة جديدة من الوحدة بين الفلسطينيين وتحرك فلسطيني موحد ضد الكيان الصهيوني.