الوقت- أعلن المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي في 16 فبراير 2021، أن الرئيس الأمريكي جو بايدن يعتزم نقل علاقة بلاده مع السعودية في اتجاه جديد ومتابعتها فقط من خلال الاتصال مع الملك سلمان بن عبد العزيز. وأكدت ساكي في تصريحاتها أن الرئيس الامريكي يؤمن بعلاقة "نظير إلى نظير" وأن نظيره هو الملك سلمان الذي سيتحدث معه في الوقت المناسب. أثارت هذه التصريحات ردود فعل كبيرة وردود فعل في وسائل الإعلام العالمية وكذلك بين المحللين. في غضون ذلك، السؤال اللافت للنظر هو الى أين سيتجه مستقبل العلاقات الأمريكية السعودية من جهة وما هو مستقبل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من جهة أخرى؟ وهناك نقطة أخرى يجب ملاحظتها وهي ردود الفعل المحتملة لمحمد بن سلمان على قرار البيت الأبيض هذا؟
سيناريوهان للمستقبل السياسي لاعتلاء محمد بن سلمان العرش
عقب التصريحات الأخيرة للمتحدثة باسم البيت الأبيض، تمت مناقشة وتحليل المستقبل السياسي لمحمد بن سلمان من قبل مراقبين سياسيين. وفي هذا الصدد، يمكن اقتراح سيناريوهين بشأن مستقبل محمد بن سلمان بعد إعلان موقف حكومة بايدن من التعامل معه.
السيناريو الأول هو أنه في السنوات الأربع المقبلة، لن يتمكن محمد بن سلمان من إتمام توليه العرش في حياة والده الملك سلمان. حيث ان أساس هذا السيناريو هو أنه خلال رئاسة دونالد ترامب، حاولت وزارة الخارجية الأمريكية وضع اللمسات الأخيرة على الأرضية اللازمة لمحمد بن سلمان للجلوس على العرش خلال حياة والده حتى لا يكون هناك المزيد من التهديد لحكمه. بطبيعة الحال، فإن وجهة النظر السائدة للمراقبين السياسيين هي أن ابن سلمان ومايك بومبيو، الذين كانا واثقين من فوز دونالد ترامب في انتخابات 3 نوفمبر، أجلا تثبيت ولي العهد في الحكم حتى عام 2020، لكن فوز بايدن غير هذه المعادلة بأكملها. ووفقا لهذا السيناريو، فنظرا للمعارضة الأمريكية لموقف وأفعال محمد بن سلمان في حكومة بايدن، لم تعد هناك الأرضية اللازمة له للجلوس على العرش في حياة الملك سلمان.
وعلى عكس هذا السيناريو، من المحتمل أن يحاول محمد بن سلمان، بالتعاون مع حلفائه المحليين والأجانب، نقل السلطة اليه بإذن من والده في الأشهر المقبلة. حيث ان أساس هذا السيناريو هو أن ولي العهد الآن أكثر ترددا في الجلوس على العرش أكثر من أي وقت مضى، حيث انه لم يعد هناك داعم كبير مثل دونالد ترامب في واشنطن سيدعمه تحت أي ظرف من الظروف. نتيجة لذلك، سيحاول محمد بن سلمان إقناع الملك سلمان بالتنحي لمصلحته في فترة قصيرة من خلال الضغط عليه. هذا السيناريو معقول إلى حد ما، حتى مع المعارضة الأمريكية والأوروبية، ومن المحتمل أن يكون هذا الامر على جدول اعمال محمد بن سلمان من الآن فصاعدا. في الواقع، يمكن اعتبار الموقف الجديد للحكومة الأمريكية من محمد بن سلمان نقطة تحول رئيسة في الحياة السياسية لولي العهد السعودي الشاب وغير المتمرس.
تداعيات القرار الامريكي بعدم التعامل مع ولي العهد
على صعيد آخر، فإن القضية المهمة مع إعلان إدارة بايدن عن مواقف جديدة من محمد بن سلمان هي التداعيات المحتملة لهذا القرار على قرارات وعلاقات امريكا مع السعودية على مدى السنوات الأربع المقبلة. صرح مسؤولون في الإدارة الأمريكية الجديدة، بقيادة جو بايدن، مرارا وتكرارا أن "واشنطن ستراجع علاقاتها مع الرياض ما لم تتخذ السعودية إجراءات جادة بشأن قضايا حقوق الإنسان، بما في ذلك إطلاق سراح السجناء السياسيين ورفع الحظر عن المدافعين عن حقوق المرأة. وبالتالي، يمكن تقييم الآثار الثلاثة لقرار امريكا بعدم التعامل مع ولي العهد بثلاث طرق:
تقوية معارضة محمد بن سلمان: يمكن النظر إلى التأثير الأول أو الانعكاس الأول لنهج حكومة بايدن تجاه محمد بن سلمان على أنه تقوية للمعارضة الداخلية وتقوية معارضة محمد بن سلمان خارج السعودية. في الوضع الحالي يواجه محمد بن سلمان ثلاثة أعداء أو خصوم رئيسيين. أول وربما أهم خصومه هم محمد بن عبد العزيز، عم محمد بن سلمان، ومحمد بن نايف، ابن عمه، الذين أطيح بهما فعليا خلال انقلاب عام 2017، حيث ان ثمة العديد من أمراء الديوان الملكي يعترفون بابن نايف على انه ولي العهد الرسمي للبلاد. لذلك في العصر الجديد، هناك احتمال أن تزيد حكومة بايدن الضغط على محمد بن سلمان لدعم هذين الأميرين.
الإخوان المسلمون وحركة الصحوة بقيادة الشيخ سلمان العودة هم ثاني أكبر معارض لمحمد بن سلمان داخل السعودية، حيث إن ابن سلمان يراقب أنشطة هذه الحركة بحساسية خاصة. حتى انه أراد ذات مرة شنق سلمان العودة، لكنه تخلى عن ذلك بضغط خارجي. ونظرا للظروف الجديدة، من المحتمل أن يكون لدى حكومة بايدن دعم نسبي وسري لهذه المجموعة.
ويمكن اعتبار المعارضة الثالثة لمحمد بن سلمان هي حزب "التجمع الوطني" برئاسة الجنرال أحمد عسيري المستشار السابق لمحمد بن سلمان ولي عهد السعودية ونائب وزير الأمن والمخابرات الخارجية للسعودية حتى الإطاحة به في 20 أكتوبر 2018. بدأ هذا الحزب الذي يعتبر المعارضة الخارجية لمحمد بن سلمان نشاطه بهدف التأكيد على حرية التعبير ونشر الديمقراطية في السعودية في الخارج، ويبدو أن التأييد لأنشطة الحزب ومواقفه سيزداد في حكومة بايدن.
جهود محمد بن سلمان للتقرب من الصين وروسيا: في مواجهة الموقف الأمريكي القوي نسبيا ضد محمد بن سلمان، إضافة إلى محاولة ولي العهد توطيد حصوله على العرش في حياة والده، وهو سيناريو محتمل، فمن المرجح أنه يسعى إلى التقرب اكثر من الصين وروسيا. بالطبع، شهدنا مظاهر ملموسة لهذه الاستراتيجية منذ بداية حكومة بايدن. وعلى الرغم من مناقشة شراء الأسلحة العسكرية الروسية خلال إدارة ترامب، يمكن لهذه السياسة الآن أن تأخذ بعدا عمليا.
وفي أهم إجراء، نرى أن "فيصل بن فرحان" وزير خارجية السعودية توجه إلى موسكو في 14 يناير 2021 لإجراء محادثات مع نظيره الروسي سيرجي لافروف. وعلى الرغم من أن الغرض من هذه الزيارة هو شراء لقاح كورونا Sputnik V وبحث الوضع في سوريا وليبيا والعراق ولبنان ودول مجلس تعاون الخليج الفارسي، وكذلك الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إلا أن الحقيقة هي أن الغرض من هذه الزيارة هو تحذير حكومة بايدن.
في الواقع، يعتقد العديد من المحللين أن زيارة بن فرحان إلى موسكو عشية مغادرة ترامب البيت الأبيض تعكس قلق الرياض من أمريكا دون ترامب، أو بالأحرى كفاءة بايدن، الذي تحدث علناً في خطابه الانتخابي في ذكرى اغتيال جمال خاشقجي ضد السعودية ومحمد بن سلمان. في الوقت نفسه، ذكرت وسائل إعلام روسية أن الرياض تعتزم شراء نظام الدفاع الصاروخي S400 والطائرة المقاتلة Sukhoi 35 من روسيا. ووفقا لفرحان وزير الخارجية السعودي، فإن التجارة بين البلدين وصلت الآن إلى 1.4 مليار دولار ويعمل الجانبان على زيادتها إلى 2.5 مليار دولار.
تشير المظاهر الآن إلى أن السعودية بعد تعليق بيع بعض الأسلحة الأمريكية إلى البلاد، قررت شراء أسلحة وذخائر من روسيا، تماما مثل تركيا، ما يشير إلى رغبة محمد بن سلمان الجديدة في التحول شرقا إذا استمرت معارضة حكومة بايدن.
زيادة دافع ولي العهد لتسريع عملية تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني: من النتائج والتأثيرات الأخرى للسياسة الجديدة لحكومة بايدن تجاه محمد بن سلمان جهود ولي العهد لتسريع عملية تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني. في الواقع، لعب بن سلمان دوراً فعالا في تطبيع علاقات الدول العربية مع الكيان الصهيوني خلال العام الماضي، لكنه حتى الآن لم يتخذ خطوة عملية وموضوعية في هذا الصدد، بل في الوضع الجديد. يبدو أن محمد بن سلمان، من أجل الضغط على حكومة بايدن وتقليل الهجمات عليه في امريكا، سيعتمد استراتيجية التقارب وتنفيذ عملية تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني. وقد يترافق ذلك مع دعم اللوبيات الصهيونية لابن سلمان ضد ضغوط حكومة بايدن، وبطريقة ما تخلق متنفساً له.