الوقت- أينما تجد دماء تجري على الأرض في الشرق الاوسط، ابحث عن سببها تجد الولايات المتحدة الأمريكية. لم تترك واشنطن دولة في هذا الشرق إلا وساهمت في نشر الفوضى فيها، وحاليا تركز شرها في سوريا والعراق، مع العلم انها فشلت في كلتا الدولتين ولم تستطع تحقيق أهدافها، إلا أننا لا نستطيع أن ننكر أنها نشرت فوضى لم تشهدها هاتين الدولتين منذ عقود طويلة، اذا يرجع قسم كبير من المذبحة التي دمرت سوريا خلال السنوات المنصرمة إلى تصرفات الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط.
المسؤولون الأمريكيون اعترفوا بفشل بلادهم في سوريا وعجزها عن تحقيق اي من أهدافها، فقبل يومين من الآن كشف المسؤول الأمريكي السابق، جيفري فيلتمان، أن السياسة الأمريكية في سوريا، لإدارتي الرئيسين السابقين دونالد ترمب وباراك أوباما فشلت في تحقيق نتائج ملموسة إزاء أهداف واشنطن باستثناء هزيمة "داعش" الإرهابي.
وجاءت تصريحات فيلتمان خلال مقابلة خاصة مع صحيفة "الشرق الأوسط" التي دعا خلالها إلى اختبار مقاربة جديدة تقوم على اتخاذ الرئيس السوري بشار الأسد خطوات ملموسة ومحددة وشفافة لا يمكن العودة عنها في شأن الإصلاح السياسي، مقابل إقدام واشنطن على أمور بينها تخفيف العقوبات على دمشق.
ورأى فيلتمان أن "سياسة واشنطن تقوم على تغيير النظام في المدى القصير. إذا نظرت إلى سياسة إدارتي باراك أوباما ودونالد ترمب، فإن الأسد اليوم بالنسبة للسيطرة العسكرية أقوى مما كان سابقاً. من غير الواقعي أن تقوم السياسة على تغيير النظام في المدى القصير. نعم، السياسة الأمريكية يجب أن تقوم على محاولة تشجيع والتعامل مع القضايا الأكبر من سياسات النظام وسلوكه. لكن لا أظن، أن حكم الأسد مضمون في المدى الطويل. التحديات الاجتماعية والاقتصادية والبنيوية ستخلق كثيراً من المشاكل التي لا يمكن لحكومة دمشق التعامل معها، أكثر مما فعلته الانتفاضة السورية. إيران وحزب الله وروسيا جاؤوا لإنقاذ الحكومة. هل سيأتون لإنقاذها اقتصادياً؟ لا أظن ذلك".
وشدد فيلتمان على أنه "لدينا كثير من الخلافات العمقية بطريقة ودية. لكن يجب أن أعترف أن السياسة الأمريكية نحو سوريا في عهد إدارتي أوباما وترامب، فإن القسم الوحيد الناجح هو الحرب ضد داعش وهزيمته جغرافياً في العراق وسوريا. لكن ما تبقى من سياسة أمريكا نحو سوريا، لم تؤدِ إلى نتائج ملموسة تخدم مصالحنا".
نعتقد جازمين أن الحرب على "داعش" أيضاً فشلت، فالولايات المتحدة الأمريكية بدأت تحرك شياطينها الداعشيين من جديد مع قدوم الادارة الامريكية الجديدة، ففي كل مرة تاتي فيها ادارة جديدة تعود الفوضى من جديد، ويحاول الرئيس الجديد قتل هؤلاء الدواعش او التظاهر بذلك ليقول للعالم ان على بلاده ان تبقى في سوريا، ولكن ما دامت "داعش" موجودة حتى اللحظة ماذا قدمت ادراتا اوباما وترامب ولماذا كانوا يتغنون بالقضاء على "داعش" وهي لا تزال قائمة حتى اللحظة.
بايدن سينشر الفوضى كما فعل أسلافه ولن يكون بأي حال من الاحوال افضل منهم، فهو يريد أن يقدم نفسه على انه "سوبر مان" الجديد، لكن السفير الأمريكي السابق، روبيرت فورد، وجه له عدة نصائح، حول واقع الوجود الأمريكي العسكري في سوريا، معتبرا أن هذا الوجود كان بمثابة "فشل ذريع" لأمريكا خصوصا ماليا.
ونشرت صحيفة "foreignaffairs" الأمريكية مقالا مثيرا للاهتمام كتبه السفير الأمريكي السابق في سوريا، روبيرت فور، (2011-2014) تحدثت فيه عن الفشل الكبير للسياسة الأمريكية في سوريا بعهد الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب.
وبحسب الصحيفة، كان ترامب قد وعد مرارا وتكرارا بإخراج أمريكا من الأزمة السورية، لكن فورد أكد أن "جهود الولايات المتحدة طويلة المدى لإعادة بناء مجتمعات ما بعد الصراع وتحقيق الاستقرار لها كانت مضللة ومحكوم عليها بالفشل".
الحقائق عن وجود امريكا في سوريا
في عام 2011، وفي سياق ما سمي "الربيع العربي"، قررت حكومة الولايات المتحدة، بالاشتراك مع حكومات السعودية وقطر وتركيا وإسرائيل، إسقاط حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، برغم أن الإطاحة بحكومة دولة أخرى تصرف يرقى إلى انتهاك صارخ للقانون الدولي. ونحن نعلم أن الرئيس باراك أوباما- في عام 2012 إن لم يكن في وقت أسبق- قد أعطى الإذن لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية للعمل مع حلفاء أمريكا في تقديم الدعم لقوات المعارضة التي كانت تتألف من سوريين ساخطين فضلا عن مقاتلين غير سوريين. ومن الواضح أن صناع السياسة الأمريكية توقعوا سقوط الأسد بسرعة، كما حدث مع حكومتي تونس ومِصر في الأشهر الأولى من "الربيع العربي".
على الرغم من تخصيص موارد هائلة للإطاحة بالأسد، فشلت كل الجهود في نهاية المطاف، ولكن بعد أن تسببت في إراقة أنهار من الدماء، وتشريد الملايين من السوريين. كما فر كثيرون إلى أوروبا، الأمر الذي أدى إلى إحداث أزمة لاجئين في أوروبا وطفرة في الدعم السياسي لليمين المتطرف المناهض للمهاجرين هناك.
في تموز من عام 2017، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب نهاية دعم وكالة الاستخبارات المركزية للمعارضة السورية. ولكن في الممارسة العملية، يظل تورط الولايات المتحدة مستمرا، وإن كانت تستهدف الآن إضعاف الأسد بدلا من الإطاحة به. وكجزء من الجهود الأمريكية المتواصلة في صنع الحروب، أعلن البنتاغون في كانون الأول 2017 أن قوات الولايات المتحدة ستبقى إلى أجل غير مسمى في سوريا، ظاهريا لدعم قوات المعارضة المناهضين للأسد في مناطق استولى عليها تنظيم داعش، وبالطبع دون موافقة الحكومة السورية.
الحقيقة التي يجب على الامريكي معرفتها، انه لايمكن اسقاط الدولة السورية، فالامر اصبح من الماضي، وعليهم ان يتعاملوا مع سوريا وفقا للقوانين الدولية واحترام سيادة الدول، ففي ظل الأحداث الأخيرة يمكن القول إن الإدارة الأمريكية بسياساتها الهوجاء، والتي تعتمد على مبدأ رد الفعل والانتقام والتجارة المالية على حساب العلاقات الدولية القوية، قد أوقعت أمريكا في "ورطة كبرى"، ولكن لا يمكن القول بأنها ساذجة لدرجة كبيرة كما يتصورها البعض، فهي تعتمد على أسلوب الترغيب والترهيب لإمتصاص ثروات الشعوب مقابل الوعود الزائفة بحماية الحكومات التابعة للركب الأمريكي. فلقد نجحت بامتصاص ثروات السعودية، واليوم تقوم بتحويل مسارها لخيارات أخرى ضمن خيارات لا تنتهي.
إلى ذلك، عمدت الإدارة الحالية إلى إشعال العراق ولبنان بعد الفشل في سوريا، وذلك من خلال التحكم عن بُعد بأدواتها في البلدين للضغط على إيران التي ما زالت تتمسك بمواقفها المعادية لها.
سياسة أمريكا في المنطقة هي الفتن والحروب التي ستبقى جراحاً مفتوحاً إلى أبد الآبدين. فتن طائفية وآفات قبلية وسلطات كاريكاتورية في العراق ولبنان، أما الأهداف الحقيقية فهي التوجه نحو حقول النفط الكبرى التي تعتبر "بوصلة" الأهداف الأمريكية.