الوقت_ في ظل رغبة النظام التركيّ الإخوانيّ برئاسة رجب طيب أردوغان في التقارب مع مصر، كشفت وسائل إعلام سعوديّة وإماراتيّة عن اقتراب إخراج إعلاميين من المعارضة المصريّة من قناة "الشرق" التابعة لجماعة الإخوان المسلمين المُصنفة كجماعة إرهابيّة في عدد من دول العالم ومصر بالتحديد، وذلك ضمن التحركات التركية الأخيرة لتخفيف حدة نقد تلك القنوات للسلطات المصرية على أراضيها، بالتزامن مع الحديث عن اتصالات دبلوماسيّة تجري بين البلدين، ويرى محللون أنّ أسباب التقارب التكتيكي بين القاهرة وأنقرة موضوعيّة، وخاصة أن الأخيرة تحاول "إعادة التموضع" لترتيب علاقاتها مع الدول العربيّة، وخصوصاً مصر.
في الوقت الذي تسعى فيه تركيا لتعزيز نفوذها في المنطقة عبر تحالفاتها مع أحزاب الإسلام السياسي، مثل الإخوان المسلمين، وتشير تقارير إعلاميّة إلى الرؤية التي قدمها رئيس وزراء تركيا السابق وأحد أبرز مفكري حزب العدالة والتنمية، أحمد داود أوغلو، الذي يرى أنّ على تركيا أن تستخدم الموروث الثقافيّ والجغرافيّ لنشر نفوذها في الدول التي كانت ضمن مناطق سيطرة السلطنة العثمانيّة، ومنها سورية ومصر والسودان وليبيا، ومن المعروف أنّ أنقرة تدعم جماعات مثل جماعة الإخوان على حساب الدول، وخاصة أن هذه الجماعات تدعي شعورها بالتهميش والظلم من جانب دولها، وهذا يمس بأمن وسيادة الدول ويهدد استقرارها بل ويؤدي إلى تفكيكها كما يحاولون الآن في سورية، التي غزتها الجماعات الإسلاميّة المتطرفة، المنخرطة في الحرب على دمشق.
لهذا، تعرضت السياسات الحكوميّة التركيّة لانتقادات لاذعة بسبب تدخلاتها السافرة في الكثير من الدول العربية كالعراق وسوريا ومصر واليمن وليبيا والسودان لدرجة أنّ أنقرة لم تترك لها صاحباً في العالم العربيّ إلا جماعة الإخوان المسلمين صاحبة مشروع "الإسلام السياسيّ"، وقد لاقت السياسة التركية في مصر انتقادات كثيرة من قبل المصريين، حتى أصبح العلاقة بين البلدين توصف بالعداء، وخاصة أنّ تركيا استقبلت المعارضة المصرية على أراضيها ومن ضمنها جماعة الإخوان.
وفي هذا الخصوص، أوقفت قناة "الشرق" الإخوانيّة مجموعة من البرامج السياسيّة التي تبث خطابات معادية للنظام المصريّ من إسطنبول، وذلك بعد أسابيع من الإعلان عن تغيير السياسات الإعلاميّة الخاصة بها، حيث أعلن المذيع المقرب من الجماعة في تلك القناة، معتز مطر، قرار وقف برنامجه على الهواء ليلة أمس، وكذلك محمد ناصر.
وفي هذا الصدد، بيّنت قناة "العربية" التابعة للنظام السعوديّ و"سكاي نيوز العربية" التابعة للنظام الإماراتيّ، نقلاً عن مصادر إعلامية داخل "قناة الشرق" أنّ مزيداً من الإجراءات سوف يعلن عنها، ستشمل وقف مجموعة أخرى من البرامج، فيما ترجح المصادر أن يتم الإعلان عن وقف البث نهائياً من إسطنبول في مايو/ أيار المقبل، وسيتبعه تعليق العمل بكل القنوات والمواقع الصحفية التابعة للإخوان المسلمين، لحين انتهاء نقل المكاتب الرئيسة لها من تركيا إلى العاصمة البريطانيّة لندن، وفق ما أكد المعارض المصري أيمن نور، رئيس قناة "الشرق" في اجتماعه مع العاملين بالقناة مؤخراً.
وبحسب تلك المصادر، نقلاً عن أحد المعدين في القناة المصرية المعارضة، فإن الخطر الأكبر الذي يواجه الإعلاميين المصريين التابعين لجماعة الإخوان، ليس إغلاق القنوات لأنه بات أمراً واقعاً، ولكن حصولهم على أوراق ثبوتية لهم، إذ أنّ معظمهم سافر إلى الأراضي التركية بدون أوراق وكانوا يعيشون تحت مظلة التنظيم طوال الفترة الماضية وهذه الفترة انتهت وسقطت الحماية بشكل كامل، حيث أعلنت السلطات التركية نهاية مارس/ آذار الفائت، وقف كافة البرامج السياسية للقنوات المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين - فرع مصر التي تبث من أراضيها والتزامها بسياسات إعلامية محددة.
وما لا شك فيه أنّ الرئيس التركيّ وجد مصلحته العملية في التقارب مع مصر، ولم يجد أيّ حرج في أن يعلن ذلك صراحةً لقيادات الجماعة الموجودة في بلده، ولم يجد حرجاً في أن يخيّرهم بين الالتزام بطبيعة المرحلة الجديدة، وبين إغلاق القنوات ومغادرة البلاد، رغم أنه كان في السابق يرى مصلحته العملية في رعاية الإخوان، وفي احتضان رموز في الجماعة، وفى إتاحة الفرصة أمامها لبث قنوات تليفزيونية، بحسب مطلعين.
وعقب سنوات من العداء العلنيّ بين رأسي النظامين المصريّ والتركيّ، أهمها تجاهل اليونان وقبرص والكيان الصهيونيّ مصر، بشكل كامل في اتفاقية للربط الكهربائي بينها، ما أدّى إلى شرخ في تحالف الدول الثلاث، ويعتقد محللون أنّ صدمة فشل التحالفات التي استثمر فيها النظام المصري لسنوات، سواء لابتزاز تركيا والمكايدة مع النظام فيها، أو لاستبدال سياسات الانسحاب من المنطقة لمصلحة اللاعبين الجدد في السعودية والإمارات، وإيجاد مجال حيويّ إقليميّ بديل للسياسة الخارجية المصرية، في الوقت الذي يستبعد فيه البعض إغلاق تركيا لقنوات المعارضة المصرية التي تبث من أراضيها، مشيرين إلى أنّ سياسة تلك القنوات ستنقلب رأساً على عقب بعد الضغط التركيّ عليهم.
في المقابل، تتحدث تقارير إعلاميّة أنّ ما وجهته تركيا من رسائل تقارب إلى مصر والسعودية والإمارات، ورسائل أكثر انفتاحاً خلال الأيام الماضية على القاهرة، تمثل محاولة تركية لإعادة التموضع بعد أن أجبرتها السياسة المصرية في شرق المتوسط والتقارب مع اليونان وقبرص بما يخص الغاز وأمور استراتيجيّة أخرى، إلى جانب الموقف المصري الحازم بما يخص ليبيا، لتدرك تركيا أن سياستها في زعزعة الأمن القوميّ العربي ككل هي "سياسة عمياء" جعلتها تتخبط في الساحة العربية وتقع مرات عديدة.
وبما يخص الموقف التركيّ، يعتقد آخرون أنّ المراجعة الحالية للسياسة الخارجيّة والانتقاد المتزايد في الداخل التركيّ لعلاقة أنقرة المتدهورة مع القاهرة، ولملمة النفوذ وإعادة التموضع الى الوراء سيعيد لتركيا بعضاً مما خسرته، عقب "التحول الدراماتيكيّ" في توجهات أردوغان إزاء مصر بعد 8 سنوات من العداء غير المسبوق والتنافس الإقليميّ.