الوقت- في 19 فبراير 2021، أعلن ينس ستولتنبرغ الأمين العام لمنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، قرار هذا التحالف العسكري زيادة قواته بشكل كبير في العراق. ووفق ستولتنبرغ، سيزداد عدد هذه القوات من 500 إلى 4000، وستكون المهمة الرئيسة لهذه القوات هي تدريب الجيش العراقي للقضاء على التهديدات الإرهابية. ويأتي إعلان الأمين العام لحلف الناتو عن زيادة القوات في العراق قبل شهرين (أوائل ديسمبر) عندما قام مساعد الأمين العام لحلف الناتو جون مينزا بالإعلان في مؤتمر بالفيديو مع مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي، عن خطة الناتو لدعم وتدريب وتقديم الاستشارات وتطوير القدرات وتحسين المهارات النوعية للجيش العراقي عام 2021.
لجوء امريكا للناتو للبقاء في العراق
تأتي خطة الناتو لزيادة وجوده وما يسمى بالتعاون مع الجيش العراقي في الوقت الذي أصدر فيه البرلمان العراقي قرارا في 5 يناير 2020 يطالب بطرد القوات الأجنبية من البلاد. ومنذ أكثر من عام، تطالب التيارات السياسية والرأي العام والشعب العراقي بطرد القوات الأمريكية. في الواقع، لم يعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق مجرد بيان سياسي بل ضرورة سياسية للحكومة والبرلمان والتيارات السياسية.
ومع ذلك، في ظل الوضع الحالي، تعتزم امريكا وحلف شمال الأطلسي الالتفاف على القرار البرلماني باستخدام ذريعة الأمن وتقديم المساعدة الاستشارية العسكرية. في غضون ذلك، سعت واشنطن دائما إلى كسب الوقت وتوفير منبر لاستمرار وجود قواتها في العراق من خلال خلق الأزمات وإبراز التهديدات الأمنية، لكن جهود واشنطن وأعذارها فقدت مصداقيتها وشرعيتها في الأشهر الأخيرة، ويبدو أن إدارة بايدن تتبع الآن استراتيجية الناتو في اطار سياستها الجديدة تجاه العراق. لأن مسؤولي وزارة الخارجية الأمريكية والأمن القومي قد تطرقوا بوضوح إلى حقيقة أن القوات الأمريكية لم يعد لها مكان في العراق، فقد تبنوا استراتيجية لمحاولة البقاء في العراق من خلال زيادة عدد قوات الناتو.
انخراط الناتو في العراق لتعزيز استراتيجية مواجهة الشرق
على مستوى آخر، اتبعت الحكومة الأمريكية استراتيجية لتحويل توجهها من غرب آسيا وشمال إفريقيا إلى الشرق خلال العقد الماضي. وهذا يعني أن الأولوية الرئيسة لسياسة امريكا الخارجية هي احتواء الصين في شرق آسيا، ولم يعد لمنطقة غرب آسيا أولوية وضرورة استراتيجية لهذا البلد. وبالنظر إلى هذا النهج، يُفترض أيضا أن استراتيجيي الأمن في واشنطن قد خططوا لإشراك الناتو في العراق لتعزيز استراتيجية الاحتواء الصينية. ومن ناحية أخرى، يبدو أن إدارة بايدن تسعى إلى زيادة الإنفاق والمهام الأخرى على الاطراف الاخرى في الناتو تبعاً واستمرارا لاستراتيجية ترامب، من أجل إبقاء القوات الأجنبية في العراق ومن ناحية أخرى، التركيز على منطقة شرق آسيا وهو مرتاح البال.
دعم الكاظمي على الجبهة الغربية
إضافة إلى خطة امريكا لإشراك الناتو في العراق، هناك قضية أخرى ملحوظة وهي الزيادة ثمانية أضعاف في قوات الناتو فيما يتعلق بأهداف ودوافع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي من خلال هذا الحدث. وفي اليومين الماضيين، لم يكتف مكتب رئيس الوزراء العراقي بالرد على زيادة القوات، بل رد فقط على التصريحات الداعمة لكاطع الركابي، عضو لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب العراقي، وقال: "ان قوات الناتو كانت تقوم بمهام قتالية فقط في بعض المناطق، ووظيفتها هي تقديم المساعدة العسكرية مثل التسلح والتدريب العسكري والدعم اللوجستي للوزارات والأجهزة الأمنية".
وبتحليل سبب موافقة حكومة مصطفى الكاظمي على زيادة عدد قوات الناتو في العراق، يمكننا بالتأكيد أن نذكر مسألة الانتخابات البرلمانية المبكرة في عام 2021. حيث أصبحت الانتخابات، التي ستجرى في 10 أكتوبر 2021، ساحة اختبار عملية للكاظمي، وتشير جميع الأدلة إلى أن رئيس الوزراء ربما يسعى للحصول على دعم الجبهة الغربية، وخاصة الأمريكيين. الكاظمي بعد موافقته الجزئية على زيادة عدد قوات الناتو في العراق، أرسل إشارة إلى امريكا بأنه يمكن أن يكون فاعلا ذا مصداقية بالنسبة لهم ويدير الساحة من أجل تحقيق التوازن لمصلحتهم وهذا ما يتعارض مع الإرادة العامة للشعب العراقي.