الوقت- مع وصول الرئيس الأمريكي الجديد إلى البيت الأبيض، أوجدت واشنطن تغييرات في بعض سياساتها السابقة، وكان من بينها نهج واشنطن الجديد تجاه الحرب في اليمن. حيث أعلنت امريكا مؤخرا أنها ستعلق الحرب اليمنية ومبيعات الأسلحة للسعودية في الحرب اليمنية، لكنها ستدعم الرياض في الدفاع عن السعودية. ووصفت بعض الأوساط السياسية ووسائل الإعلام الموقف الأمريكي بأنه علامة على انتهاء الحرب اليمنية، بينما يرى البعض الآخر أن النهج الأمريكي الجديد متناقض ومتشكك.
ومن أجل دراسة الأبعاد المختلفة لسياسة البيت الأبيض الجديدة تجاه الحرب اليمنية، تحدثنا مع صباح زنغنه، الخبير البارز في التطورات السعودية اليمنية، وجاء الحوار على الشكل التالي:
لماذا أعلنت امريكا أنها ستتوقف عن بيع الأسلحة العسكرية للسعودية في حرب اليمن وتنوي إنهاء الحرب اليمنية إلى الأبد؟
زنغنه: في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، قال جو بايدن إنه يجب وقف الحرب في اليمن، فضلا عن ان معظم السياسيين الأمريكيين في الكونغرس ومجلس الشيوخ عارضوا مبيعات الأسلحة للسعودية لان مبيعات الأسلحة والاستخبارات والمساعدات اللوجستية للرياض ستتسبب في كارثة إنسانية في اليمن وستعد امريكا شريكة في هذه الجريمة، لذلك أراد العديد من المسؤولين الأمريكيين تبرئة أنفسهم من هذا الاتهام.
ومن ناحية أخرى، أدى اغتيال الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي في القنصلية السعودية بتركيا بناء على طلب من مسؤولي الرياض إلى تشويه صورة امريكا بسبب صداقتها مع السعودية، وخاصة ولي عهدها محمد بن سلمان وقد ساعد ذلك الأمريكيين على الانسحاب التدريجي من الحرب في اليمن والتخلي عن الدعم المطلق لمحمد بن سلمان. وغني عن الذكر أن الفضاء العام في المنطقة قد تأثر بهذا النهج الأمريكي.
وأضاف إن مقاومة الشعب اليمني لعدوان السعودية وحلفائها عامل مهم للغاية في هذا الصدد، فأمريكا والسعودية ودول أخرى لم تعتقد أن الشعب اليمني (أنصار الله) يمكنه المقاومة كثيرا ولم تهزم فحسب بل تزايد وجودها في مختلف المحافظات، وفي غضون ذلك، أصبحت السعودية عرضة بشكل متزايد للضرر نتيجة دفاع الشعب اليمني، لذلك توصل الأمريكيون إلى نتيجة عامة مفادها بأنهم بحاجة إلى الخروج من المستنقع اليمني وإعادة النظر في العلاقات بين واشنطن والرياض.
السعودية رحبت بالقرار الامريكي بشأن الحرب في اليمن، كيف يمكن تحليل هذا العمل السعودي بعد ست سنوات من الحرب؟
زنغنه: نعم، هذا يعد هزيمة، هزيمة لا لون لها ولا رائحة، حيث ان هذا العمل من قبل الرياض يعد عمليا بمثابة الفشل الكامل. ويجب تحميل السعودية المسؤولية عن عواقب الحرب اليمنية. إذا أرادت الرياض مقاومة الحرب اليمنية وتجاهل كلام الرئيس الأمريكي الجديد، ستجد نفسها وحيدة في حرب اليمن، حيث ان عزلة السعودية في هذه الحرب ستعني تدمير وسقوط نظام الرياض، لذلك فضلت الحكومة السعودية الانصياع لأمر بايدن تحت ذريعة ذلك.
رداً على القرار الأمريكي بشأن الحرب اليمنية وترحيب السعودية به، صرح أنصار الله أن الحرب ستنتهي بوقف الضربات الجوية السعودية على اليمن وإنهاء حصار اليمن. ماذا سيكون مصير الحرب اليمنية في ظل هذه الظروف والدعم الذي تواصل السعودية تقديمه لحكومة منصور هادي؟
زنغنه: السعودية مضطرة لإعادة النظر في كل أفعالها وسياساتها تجاه اليمن. منصور هادي ليس عاملا يمكن اعتباره حكومة لأنه يتجول دائما في هذه المدينة وتلك المدينة وفي الفنادق، حيث لم يتبق لمنصور هادي لا اعتبار ولا شرعية. وفي نفس الوقت الذي قدم فيه استقالته من رئاسة الجمهورية اليمنية، قدمت هذه الاستقالة إلى مجلس النواب، وبهذه الاستقالة تحطمت شرعية منصور هادي. وستعاد هذه الشرعية القانونية عندما يتم التصويت مجددا على منصبه في البرلمان اليمني، لكن هذا لم يحدث، وعلى السعودية أن تتخلى عن هذه الورقة المحترقة وأن تعترف بالحقائق على الساحة اليمنية. ويجب وقف الحصار على البلاد، وإعطاء اليمنيين الفرصة لحل قضايا بلادهم بأنفسهم، وكذلك تعويض الضرر الذي ألحقته باليمن.
ماذا سيحدث إذا واصلت الرياض سياساتها وأفعالها السابقة تجاه اليمن؟
زنغنه: إذا أرادت الرياض أن تسلك طريقا آخر، فإن المزيد من الهزائم ستنتظر السعودية، الأمر الذي سيؤدي في النهاية إلى انهيار حكومة الرياض. لذلك في تحليل واقعي، يعرف المسؤولون السعوديون أنهم إذا سلكوا مسارا سلبيا، فسيكون لذلك عواقب وخيمة للغاية على سيادة البلاد. حيث ان الطريقة الوحيدة التي قد تكون فيها السعودية في مأمن هي العمل إلى جانب أنصار الله والسماح لها بحل قضاياها السياسية مع الأحزاب والجماعات اليمنية. وكما قلت من قبل، يجب على السعودية أن توقف هجماتها على اليمن، وأن تنهي حصارها، وأن تبدأ عملية إعادة الإعمار في اليمن، وفي هذه الحالة يمكنها أن تطمئن إلى جارتها.
يبدو أن البيت الأبيض قد اتخذ موقفاً مزدوجاً من اليمن. من جهة، صرح بأنه سيتوقف عن بيع الأسلحة للسعودية، ومن جهة أخرى قال إن امريكا تدعم الرياض في الدفاع عن السعودية ومحاربة شبكة القاعدة في اليمن. ما هو تحليل مثل هذا الموقف؟
زنغنه: من الواضح أن هذا يعد تناقضاً في الموقف. إذن، من الذي تسبب في انعدام الأمن في شبه الجزيرة العربية بأكملها؟ كان سبب انعدام الأمن هذا هو غزو السعودية والإمارات لليمن. إذا كانت امريكا تريد محاربة شبكة القاعدة الإرهابية، فعليها أولاً إيقاف الإمارات. فقد دعمت هذه الدولة القاعدة وقدمت مساعدات لها في أماكن مختلفة، هذا وقدمت السعودية المساعدة لبعض القبائل التي تتعاون مع القاعدة. إذا كانت امريكا تريد السيطرة على القاعدة، فعليها أن تتعامل مع الدولتين اللتين أدتا إلى نشوء القاعدة.
ومع ذلك، فإن المشهد اليمني أكثر تعقيدا من مجرد القاعدة. داعش موجود الآن في اليمن ولا يتردد في توسيع وجوده هناك لأن اليمن عرضة لعدم الاستقرار وانعدام الأمن بسبب الوجود العسكري للسعودية والإمارات، هذه القضايا ترجع إلى تداعيات الحرب اليمنية، لذلك يجب على امريكا أن تتفهم الحقائق في اليمن، فمن الطبيعي عند حصول اعداء فستكون هناك ضربة متبادلة، ولكن إذا توقف القصف وانتهى حصار اليمن فلن يكون هناك سبب لقلق السعودية على امنها من ناحية اليمن.
ما الذي تبحث عنه أمريكا في اليمن؟ ولماذا اتخذت مثل هذا الموقف المتناقض؟ هل ستنهي هذه الحرب أم أنها ستستمر بحجة أن الوضع في هذا البلد الذي مزقته الحرب لا يزال غير مستقر؟
زنغنه: امريكا تريد أن تظهر مصدرا لسياسات بايدن. إذا كانت امريكا تريد تغيير سياستها تجاه اليمن، فعليها تقديم صورة واضحة لا لبس فيها. لن ينجح البيت الأبيض بسياسة "ضربة على الحدوة وضربة على المسمار". من المحتمل جدا أن يسعى مسؤولو البيت الأبيض الحاليون إلى تصوير السعودية على أنها ليست خاسرة بالكامل في حرب اليمن، على الرغم من أن الأمريكيين استخدموا نفس العبارة التي استخدموها لوصف الحرب اليمنية لإظهار هزيمة السعودية في الحرب. ذات يوم كانت السعودية متورطة في الحرب في اليمن وقصفت في كل مكان، والآن وصلت إلى النقطة التي تريد فيها امريكا أن تدعم الرياض، ما يظهر الإذلال الكامل والهزيمة الكاملة للسعوديين.
هل هذه الأشياء التي قلتها تعني أن الحرب في اليمن مرهونة بإرادة امريكا أم إن البلاد اضطرت لقبول هذا القرار؟
زنغنه: بدأت هذه الحرب بإرادة امريكية واستمرت كذلك ومن المزمع انتهاؤها بإرادة أمريكية. وغني عن البيان أن إرادة امريكا في وقف الحرب في اليمن كانت نتيجة التطورات على الأرض، أي إنه كانت هناك مقاومة في الحرب في اليمن وأجبرت المسؤولين الأمريكيين على الموافقة على وقف هذه الحرب.