المؤتمر الجديد والذي إنعقد بالتعاون مع مركز الدراسات السياسية التابع لوزارة الخارجية الإيرانية بهدف تعزيز الأمن الدولي، من خلال مناقشة الأمن والاستقرار في المنطقة، حصد مشاركة نوعيّة تمثّلت بحضور وفود من60 بلداً ، كما يحضره رئيس مؤتمر ميونخ للأمن فولفغانغ إيشينغر، ويشارك فيه 18 وزيراً للخارجية من دول أوروبية وإقليمية، إضافة إلى 80 شخصية برلمانية وسياسية وأمنية من أوروبا وآسيا.
الموقف الأوروبي
اللافت في المؤتمر أن المشاركة الأوروبية الفاعلة، تأتي بعد فترة من التغيّر الجذري في التعاطي مع الازمة السورية والرئيس الأسد، فقد برز مؤخراً موقف اللإتحاد الأوروبي لمّح فيه إلى أخطاء في الاستراتيجية الأوروبية تجاه الصراعات في الشرق الأوسط، وقال في بيانٍ له إن هناك حاجةً إلى معالجة هذه الأزمات والصراعات، وخاصةً في ليبيا وسوريا من خلال إعادة التفكير في استراتيجية النهج الأوروبي المعتمد حيالها.
لم يكن موقف الإتحاد الأوروبي ليتغيّر لولا تلك التبعات التي إنعكست على القارّة العجوز كالهجرة والإرهاب، وخير دليل على ذلك إصرار الإتحاد طوال السنوات الأربع الماضية وبالإجماع، على رحيل الرئيس الأسد كشرط مسبق لإنهاء الأزمة السورية.
اليوم وبعد أن بدأ الثوب الأوروبي بالإحتراق من الأزمة الشرق أوسطية إقتنعت القيادات الأوروبية ضرورة إيجاد حل جذري للحرب السورية، وضرورة القضاء على التنظيمات الإرهابية، كما انها خلصت إلى نتيجة مفادها، عدم وجود أي شخصية قادرة على محاربة الإرهاب ونقل البلاد إلى بر الامان في ظل تواجد الجماعت التكفيرية لاسيّما داعش الإرهابي، سوى الرئيس بشار الأسد.
في ظل هذا التغيّر الأوروبي، نرى أن واشنطن لا تزال غير مقتنعة فعلياً بالرأي الأوروبي، إلا أن التدخل الروسي وفرضه معادلات جديدة على الأراض السورية، أجبرت واشنطن على تغيير موقفها وتحريك حجر الشطرنج الذي يرغب به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
الموقف الأمريكي
لم يكن الموقف الأمريكي مشابهاً لنظيره الأوروبي، بل نرى تعنّتاً غير مسبوق تجاه الازمة السورية، قد لا نقول أن واشنطن تريد إستمرار الأزمة إلى ما لا نهاية، لأنها تريد حفظ مصالح الكيان الإسرائيلي وبطبيعة الحال لن تستطيع السيطرة على الجماعات اللتكفيرية في حال بسطت الأخيرة سيطرتها على سوريا، بل يظهر أن أمريكا ليست في عجلة من أمرها لحل الأزمة، وتريد إستنزاف كافّة القوى ورسم خريطة جديدة للمنطقة، مشابهة لـ"الشرق الأوسط الكبير"، ولكن بنسخة سوريّة.
الإدارة الأمريكية، ومن خلال مماطلتها في الأزمة السورية وصب الزيت على النار، تسعى لتحقيق أهداف عدّة، تبدأ بضرب محور المقاومة والدب الروسي، وتمرّ عبر تحقيق المصالح الإسرائيلي، وتصل إلى التهديد ببعبع الجماعات التكفيرية للعديد من الدول العربية والأوروبية. في الواقع، تريد أمريكا رسم خريطة جديدة للواقع الدولي إنطلاقاً من منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً من سوريا. ولكن لماذا لا تتشاطر أمريكا وأوروبا الموقف نفسه؟ أو بالآحرى لماذا هذا الإختلاف بين القطبين؟
عند الدخول في أسباب الإختلاف يتّضح أن واشنطن لم تصل إلى ثيابها نار الحرب السورية، لا اللاجئين السوريين توجّهوا إلى أمريكا، ولا أعضاء الجماعات الإرهابية أو أهدفها أمريكية، فلماذا لا تنتظر حتى تحصد زرعها، في المقابل نرى أن حال أوروبا على العكس تماماً. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل سيبقى الموقف الأمريكي على حاله بعد التدخّل الروسي.
ما بعد التدخّل الروسي
لا شك في أن التدخّل الامريكي أثّر بشكل كبير على الموقف الأمريكي بشكل، والسبب في ذلك يعود لخشية واشنطن من حصد روسيا منفردة لجائزة القضاء على الجماعات الإرهابية في سوريا، وهذا ما ترفضه أوروبا أيضاً، لذلك ستحاول أمريكا ضرب تنظيم داعش الإرهابي بغية حصد جائزة مشتركة مع روسيا، ومن ثم قدرتها على رسم المعادلات اللاحقة.
في الواقع إن التدخل الروسي الذي أجبر واشنطن على تغيير موقفها وإقترابه من الموقف الأوروبي، لم يكن إيجابياً لسوريا وشعوب المنطقة فحسب، بل لروسيا وأوروبا أيضاً، لأن الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق وليبيا تهدّد أغلب دول العالم، لاسيّما دول غرب آسيا وأوروبا، ما عدا أمريكا.
