الوقت - أعلن قضاة المحكمة الجنائية الدولية التابعة للأمم المتحدة في لاهاي بهولندا، في 5 فبراير/شباط 2021، بعد سنوات من التدقيق، أن هذه الهيئة التابعة للأمم المتحدة تتمتع بالولاية القضائية المطلوبة لبدء تحقيقات محتملة في ارتکاب "جرائم الحرب" في الأراضي الفلسطينية.
على الرغم من أن هذا القرار قد تم اتخاذه بناءً على الصلاحيات الواردة في الوثيقة التأسيسية للمحكمة، ولا يتضمن أي محاولة لتحديد وضع البلاد أو حدودها القانونية، إلا أنه يمكن تقييمه في إطار هزيمة سياسية وقانونية كبيرتين للكيان الصهيوني.
من جانبها قالت "فاتو بنسودا" المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية في كانون الأول/ديسمبر 2019، إن "هناك أسباب معقولة للاعتقاد بارتكاب جرائم حرب أو أنها تُرتكب في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية وقطاع غزة".
وبعد هذه التصريحات، طُلب من قضاة محكمة الجنايات أن يحكموا قبل بدء التحقيق الرسمي فيما إذا كانت هذه المسألة من اختصاص المحكمة أم لا؛ وأخيرًا، أكد قضاة محكمة لاهاي الجنائية اختصاصهم في جرائم الحرب التي ارتكبها الکيان الصهيوني في الأراضي المحتلة.
وقد لقي هذا الحكم ترحيباً من التيارات السياسية الفلسطينية والجامعة العربية والمسؤولين السياسيين في الدول الإسلامية، لكن الکيان الصهيوني والولايات المتحدة أدانا الحكم بشدة.
الكيان الصهيوني في قبضة الضغوط القانونية ضد استمرار العدوان في الأراضي المحتلة
يعتبر الحكم الصادر عن قضاة محكمة الجنايات في لاهاي إخفاقًا قانونيًا كبيرًا للکيان الصهيوني، والذي قد يضع تل أبيب في المستقبل تحت الضغوط القانونية.
من الناحية القانونية، يمهد الحكم الأخير الصادر عن قضاة محكمة لاهاي، الطريق لبدء التحقيق في حقائق العملية العسكرية للجيش الإسرائيلي في قطاع غزة في صيف 2014.
في تلك العملية التي استمرت 50 يومًا، قُتل أكثر من 2000 فلسطيني و64 جنديًا إسرائيليًا ومدنيان إسرائيليان، وجُرح آلاف الفلسطينيين وشردوا، ودُمرت أجزاء كبيرة من قطاع غزة.
لكن هذا لا يعني أن هذا الملف محصور في هذه القضية، بل يمكن أن يمهد الطريق لإثارة كل جرائم وسياسات تل أبيب العدوانية في الأراضي المحتلة، في السنوات التي تلت عام 1967. وبشکل عام، يمكن اعتبار الحكم الجديد لمحكمة لاهاي هزيمةً قانونيةً كبرى للکيان الصهيوني وحليفته الرئيسية الولايات المتحدة.
الرسائل السياسية لقرار محكمة لاهاي
إن رد فعل الکيان الصهيوني والولايات المتحدة على الحكم الجديد لمحكمة الجنايات في لاهاي، يشير إلى أنهم اعتبروا هذا القرار مخالفًا لمصالحهم ومواقفهم السياسية.
حيث قال نتنياهو رداً على ذلك إن "المحكمة الجنائية الدولية أثبتت اليوم مرةً أخرى أنها كيان سياسي وليس كياناً قضائياً. المحكمة تتجاهل الجرائم الحقيقية للحرب، وبدلاً من ذلك تقاضي الحكومة الإسرائيلية".
بدوره كتب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية "نيد برايس" على تويتر، أن "الولايات المتحدة تحتج على قرار المحكمة الجنائية الدولية بشأن الوضع في فلسطين".
وأضاف "سنواصل دعم التزام الرئيس بايدن القوي بأمن إسرائيل، بما في ذلك مواجهة أي محاولة لاستهداف "إسرائيل بشكل غير عادل"."
تظهر مواقف الکيان الصهيوني والولايات المتحدة بوضوح أنهما غير راضين بشدة عن الرسائل السياسية لقرار المحكمة الجنائية في لاهاي. في هذه الأثناء، يمكن الإشارة إلی رسالتين لقرار محكمة لاهاي الجنائية الجديد.
الأولی، أنه على عكس الماضي، حيث كانت المؤسسات القانونية والسياسية الدولية أكثر انعكاسًا لإرادة القوى الغربية والولايات المتحدة وفرض إرادة تلك الدول، ولکن تغيَّر هذا التوجُّه في العصر الجديد.
ويمكن رؤية مثال واضح على ذلك في الحكم الجديد لمحكمة لاهاي بشأن اختصاص هذه المحكمة للنظر في شكوى إيران ضد الولايات المتحدة، والذي قوبل باستياء شديد من قبل وزارة الخارجية الأمريكية.
في الواقع، حالياً وعلى عكس الماضي، لم تعد الولايات المتحدة قادرةً على التأثير على المنظمات والمؤسسات الدولية، واستخدامها لأغراضها ونواياها فحسب.
من ناحية أخرى، أكد موقف الإدارة الأمريكية الجديدة من قرار محكمة لاهاي، على نهج البيت الأبيض القائم على ازدواجية المعايير بشأن حقوق الإنسان، بالإضافة إلى عدم حيادها في المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية.
ويأتي موقف إدارة بايدن المعارض للتحقيق في الجرائم الصهيونية المتكررة ضد الشعب الفلسطيني، بينما سعت هذه الإدارة في الأسابيع الأخيرة إلی إعادة الفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات مع الصهاينة، وذلك من خلال إجراءات مثل إعادة فتح المكتب التمثيلي لمنظمة التحرير، وترديد شعارات حول عدم دعم الاستيطان.
لقد أثبت رد الفعل على حكم لاهاي أن الولايات المتحدة لا تسعى أبدًا إلى الحقيقة والعدالة في الصراع الفلسطيني، وأن الجمهوريين والديمقراطيين علی حد سواء يضعون مصالح الصهاينة في مقدمة أجندتهم.