الوقت- منذ اندلاع الأزمة السورية وفرار السوريين من مناطق سيطرة المسلحين ولجوئهم إلى دول مجاورة ودول بعيدة، أصبحت الأمور تزداد تعقيداً على هؤلاء اللاجئين ليجدوا أنفسهم بلا مأوى بعد أن دمرت منازلهم الحرب الدائرة في بلادهم، والأصعب من هذا أنهم تحولوا إلى ورقة ضغط بيد الساسة الباحثين عن أطماع في الأرض السورية، وكانت تركيا ولا تزال أكثر من استغل أزمة اللاجئين، إن كان من أجل استعمار أراض سورية أو الضغط على أوروبا وتهديدها بين الفينة والأخرى بفتح الحدود أمام اللاجئين للذهاب نحو أوروبا.
كانت الدولة السورية اكثر المتضررين من هذا الامر، بعد أن مارست بعض الدول اللاجئين كورقة ضغط على الحكومة السورية، وكلما كانت الدولة السورية تقدم تسهيلات لعودة اللاجئين، كانت بعض الدول تضع العصي في الدواليب وتمنع عودة هؤلاء اللاجئين، حتى ان أمريكا أقدمت على زيادة العقوبات على سوريا، لكي تعرقل عودة اللاجئين وتحول حياتهم إلى جحيم داخل بلادهم وخارجها.
في الحقيقة يشكل موضوع اللاجئين، بُعدٌاً إنسانيّاٌ بالنسبة للمهتمّين، وبُعدٌاً أخلاقيّاٌ ووطنيٌّ بالنسبة للسوريين، ولكن هناك أيضاً بُعدٌ سياسيٌّ سيء الذِّكر تتبنّاه الدول الضالعة بإشعال الأزمة السوريّة واستمرارها؛ فاللاّجئون عند تُجّار السياسة والانسانية والدين يتحوّلون إلى مجرد ورقة ضغط، لا أكثر ولا أقل، وما احتجاز السورييّن في بعض المخيّمات، كما ذكرنا إلا خير دليل على ذلك.
سوريا في تشرين الثاني الماضي عقدت مؤتمراً لـ"عودة اللاجئين" وكان مؤتمرا مهماً، فهو يعطي جملةً من الرسائل السياسيّة والدبلوماسية عن قدرة هذا البلد في الصمود رغم الصعاب، وعن استمرار عمل الدولة والمؤسسات بالرغم من محاولات تفكيكها وإفشالها بسبب العقوبات، ويدحض أساطير المعارضات التي تتحدث في كل مرة عن النوايا الانتقامية للحكومة السوريّة.
المؤتمر أظهر من يضع العراقيل في وجه اللاجئين على حقيقتهم، ولم يعد لهم حجة أو ذريعة في اذلال السوريين أكثر من ذلك، وجميعنا يشاهد ما يتعرض له السوريون في تركيا ولبنان والاردن، فقبل يومين فقط ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بصور لحريق ضخم اندلع ليل السبت في مخيم للاجئين السوريين في لبنان. وكانت وكالة الأنباء اللبنانية قد ذكرت بأن عددا من المواطنين في منطقة المنية شمالي البلاد أضرموا النار في مخيم للاجئين بعد شجار اندلع بين أحد أفراد عائلتهم وعمال سوريين. وطال الحريق كل المساكن المبنية من مواد خشبية وبلاستيكية داخل المخيم الذي يضم نحو75 أسرة سورية لاجئة، وفق ما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية.
قد لا تبدو الأوضاع الحاليّة في سورية نموذجية، فالأضرار بالجملة والعقوبات الأمريكية تتعمّد تضييق الخناق، وتحتاج قرى وبلدات بأكملها إلى إعادة الإعمار، إلاّ أنها تتعثّر بفعل هذه السياسات، ولكن مهما بلغت الأوضاع سوءاً، لن تكون أسوأ من خيم اللّجوء في الشتاء، ومهما كانت الأوضاع الاقتصادية والمعيشية ضاغطة في الداخل، فأضرارها، مهما بلغت فداحتها، لن تساوي ضرر تسرّب جيلٍ كاملٍ من المدارس.
لدينا الآن تحدٍّ عالمي يتعلق بوباء كورونا وانعكاساته في ظلّ ظروف اللجوء القاسية واتساع رقعة المخيمات والأوضاع المتردّية فيها، وبناءً عليه، فعلى من يستغرب انعقاد هذا المؤتمر أن يقوم بمراجعة هادئة لأوضاع اللاجئين في المخيمات، وليس لأوضاع المغتربين في بعض العواصم الأوروبية. لا يزال البعض حتى اليوم يخلط بين المغترب واللاجئ، والحقيقة أنه ثمة فرق كبير، وإذا تمكن المؤتمر من إنهاء هذه المخيمات فقط، دون عودة جميع اللاجئين السورييّن المنتشرين في كل دول العالم، فسيكون حينها قد أحرز نجاحاً باهراً حتى وإن تغيّبت عنه دول عديدة أو منظمات معنيّة.
سوريا لاتزال تعمل على اعادة اللاجئين ويوم أمس انعقد مؤتمر صحفي مشترك بين سوريا وروسيا، وخلال المؤتمر أكد المشاركون بأن الحصار الاقتصادي الغربي يحول دون عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم .
وزير الإدارة المحلية والبيئة المهندس حسين مخلوف استعرض خلال المؤتمر ما قامت به الدولة السورية في مواجهة الحرب الإرهابية التي تعرضت لها، وأوضح الوزير مخلوف أنه تم تجهيز 93 من مراكز الإيواء الحكومية ، وتأهيل 19736 منزلاً متضرراً ، و1903 أبنية غير منتهية الإكساء ، إضافة إلى خدمة وتأمين 140 من مراكز الإيواء الحكومية ، موضحاً أن لجنة إعادة إعمار وتأهيل البنى التحتية المتضررة والتعويض عن الأضرار التي تشكلت عام 2012 ركزت في عملها في بداية الحرب على التعويض عن الأضرار التي لحقت بالممتلكات الخاصة للمواطنين وصرفت قرابة 20 مليار ليرة سورية في هذا المجال إلى جانب بناء وحدات سكنية مخصصة لاستقبال اللاجئين من الخارج في مناطق مثل الحرجلة وعدرا وحسياء .
ولفت مخلوف إلى أنه تم تشكيل هيئة تنسيق عودة المهجرين السوريين التي عملت بالتعاون الوثيق مع الهيئة التنسيقية الروسية لمساعدة اللاجئين على ترميم الوثائق المفقودة وتأمين خدمات النقل والرعاية الصحية حيث تمت إعادة مئات الآلاف من اللاجئين من الخارج ونحو 4 ملايين مهجر داخلي إلى مناطقهم بالتعاون الوثيق مع منظمة الهلال الاحمر العربي السوري والجهات المعنية، كما تم تأمين نقل وإيواء كل الخارجين من مخيم الركبان ، وتقديم الرعاية اللازمة لهم لحين عودتهم الى منازلهم .
الخديعة التركية
نقلت صحيفة الجارديان البريطانية شهادات حية عن معاناة اللاجئين السوريين الذين خدعهم نظام الرئيس التركي رجب أردوغان، بآمال الهجرة إلى أوروبا فيما كان يستخدمهم كورقة ضغط من أجل تحقيق أهدافه الاستعمارية شمال شرق سوريا.
ووفق الصحيفة، فإن أردوغان استخدمهم كبيادق سياسية من أجل الضغط على أوروبا، بينما ذاق اللاجئون الأمرّين ومات منهم الكثير وأصيبوا وأصبحوا بائسين جراء فقدهم ممتلكاتهم.
استخدام هؤلاء اللاجئين عناصر في تنظيمات دربتها وسلّحتها لإسقاط الحكومة السورية أولاً، ولتكسب نفوذاً لها داخل سوريا ثانياً.
ومن أبرز هذه التنظيمات إنشاء ما يسمى "الجيش السوري الحر" الذي تحول بعد سنوات إلى إحدى كتائب الجيش التركي بصورة غير رسمية، تدربه تركيا وتسلحه وتموّله وتستخدمه في حروبها التوسعية في سوريا من عملية "درع الفرات" إلى "عملية عفرين" واليوم في منطقة إدلب. ولا أحد يدري ربما استخدمته لاحقاً في قبرص التركية وفي مناطق نزاع في شمال العراق وأذربيجان، وخصوصاً في ليبيا. أي إن هذا الجيش تنطبق عليه كل مواصفات المرتزقة.
ومع مرور الوقت تحول اللاجئون السوريون في تركيا إلى ورقة انتخابية لمصلحة حزب العدالة والتنمية. فكان تجنيس عشرات الآلاف منهم الذين صوّتوا حتما لمصلحة مرشحي حزب العدالة والتنمية.
وحاليا يسود الحزن واليأس بين اللاجئين، وينتظر الآلاف منهم على الحدود منذ أيام، وتتدنى درجات الحرارة إلى ما دون الصفر ليلاً، وتتساقط الأمطار، لذلك يلجؤون إلى قطع الأشجار القريبة للتدفئة.
ومعظم الأطفال مرضى، بينما كبار السن يعانون، وانتقل هؤلاء من أماكن إقامتهم في تركيا حاملين ما يقدرون عليه من طعام. ومع ذلك يقول كثيرون إنهم سيجازفون بالبقاء والانتظار.
بعضهم يدرك أنه يستغل ورقة ضغط سياسية. ويعتقد بعضهم أنه سيسمح لهم بدخول أوروبا بمجرد الوصول إلى اليونان.