الوقت- يبدو أن زيارة الأمير السعودي محمد بن سلمان إلى روسيا لن تجد نفعاً حتى يومنا هذا، بل تشير المعلومات الواردة من الميدان السوري إلى إصرار الرئيس بوتين على المضي في مشروعه للقضاء على الجماعات التكفيرية، وبالتالي الحفاظ على الدول السورية ببنيتها الحالية.
في تفاصيل الزيارة، تكشف مصادر مطلعة أن بن سلمان الذي شارك في أعمال منتدى سان بطرسبورغ الاقتصادي في شهر حزيران/يونيو الماضي، والتي كانت رسالة واضحة إلى موسكو تشير إلى استعداد الرياض حليفة واشنطن لانتهاج سياسة مستقلة عن الغرب مع موسكو، طالب بوتين بالكف عن التدخل العسكري في سوريا، أو إقتصاره على تنظيم داعش الإرهابي من دون التعرّض إلى المعارضة المسلحة كجبهة النصرة وأحرار الشام وجيش الإسلام وغيرهم، مؤكداً عزم السعودية على دعمهم بأسلحة كاسرة للتوازن في حال طالهم القصف الروسي.
وفي التفاصيل أيضاً، أوعز بن سلمان إلى الرئيس الروسي نيّة بلاده الدخول إلى الأسواق النفطية شرق أوروبا، في رسالة واضحة مفادها إصرار السعودية على كسر روسيا إقتصادياً في حال لم تتوقف عن التدخل العسكري في سوريا. الرسالة السعودية حملت عنواناً جديداً : النفوذ العسكري الروسي في الإقليم السعودي، يقابله نفوذ إقتصادي سعودي في الإقليم الروسي، فهل ستنجح الرياض في ثني روسيا عن مشروعها في سوريا؟
حرب نفطية سعودية
بن سلمان الذي يرأس وزارة الدفاع السعودية فشل في عدوانه على اليمن رغم مرور أكثر من ستة أشهر، يحاول اليوم تحقيق أي نصر سعودي يرفعه درجة في سلّم ولاية العهد، لكن هذه المرّة عبر الإقتصاد بإعتباره يترأس مجلس الشؤون الإقتصادي وشركة «أرامكو» النفطية.
الحرب الإقتصادية السعودية على روسيا، والتي تهدف لتحقيق تقدم إقتصادي في الإقليم الروسي، بدأت تطفوا على السطح حيث شرعت الرياض في منافسة روسيا داخل أسواقها التقليدية للطاقة من خلال بيع نفط منخفض السعر إلى بولندا. ونقلت وكالة «بلومبرغ» عن تجار نفط ومسؤولين في قطاع التكرير في أوروبا تأكيدهم ان السعودية تعرض نفطاً بحسوم بارزة ما يجعله أكثر جاذبية من الخام الروسي.
إن دخول السوق البولندية الذي تُعتبَر كسائر أوروبا الشرقية سوقاً تقليدية للنفط الروسي، يعني نيّة السعودية الدخول إلى أسواق آخرى هناك، مما يدفع بروسيا لإجراءات مضادة، فكيف ستواجه روسيا السعودية في حربها الإقتصادية؟
الرد الروسي
بالتأكيد، لن يقف الرئيس الروسي مكتوف الأيدي في ظل الحرب السعودية الجديدة، خاصةً أن أوضاع بلاده الإقتصادية لن تسمح بالمماطلة أو الإستنزاف أو حتى فقدان أي سوق من أسواقها النفطية، فهل سيتنازل عن الساحة السورية، أم أنه سيحاول إنهاءها بأسرع وقت ممكن؟
قرآءة المشهد السوري تؤكد عزم الرئيس بوتين على إنهاء الأزمة سريعاً للدخول في الحل السياسي، وهذا بالفعل ما نشاهده من خلال الضربات والإستعدادت الروسية بإعتبار أن خسارة سوريا تمثّل صفعة قويّة للعمق الروسي، وهذا ما شاهدناه في وسائل الإعلام الروسية التي رأت أن الحملة تهدف للقضاء على "الإرهاب" بشكل استباقي لحماية البلاد ولمنع وصوله إلى جمهوريات آسيا الوسطى ومنها إلى روسيا الاتحادية.
لن تقتصر نتائج التدخل الروسي على الشقين الأمني والسياسي، بل تراهن موسكو إقتصادياً على عودة طهران إلى سوق النفط بعد رفع العقوبات الدولية إثر الإتفاق النووي، ويمكننا الإستنتاج أن أيّ تعرض إلى التفوّق الروسي في مجال الطاقة في أوروبا إلى الخطر، ربما يميل ببوتين إلى حل الأزمة السورية بسرعة أكبر ووفق شروطه.
وأما في الشق السعودي، ستمارس موسكو سياسة الضغط المتوازن مع الرياض بسبب فتح أسواق جديدة لها في الإقليم الروسي، لذلك قد نشاهد في الأيام المقبلة تغيّراً في موقف بوتين من العدوان السعودي على الشعب اليمني، أو بالآحرى سيحاول الرئيس الروسي الضغط على السعودية بسبب عدوانها على اليمن، لاسيّما في الأروقة الدولية. بوتين سيستفيد من حاجة أمريكا للتعاون معه في الملف السوري حتى لا تستخدم "الفيتو" ضد أي مشروع قرار روسي في مجلس الأمن.
لم يعد بإستطاعة السعودية، اليوم، الضغط على روسيا عبر تخفيض الأسعار النفطية أكثر، وذلك بسبب العجز الإقتصادي في ميزانيتها عام 2015، كما أن إستمرار الأمير الشاب بن سلمان بالسعي لكسب دور يفوق حجمه، ستكون نتائجه مشابهة لطموح أمير قطر الشاب.