الوقت- بدأت قصة النزاع المغربي الجزائري، في الواقع، منذ العهد الاستعماري الفرنسي، حيث لم يكن هناك رسم للحدود بشكل دقيق وكامل بين البلدين المتجاورين، ولم تكن فرنسا معنية بذلك إلا بعد اكتشاف حقول من النفط ومناجم حديد في المنطقة الحدودية، إذ أعادت ترسيم الحدود بإدخالها كل من “الحاسي البيض” و”كولومب بشار” ضمن المقاطعة الفرنسية للجزائر آنذاك.
تاريخ النزاع
بعد استقلال المغرب سنة 1956، واستقلال الجزائر سنة 1962، طالب المغرب باسترجاع سيادته على المنطقتين، بالإضافة إلى مناطق أخرى كانت تعود لمغرب قبل الاستعمار مستندا في ذلك إلى خارطة المغرب الكبير التي نشرها حزب الاستقلال المغربي في 7 يوليو 1956، لكن الجزائر رفضت الطلب، ودعت إلى عدم المساس بالحدود التي رسمها الاستعمار الفرنسي بالاستناد إلى مؤتمر باندوق المنعقد في 1956.
أمام هذا الواقع المتوتر ازداد التصعيد بالمناطق الحدودية بين البلدين إلى أن اندلعت مناوشات في ضواحي تندوف وحاسي بيضة وفكيك، تحولت بسرعة إلى حرب ضروس في أكتوبر من عام 1963، سميت بحرب الرمال، تكبد فيها الطرفان خسائر مادية وبشرية كبيرة، لتنتهي هذه الحرب “السوداء في تاريخ البلدين” بتدخل منظمة الوحدة الأفريقية، التي أرست اتفاق وقف إطلاق النار بينهما في 20 فبراير 1964.
وبدءا من هذه المرحلة بدأ العداء بين البلدين العربيين الجارين والذي ما زال ساريا حتى الآن، ليتخذ الصراع بعد ذلك صورا وأشكالا أخرى غير العسكرية.
تمت اتفاقية تقسيم الحدود بين البلدين في 15 يوليو 1972، بين الرئيس الجزائري هواري بومدين والملك المغربي آنذاك الحسن الثاني، إلا أن هذا الأمر لم يعنِ انتهاء العداء.
بعد إعلان تكوين جبهة البوليساريو سنة 1973، التي تدعو إلى استقلال منطقة الصحراء المغربية بالجنوب، كدولة مستقلة، قامت الجزائر بالإضافة إلى دول أخرى بدعم الجبهة عسكريا ولوجستيكيا في قتالها مع القوات المغربية في نهاية السبعينيات، الشيء الذي أدى بالجيش المغربي، بعد دحره قوات البوليساريو بعد عناء، في عام 1980 إلى بناء جدار أمني استمر تشييده مدة 7 سنوات، يمتد على طول الحدود الجنوبية بين البلدين الجارين.
استمر دعم الجزائر جبهة البوليساريو سياسيا ولوجستيكيا لحد هذه الساعة، بدعوى “حق تقرير المصير والشرعية الأممية”، الأمر الذي لم يتقبله المغرب واعتبر ذلك وما يزال تآمرًا على وحدته الترابية.
تسبب الخلاف السياسي بين الجزائر والمغرب حول مسألة الصحراء، في فشل كافة محاولات الصلح بين البلدين وتطبيع العلاقات بينهما، وهو ما جعل المغرب يدعو في الآونة الأخيرة الجزائر إلى التفاوض مباشرة لحل قضية الصحراء، لكن الأخيرة ترفض وتقول إنها ليست طرفًا في ذلك النزاع، وإنما تساند الشرعية الأممية حسب قولها.
وكأن حرب الرمال ومسألة الصحراء ليسا سببين كافيين لإشعال النزاع واستمراره بين المغرب والجزائر، ليضاف عامل آخر في السنين الأخيرة، المتمثل في سباق الزعامة بين البلدين.
الحرب الباردة
تعد الجزائر والمغرب قوتين متوازنتين سياسيا وعسكريا واقتصاديا، تطمح كل منهما إلى قيادة منطقة شمال أفريقيا، وفي سبيل تحصيل هذه الزعامة، التي ستكسب من وصل إليها مكانة استراتيجية هامة بين الدول، لا يكل أي واحد منهما، من تسخير كل طاقاته الإعلامية والسياسية والمالية والمخابراتية لأجل تلك الزعامة.
ويمتد سباق الزعامة هذا إلى ساحات أخرى غير السياسية، فسباق التسلح المحموم بين البلدين يثير الفزع، حيث يصرف كل منهما مليارات الدولارات سنويًّا في شراء الأسلحة، كما أن رحى حرب الزعامة تدور حتى في المعترك الديني، إذ يحاول كل منهما تصدير نموذجه الديني في الخارج، سواء بالبلدان الأفريقية أو البلدان الأوربية.
وتبقى الأسباب التاريخية المحرك الرئيسي لهذا النزاع بين البلدين، حيث يحرص كل منهما طوال عقود على استغلال نقاط ضعف الآخر من أجل إنهاكه.
النزاع خلف آثارا كارثية على الشعبين وعلى المنطقة
تسبب الصراع المغربي الجزائري في آثار كارثية على شعبيهما وعلى المنطقة بكاملها.
تشمل الخسائر التي يتكبدها البلدان المتجاوران مستويات عديدة، بدءا من المستوى الاقتصادي، حيث تعتبر الجزائر والمغرب من أكثر الدول المستوردة للأسلحة في المنطقة شمال أفريقيا، يقتطع كل منهما جزءا مهما من ميزانية الدول من أجل إنفاقها في الأغراض العسكرية؛ تحسبا لأي حرب قادمة بينهما، تقدر صفقات الأسلحة التي يعقدانها مع الشركات المصنعة للسلاح بمليارات الدولارات سنويا.
وفي انتظار حل النزاع بين المغرب والجزائر، فستبقى مشكلة الصحراء دون حسم نهائي، حيث إن الخلاف بين البلدين حال دون طي الملف بشكل كامل، وهو ما جعل العديد من المراقبين يدعون إلى إدخال الجزائر كطرف ثالث، بالإضافة إلى المغرب والبوليساريو، في المفاوضات حول مسألة الصحراء، التي ترعاها الامم المتحدة.
ولعل أبرز مخلفات الصراع المغربي الجزائري هو إغلاق الحدود بينهما منذ 20 عاما، مما سبب مآسي إنسانية بين البلدين الجارين، تجلت في منع تنقل الأفراد والبضائع، على الرغم من أن هناك علاقات اجتماعية واقتصادية راسخة بين ساكنة الجارين.
السيناريو المتوقع هو الاستمرار في الحرب الباردة
في الحقيقة إن الوضع بين المغرب والجزائر يشبه كثيرا الحرب الباردة في القرن الماضي بين المعسكرين الشرقي والغربي، فرغم أن النزاع لم يتحول، منذ حرب الرمال سنة 1965، إلى صراع عسكري مباشر، إلا أنه يتخذ أشكالًا أخرى غير مباشرة، تشمل مستويات سياسية وإعلامية ودينية ومخابراتية.
ويبدو أن سباق التسلح المتزايد لا يبشر بحل المشكلة، على الأقل على المدى القريب، كما أن كافة محاولات الصلح والهدنة باءت بالفشل، فكلما عزم النظامان الحاكمان على ذلك ظهرت حادثة استفزازية لتعيدهما إلى نقطة الصفر ثانية، مما يفسر وصول وضع النزاع إلى حال من التعقيد وانعدام الثقة بين البلدين الجارين بعد العداء التاريخي المحموم الطويل ذاك.
ويرى باحثون أنه يمكن حل هذا النزاع الذي طال أمده، إذا ما كانت هناك إرادة سياسية حقيقية لدى كل من النظام الحاكم في الجزائر والمغرب، وانخرطا معًا في حوار تشاركي جدي، حاولا من خلاله القيام بمراجعة جذرية لأسباب الصراع الحقيقية، والتوصل إلى تسوية متوافق عليها، ولا سيما إذا تم ذلك بمساعدة أطراف إقليمية أو دولية.
بينما يرى البعض أن مسألة النزاع المغربي الجزائري المستمر، هي مشكلة مفتعلة أو يراد لها أن تبقى، ليستطيع النظامان بواسطتها تصريف مشاكلهما الداخلية، وتأجيل مسار التنمية والديمقراطية وحقوق الإنسان.
وفي اخر مستجدات النزاع حدد الجيش الجزائري للمزارعين المغاربة الذين يستغلون مزارع وواحات نخيل منطقة العرجة، بولاية بشار أقصى جنوب غربي الجزائر، قرب فكيك المغربية، مهلة للمغادرة مما أجبرهم على الخروج وترحيل متاعهم بعد مطالبتهم بذلك من قبل السلطات المغربية وفقاً لاتفاقية ترسيم الحدود البرية بين البلدين في يونيو/حزيران 1972.
وبدأت السلطات الجزائرية الإغلاق بعد بسط سيطرتها الكاملة على المزارع والواحات التي تقع في المنطقة، ومنع المزارعين المغاربة من الدخول مجدداً لاستغلال هذه الأراضي التي كانوا يستغلونها بشكل عرفي ومنذ عقود وبدون ترخيص، حيث نشرت قوات حرس الحدود التابعة للجيش الجزائري مخيماً في المنطقة رفع عليه العلم الجزائري، وسط نقاش سياسي حول توقيت الخطوة الجزائرية، في ظل التوتر والشحن السياسي والإعلامي القائم بين البلدين منذ أشهر، وحول مسؤولية السلطات المغربية التي ترفض مصارحة المزارعين وأهالي منطقة فكيك بالحقائق السياسية كون المنطقة مدرجة في الأراضي الجزائرية وفقاً لاتفاقية ترسيم الحدود في 15 يونيو/حزيران 1972، والخرائط المودعة لدى الأمم المتحدة عام 1992.