الوقت- تشهد ليبيا حالة من الفوضى منذ سقوط نظام الزعيم معمر القذافي إثر انتفاضة شعبية عام 2011. وتتنازع سلطتان الحكم في ليبيا: في الغرب حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج التي تتّخذ طرابلس مقرّاً وتعترف بها الأمم المتحدة وتدعمها تركيا، وسلطة بقيادة خليفة حفتر في شرق البلاد مدعومة من روسيا والامارات خصوصاً.
وبعد فشل هجوم شنّته قوّات حفتر في نيسان 2019 للسيطرة على طرابلس، توصّل طرفا النزاع إلى اتّفاق على هدنة دائمة في تشرين الأوّل الماضي واستأنفا الحوار السياسي بدعم من الأمم المتحدة.
وأُطلق الحوار الليبي في تونس في منتصف تشرين الثاني2020.
وفي منتصف تشرين الثاني وافق المشاركون على تنظيم انتخابات "وطنية" في 24 كانون الأول 2021.
خلف كواليس الحوار السياسي
ذكر خبراء في الأمم المتحدة في تقرير رفع إلى مجلس الأمن، أنه "تم شراء أصوات ثلاثة مشاركين على الأقل" في محادثات السلام الليبية التي ترعاها الهيئة الدولية، وفق وكالة فرانس برس.
وأكد محللون سياسيون أن عملية المال السياسي صاحبت المفاوضات الليبية منذ البداية في جنيف، وطالبوا بمحاسبة الضالعين في الأمر سواء مقدمي الرشاوى أو متلقيها. فلو ثبت صحة التقارير الأخيرة بشأن استخدم الرشوى في اختيار المجلس الرئاسي والحكومة الجديدة فذلك يعد كارثة تهدد العملية السياسية في ليبيا.
من جانبه، قال علي التكبالي، عضو مجلس النواب الليبي، إنه "معلوم منذ البداية أن عبد الحميد دبيبة قد وصل لمنصبه بالرشاوى للمشاركين في الحوار، وبدأ للاستعداد لذلك منذ عام".
وأضاف التكبالي إن "بعض أفراد البعثة الأممية متورطون في هذه الفضيحة"، وأن "ما حدث وصمة عار في جبين الأمم المتحدة"، وطالبها بتحقيق شامل لهذه القضية.
وكان أعضاء لجنة الحوار الوطني، المكون من 75 شخصا والتي اختارتهم الأمم المتحدة، انتخبت قائمة المنفي، المكونة من محمد المنفي، رئيس المجلس الرئاسي، وموسى الكوني، وعبدالله حسين اللافي، وعبد الحميد دبيبة، رئيسا للحكومة، لإدارة البلاد حتى إجراء انتخابات برلمانية في ديسمبر القادم.
تزعزع مصداقية الحكومة
في التقرير الذي من المقرر تقديمه إلى مجلس الأمن في 15 مارس الجاري، وجد خبراء الأمم المتحدة أنه خلال محادثات تونس، عرض اثنان من المشاركين "رشاوى تتراوح بين 150 ألف دولار و 200 ألف دولار لثلاثة أعضاء على الأقل في منتدى الحوار السياسي الليبي، إذا التزموا بالتصويت لدبيبة كرئيس للوزراء".
وفي فقرة من تقريرهم، أفاد الخبراء بأن أحد المندوبين "انفجر غضبا في بهو فندق فور سيزنز في تونس العاصمة عند سماعه أن بعض المشاركين ربما حصلوا على ما يصل إلى.. 500 ألف دولار مقابل منح أصواتهم إلى دبيبة، بينما حصل هو فقط على 200 ألف دولار".
وأكد أحد المشاركين في المحادثات، طلب عدم الكشف عن هويته، لفرانس برس أنه كان شاهدا على ما حصل، معربا عن غضبه من "الفساد غير المقبول في وقت تمر ليبيا بأزمة كبيرة".
وقالت مبعوثة الأمم المتحدة إلى ليبيا بالإنابة آنذاك، ستيفاني ويليامز، للمندوبين والصحفيين إنها فتحت تحقيقا في مزاعم الرشوة.
وذكر التكبالي أنه بعد هذه التقارير فقدت الحكومة الجديدة ورئيسها مصداقيتها، وقال إنه "ليس مؤهلا لتولي رئيس الحكومة أو حتى أن يصبح موظفا عاما في الدولة"، مشيراً إلى أنه يتوقع أن يمتنع عدد كبير من النواب عن التصويت لمنح الثقة للحكومة.
تأثير سلبي
ويعتقد مراقبون أنه لو ثبت تورط رئيس الحكومة وأعضاء المجلس الرئاسي، فإن ذلك سيضرب العملية السياسية ويجعل نتائج الحوار الوطني، الذي رعته الأمم المتحدة، في مهب الريح. كما أنه سيضع البعثة الأممية في موقف محرج للغاية، وسيدفعها للبحث عن آلية جديدة للحل.
وتأتي هذه التقارير في الوقت الذي تستعد فيه الحكومة الجديدة لعرض التشكيل الوزاري على البرلمان في جلسة 8 مارس الجاري في مدينة سرت، وفق ما أعلنه عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب الليبي.
وتعاني عملية تشكيل الحكومة الجديدة من عملية مخاض عسير بسبب الانقسام البرلماني حولها، وتمثيلها لمختلف المناطق الليبية.
كما أعلن رئيس اللجنة العسكرية الليبية (5+5)، أحمد علي أبو شحمة، أنه من الصعب تأمين جلسة مجلس النواب في سرت لمناقشة منح الثقة للحكومة بسبب وجود قوات أجنبية فيها.
وأكد أبو شحمة أن اللجنة لا تستطيع تنفيذ خطتها لإخراج العناصر الأجنبية من أراضي البلاد، نظرا لعدم امتلاكها الولاية القانونية لتنفيذ هذه الأعمال، فضلًا عن عدم تبعيتها لأي قوة أمنية على أرض سرت.
ويتعين على دبيبة أن يحظى بثقة البرلمان الليبي خلال تصويت على حكومته بحلول 19 مارس. في حال فشله ستعرض الحكومة على ملتقى الحوار السياسي الليبي ليمنحها الثقة وفقا لخارطة الطريق التي أعدتها بعثة الأمم المتحدة في ليبيا.
عرقلة الحكومة
وبعد تسريب هذه التقارير، توجهت تسع منظمات حقوقية ليبية بشكوى إلى النائب العام في طرابلس، للتحقيق في استخدام المال السياسي لرشوة مشاركين خلال ملتقى الحوار السياسي الليبي في تونس.
وأعربت المنظمات عن بالغ صدمتها وانزعاجها من محاولات استخدام المال السياسي وشراء الأصوات. وطالبت المنظمات في بيان لها، بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بالإفصاح عن نتائج التحقيق الإداري الذي تجريه، مطالبة باستبعاد أعضاء الحوار الذين يثبت تورطهم وحرمان المرشحين المتورطين من الترشح لأي منصب في الحكومة والمجلس الرئاسي.
وأكدت المنظمات الحقوقية أنه دون الكشف عن نتائج التحقيق واستبعاد المتورطين فلن تتمتع نتائج الحوار بالقبول والاحترام لدى الليبيين، مشيرة إلى العواقب الوخيمة على فرص تحقيق السلام وإجراء الانتخابات العامة.
الى ذلك فإن توقيت خروج هذه التقارير والإعلان عنها قبل أيام من جلسة منح الثقة للحكومة، يهدف لبعثرة الأوراق وإعادة المشهد الليبي إلى الوراء إلى ما قبل يونيو 2020 ولعرقلة نيل الحكومة ثقة البرلمان.