الوقت - من المواضيع التي أثيرت في الأشهر الأخيرة، وتحديداً في بداية عملية التطبيع مع الکيان الصهيوني من قبل الإمارات والبحرين في 15 سبتمبر 2020 في الأوساط السياسية والإعلامية العراقية وعلى المستوى الإقليمي، موضوع دخول بغداد في هذا المشروع.
عدم إدانة الحكومة الجدية لهذا الحدث، وكذلك انتقاده بشکل سطحي من قبل الجماعات السياسية، قد أثار مزاعم بأن القضية الفلسطينية آخذة في التراجع في المجتمع العراقي الذي مزقته الأزمة، وأن التحالفات الأيديولوجية مع المقاومة قد تم تقويضها.
في غضون ذلك، الآن وبعد الأحداث الأخيرة في فلسطين المحتلة، والتي صاحبها عدوان الکيان الصهيوني على المصلين المسلمين، والضربات الجوية علی غزة والضفة الغربية، يظهر رد الفعل الحاد للحكومة والتيارات السياسية العراقية من جهة المسمار الأخير في نعش دخول بغداد عملية تطبيع العلاقات العربية الصهيونية، ومن جهة أخرى يظهر سوء فهم للقومية العراقية وحلم تحرك العراق نحو محور الدول العربية المساومة ضد محور المقاومة في المنطقة.
موجة واسعة من معارضة العراقيين لهجمات الکيان الصهيوني الوحشية
في الآونة الأخيرة، أدان المسؤولون السياسيون والأحزاب العراقية باستمرار وعلى نطاق واسع اعتداءات الکيان الصهيوني على المسلمين في المسجد الأقصى. وفي أهم رد فعل، أدانت وزارة الخارجية العراقية في 8 مايو 2021، هجوم الکيان الصهيوني على المسجد الأقصى المبارك.
وقال الجهاز الدبلوماسي العراقي في بيان، إن الحكومة العراقية أدانت الهجوم العسكري الإسرائيلي على المسجد الأقصى وترهيب المصلين الفلسطينيين. كما أعلنت وزارة الخارجية العراقية عن تضامن حكومة وشعب العراق مع سكان القدس الشريف؛ مطالبةً بوقف هذه الهجمات المعادية على الشعب الفلسطيني.
كما كتب مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري في 8 مايو 2021 في تغريدة عن القدس: إن "النجف تقف مع فلسطين ضد عدوكم بل عدو الله والإسلام والأديان. وكل هذه الاعتداءات وسط سکوت مطلق من أغلب القادة العرب والمسلمين، وكأن القدس إسرائيلية بيد أن القدس لأهلها".
وأضاف مقتدى الصدر في نفس التغريدة: "وهذا نداء النجف الأشرف إلی القدس الشريف وإلی الإخوة الفلسطينيين: نحن معكم ضد عدونا وعدوكم بل عدو الله والإنسانية والسلام والأديان."
إلى جانب هذه المواقف، أعلن مقتدى الصدر، في موقفه الأخير في 11 مايو 2021، عن استعداده للدفاع عن المسجد الأقصى ضد الصهاينة. وفي هذا الصدد، أعلن "أبو ياسر" المعاون الجهادي لمقتدى الصدر، زعيم تيار الصدر في العراق، أننا جاهزون تمامًا ومستعدون للتضحية بأرواحنا من أجل الأماكن المقدسة، بما في ذلك القدس الشريف والمسجد الأقصى.
وتزامناً مع هذه التصريحات، قال مكتب الصدر في بيان إن مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري في العراق تحدث هاتفياً مع "اسماعيل هنية" رئيس المكتب السياسي لحركة حماس و"زياد النخالة" الأمين العام لحرکة الجهاد الاسلامي الفلسطيني.
إضافة إلى التيار الصدري باعتباره أحد التيارات الرئيسية التي تمثل الشمولية العراقية، قال السيد عمار الحكيم زعيم تيار "الحكمة" الوطني العراقي في رسالة بمناسبة يوم القدس في 7 أيار 2021: إن "يوم القدس العالمي مناسبة نستحضر فيها ظلامة فلسطين الحبيبة وشعبها الشقيق وقضيته العادلة المتجذرة في الضمائر الحية، كما أنها فرصة لتجديد العهد مع قضية الإسلام والعرب الأولى."
وفي تصريح آخر، استنكر عمار الحكيم تصرفات الكيان الصهيوني في رسالة بتاريخ 11 أيار 2021، وقال: "ما تشهده مدينة القدس وغزة والعديد من المدن الفلسطينية من تطورات أمنية خطيرة، مدعاة لوقفة دولية شاملة تنتصر لظلامة الشعب الفلسطيني الصابر، وإيقاف مخطط قضم أرض آبائهم وأجدادهم وسلب حقوقهم وانتهاك كرامتهم".
وشدَّد في كلمة موجَّهة للجمعيات الدولية على أن "منظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية ومجلس الأمن الدولي والجمعية العمومية للأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية والإنسانية العالمية، مطالبة باتخاذ موقف صارم والتدخل بنحو مستعجل لإنقاذ الوضع المتأزم وإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح".
من جهة أخرى، أشاد "نوري المالكي" رئيس ائتلاف دولة القانون في العراق بهجمات المقاومة الفلسطينية علی کيان الاحتلال، مشيراً إلى عدم جدوى تطبيع العلاقات بين المساومين والکيان الصهيوني.
وكتب في رسالة على تويتر: "يا أبطال المقاومة الفلسطينية نبارك لكم صولاتكم البطولية ضد النظام الصهيوني الغاصب".
تبدُّد الوهم بدخول العراق في عملية تطبيع العلاقات مع الصهاينة
من خلال التأمل الدقيق لمواقف الحكومة وقادة التيارات السياسية العراقية، يتضح أنه ليس لديهم أدنى تردُّد في دعم القضية الفلسطينية والسعي لتحقيق تطلعات النضال ضد الکيان الصهيوني، بغض النظر عن ماهية الأسماء أو ماهية الخطاب، وهم يدعمون المقاتلين المسلمين في المسجد الأقصى وقطاع غزة والضفة الغربية.
كما أن استعداد التيارات السياسية العراقية لدعم المسلمين الفلسطينيين المظلومين بشكل كامل والدخول في القتال ضد الصهاينة للدفاع عن القدس الشريف، يعكس حقيقة أن قضية انضمام العراق لعملية تطبيع العلاقات هي نتاج الدعاية والابتزاز الإخباري من قبل الأنظمة العربية المساومة، والمؤسسات الإعلامية والتجسسية التابعة للکيان الصهيوني، ودعاية وسائل الإعلام الغربية المحسوبة على اللوبي الصهيوني، وليس لها أساس حقيقي.
الماهية المختلفة للقومية العراقية عن القومية العربية
من ناحية أخرى، فإن رد فعل التيارات السياسية العراقية على التطورات في القدس يبرز الطبيعة الحقيقية وجوهر القومية العراقية، التي كانت في السنوات الأخيرة محط اهتمام واستثمار أعداء المقاومة لإبعاد العراق عن جبهة المقاومة الإسلامية في المنطقة.
ولدت القومية العربية في العقود الأولى من القرن العشرين، وبلغت ذروتها في منتصف القرن العشرين تحت قيادة جمال عبد الناصر في مصر، ثم النظام البعثي في العراق فيما بعد.
لكن في العقود الأخيرة، اتجهت القومية العربية، خلافًا لشعاراتها الأصلية، إلى التنازل والاستسلام للقوى العالمية الكبرى، ولا سيما الولايات المتحدة، وفقدت طبيعتها الأصلية.
ويمكن رؤية مثال واضح علی ذلك في شكل نفوذ الغرب الواسع في الدول العربية واعتماد هذه الدول على الولايات المتحدة في الأمن، والدخول في عملية تسوية مع الکيان الصهيوني وإدارة الظهر لتطلعات الشعب الفلسطيني.
لكن الآن فإن مواقف التيارات السياسية العراقية تجاه القضية الفلسطينية وضرورة طرد القوات الأجنبية من بلادهم، تعكس الطبيعة المختلفة للقومية العراقية عن تلك الموجودة في الدول العربية.
والواقع أن القومية العراقية ومن خلال الترکيز علی الطابع العربي-الإسلامي أكثر من أي شيء آخر، تقوم على الحفاظ على استقلال العراق وإنهاء الاحتلال والتدخل الأجنبي وإعادة الاستقرار والسلام للبلاد، ومن المفارقة أن هذه الشعارات ذات طبيعة "مقاومة" عالية.
لذلك، فإن توجه الحكومة وحتى بعض التيارات السياسية الشيعية لتطوير العلاقات مع الدول العربية مثل السعودية والإمارات ومصر وقطر، لا يمكن أن يكون أساساً للتفكير في إبعاد العراق عن محور المقاومة، كما ثبت ذلك خلال التطورات في القدس.