الوقت - في الأيام الأولى للغزو العسكري لليمن، ادعى تحالف العدوان العربي بقيادة السعودية أنه سيصل العاصمة في أقل من شهرين، ويقضي علی الجيش اليمني ومقاتلي جبهة أنصار الله المقاومة؛ ولكن بعد 6 سنوات أصبح الوصول إلى مدينة صنعاء حلماً بالنسبة لهم.
وتظهر التطورات في السنوات الست الماضية أن أهداف هذه الحرب قد واجهت الفشل. ففي اليوم الأول للحرب على اليمن في مارس 2015، أعلن المتحدث باسم التحالف السعودي آنذاك أنه في الربع الأول من الحرب، سيتم تدمير جميع منشآت القوات المسلحة اليمنية، وأن القضاء التام على أنصار الله لن يستغرق أكثر من بضعة أسابيع.
وبعد أشهر قليلة من الحرب، ادعى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أن أنصار الله لا مكان لهم في اليمن، وأن التحالف السعودي سيقضي عليهم في الأيام القليلة المقبلة. ولکن هذه "الأيام القليلة" بالطبع استمرت عدة سنوات، والسعودية الآن على وشك الانسحاب وإعلان الهزيمة في هذه الحرب المدمرة دون تحقيق أي شيء.
لكن بعد أن خطَّط العدو لتدمير أنصار الله، معتمداً على القوة العسكرية للتحالف المعتدي، المجهز بأحدث الأسلحة العسكرية من أوروبا والولايات المتحدة، هزم اليمنيون أنظمة الدفاع الجوي للعدو الواحدة تلو الأخری بإحراز تقدم كبير في المجال العسكري وكشف النقاب عن صواريخ صنعها متخصصون يمنيون.
القدرة الصاروخية لأنصار الله في الأيام الأولى للحرب
تزعم مصادر عسكرية عديدة أن حركة أنصار الله قد سيطرت على مخازن الدولة ومراكز الصواريخ حول العاصمة بعد سيطرتها على مدينة صنعاء في ديسمبر 2014. في ذلك الوقت كان لدى اليمن الصواريخ التالية:
- صواريخ أرض - أرض يبلغ مداها حوالي 120 كم.
- صواريخ يبلغ مداها نحو 320 كيلومترا.
- صواريخ سكود B بعدد يقدر بـ 500 صاروخ، اشتراها اليمن من الاتحاد السوفيتي في الثمانينيات.
- بالإضافة إلى ذلك، تم تزويد قوات أنصار الله بصواريخ "توشكا" الروسية بمدى 120 كم. وأطلقت أنصار الله أول صاروخ توشكا في سبتمبر 2015، مستهدفةً قاعدة "صافر" جنوب مأرب، مما أسفر عن مقتل 99 عنصرًا من التحالف السعودي، معظمهم ضباط وجنود إماراتيون.
تقدم اليمنيين المذهل في مجال القوة الصاروخية والطائرات المسيرة
كان اليمنيون ينتجون صواريخ مجنحة وكذلك طائرات بدون طيار منذ سنوات. هذه الصواريخ هي أسلحة متطورة تمنح التفوق العسكري أو الردع في الدفاع، وهي قوية جدًا في القتال الشرس.
کما أن تكنولوجيا صنع هذه الأسلحة ليست سهلةً على الإطلاق، لكن اليمنيين قاموا بهذه المهمة الصعبة، معتمدين على قدرتهم ومهارتهم. وفيما يلي نظرة على تكنولوجيا صواريخ الكروز والطائرات بدون طيار، التي انضم اليمن إلى مصنعي هذه الأسلحة القلائل.
الصواريخ المجنحة
كشفت وحدة الصناعة العسكرية اليمنية، في تموز 2019، عن صاروخ مجنح يسمى "القدس" في معرض الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة.
صواريخ الكروز المجنحة هي فئة من الأسلحة الجوية ذاتية الدفع. تحتوي هذه الصواريخ على صواريخ اعتراضية تلقائية، كما أن استهدافها دقيق للغاية ويمكنها حتى استهداف أشياء بحجم سيارة.
هناك أنواع مختلفة من الصواريخ المجنحة، بعضها يصل مداها إلى حوالي مائة وبعضها إلى 3000 كيلومتر. وميزة هذه الصواريخ هي صغر حجمها، فضلاً عن سرعتها العالية جداً والارتفاع المنخفض، الأمر الذي يتطلب بنائه تقنيةً هندسيةً متطورةً ومعقدةً.
وقالت مصادر عسكرية يمنية، إن الصاروخ محلي الصنع بالكامل، ويتحرك على ارتفاعات منخفضة، ويصل مداه إلى 2500 كيلومتر، وله دقة عالية في إصابة الهدف، وبمعدل خطأ أقل من متر ونصف.
ويحتوي هذا الصاروخ على نظام ملاحة دقيق وإرشادات متطورة مثل GPS، وهو مصمم لحمل رأس حربي متفجر يزن 450 كجم. ومقارنةً بالصواريخ الأخرى، يصعب مواجهة هذه الصواريخ لأنها تتحرك على ارتفاعات منخفضة، والرادارات غير قادرة على تعقبها، مما يربك أنظمة الدفاع الصاروخي.
صاروخ "قدس 1" الذي تم الكشف عنه في معرض أنصار الله العسكري الأخير، هو من عائلة صواريخ الكروز. ويعتقد الخبراء أن هذا الصاروخ المجنح هو صاروخ تكتيكي بحت، وسيحدث بلا شك فرقًا كبيرًا في معادلة الحرب مع التحالف السعودي والإماراتي والصهيوني، وسيتعين على المهاجمين على اليمن انتظار مفاجآت جديدة.
سيزيد صاروخ قدس 1 المدى وطبعاً مدى الأهداف، لذا فإن انعدام الأمن في جغرافية أوسع ينتظر أعداء اليمن، خاصةً وأن هذا الصاروخ يتمتع بدقة عالية جداً في مهاجمته للأهداف.
واعتباراً من أبريل ،2019 كشف الجيش اليمني عن صاروخ "بدر إف" الباليستي، وهو صاروخ باليستي يصل مداه إلى 160 كيلومترا واستخدمه ضد القوات الغازية. وكانت القوات المسلحة اليمنية قد كشفت في وقت سابق عن نماذج لمنصات ورؤوس حربية تحت الأرض، مزودة برؤوس حربية موجهة.
صواريخ بركان 1 و 2: صواريخ "بركان" التي تم كشف النقاب عن النموذجين 1 و 2 منها، هي من صنع "مركز الأبحاث وتطوير الصواريخ" التابع لوزارة الدفاع اليمنية.
يعتبر صاروخ بركان 2 أكثر تطوراً من صاروخي بركان 1 وسكود. يبلغ طول صاروخ بركان 1 12.5 مترًا وقطره 88 سم، ويبلغ وزن رأسه الحربي نصف طن، ويبلغ وزنه الإجمالي 8 أطنان بقوة تدميرية عالية. وقد تم تصميم الرأس الحربي الصاروخي لتدمير القواعد العسكرية الكبيرة، ويبلغ مداه أكثر من 800 كيلومتر.
صواريخ قاهر 1 و إم 2: صاروخ "قاهر 1" هو صاروخ باليستي يمكنه استهداف الأهداف بدقة على مسافة 500 كيلومتر.
يبدو أن هذا الصاروخ يشبه تقريبًا صاروخ Sam 2، وهو صاروخ كان في حوزة الجيش اليمني سابقًا، والآن قامت أنصار الله بتحويل نفس الصاروخ من خلال تغيير طبيعته، من أرض-جو إلى صاروخ أرض-أرض بوظيفة باليستية.
أما صاروخ "قاهر إم 2" الباليستي فهو نسخة متطورة من صاروخ قاهر 1، يبلغ مداه 400 كيلومتر وهو قادر على حمل رأس حربي يزن 350 كيلوجراماً. والميزة الفريدة لصاروخ قاهر إم 2، هي دقته العالية في إصابة الأهداف حيث تصل دقته من 5 إلى 10 أمتار. وقد تم تطوير القاهرة إم 2 في مركز الأبحاث وتطوير الصواريخ التابع للجيش اليمني.
الطائرات المسيرة
خلال سنوات الحرب، تمكن الجيش اليمني من إنتاج طائرات دون طيار خاصة ومتنوعة ذات قدرة قتالية عالية ودقيقة، وأهمها طائرات صماد1-2-2 و قاصف K2 وصواريخ بدر.
يبلغ طول طائرة صماد 1 دون طيار 15 كم، وهذا النوع من الطائرات لديه القدرة على الوصول إلی الأهداف المباشرة لغرفة العمليات.
أما طائرة صماد 2 المسيرة فهي سلاح يمني دخل ساحة المعركة في النصف الثاني من العام الرابع للعدوان والحصار الأمريكي المفروض على اليمن من قبل المرتزقة السعوديين والإماراتيين. صماد 2 هو سلاح ذو قوة وتقنية عاليتين، ويبلغ مداه أكثر من ألف كيلومتر.
كذلك، يبلغ مدى طائرة صماد 3 دون طيار 1500 إلى 1700 كيلومتر، وقد وصلت إلى الإنتاج الضخم بعد عملية ناجحة لاستهداف المطارات السعودية والإماراتية.
ويمكن لهذا النوع من الطائرات الهجومية أن يصيب الهدف بالكامل، ويحمل كميات كبيرة من المتفجرات، بحيث تنفجر جميع أجزاء الطائرة في تصادمها مع الهدف. وقال متحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، إن هذه الطائرة دون طيار مزودة بتكنولوجيا متطورة، ولا يمكن اعتراضها أو تدميرها بواسطة رادارات العدو.
في أغسطس 2017، استهدف الجيش اليمني مطار أبوظبي لأول مرة بطائرة صماد 3 دون طيار. لم يتم تقديم أي معلومات عن الرأس الحربي للطائرة دون طيار في ذلك الوقت، لكن التقديرات أشارت إلى أن الوزن يبلغ 50 كيلوغراماً.
وتتمثل إحدى إمكانيات طائرة قاصف K2 في قدرتها على حمل كميات كبيرة من المتفجرات، والتي بدورها يمكن أن تضاعف قوتها التدميرية في الهجمات. کما تنفجر طائرة قاصف K2 دون طيار على ارتفاع عشرة أمتار فوق الهدف، وتتسبب في تناثر الكثير من الحطام، بحيث يصل القطر الطولي لدائرة الحطام إلى 80 متراً وعرضها إلى 30 متراً.
عندما تحلق طائرة قاصف K2 بدون طيار أكثر من 1000 كيلومتر وتستهدف منشآت النفط السعودية التي تحرسها أنظمة الدفاع الأمريكية، فهذا يعني تحولًا استراتيجيًا في القدرة الهجومية لأنصار الله. في الواقع، تستطيع طائرات أنصار الله بدون طيار التي يتراوح سعرها بين 300 و 1000 دولار، المرور عبر نظام باتريوت السعودي الذي تبلغ تكلفته 6 ملايين دولار.
لقد انضم اليمن إلى التكتل الذي يضم 41 دولة، وقد يقصف مطار أبوظبي وهو أحد أبعد أهدافه، كما فعل في عملية واسعة النطاق خلال شهر رمضان المبارك، باستهداف محطات ضخ النفط التابعة لشركة أرامكو السعودية.
إحصائيات مذهلة عن اعتراض مقاتلات العدو من قبل أنظمة أنصار الله للدفاع الجوي
لكن من أهم ملامح الحرب اليمنية، والتي ثبتت منذ عام 2015، هي أن التفوق الجوي السعودي لا يمكن أن يستمر أمام أنظمة الدفاع الجوي اليمنية البسيطة والمتقدمة.
ومع تطور أنظمة الدفاع الجوي اليمنية وتحديثها، سنشهد إسقاط معظم الطائرات المقاتلة والمروحيات والطائرات المسيرة للتحالف السعودي الغازي، الذي تم تجهيز قواته الجوية بأحدث الطائرات في الشرق الأوسط.
المروحيات الهجومية
في الوقت نفسه، كانت مروحيات "أباتشي" الهجومية أول صيد للدفاع الجوي اليمني، حيث في مايو 2015، أسقط الدفاع الجوي اليمني إحدى هذه المروحيات الأمريكية بصاروخ "ستريلا" الروسي.
هذه المروحيات من صنع شركة "بوينغ" الأمريكية، وهي المروحيات الهجومية الرئيسية في سلاح الجو الإماراتي الذي يضم 30 طائرة. کما تمتلك القوات السعودية 82 مروحية من هذه المروحيات، و 72 مروحية هجومية من طراز أباتشي موجودة بحوزة الحرس الوطني السعودي.
إحدى مروحيات الأباتشي الهجومية التي تم إسقاطها في 17 أكتوبر 2017 في منطقة "الخب والشعف" بمحافظة الجوف، کانت بواسطة منظومة "ثاقب1"، وهي منظومة دفاع جوي بصواريخ جو-جو روسية من طراز R-73، والتي طوَّرها اليمنيون أنفسهم. واشترت القوات الجوية اليمنية 150 من هذه الصواريخ في عامي 2002 و 2005.
بالطبع، المروحيات التي أسقطها اليمنيون لا تقتصر على هذا النوع، بل تشمل مروحيات أخرى، منها مروحية نقل أمريكية الصنع تابعة للقوات الجوية السعودية "S-70" عام 2017، وطائرة هليكوبتر نقل مملوكة للقوات الجوية الإماراتية، وهي أيضًا واحدة من نوع "H60" التي تم إسقاطها في أغسطس 2017 في سماء "شبوة".کما أسقطت الدفاعات الجوية اليمنية مروحيةً هجوميةً أخرى من طراز SE 407، في يونيو 2016 في خليج عدن.
الطائرات ذات الأجنحة الثابتة
وعلى مستوى الطائرات ذات الأجنحة الثابتة، أُسقطت طائرتان من طراز "تورنادو" أوروبيتا الصنع في سماء الجوف عام 2017، وأسقطت واحدة من قبل اليمنيين في فبراير الماضي. تنتمي جميع الطائرات التي تم إسقاطها من هذا النوع إلى سلاح الجو السعودي، الذي يستخدم 50 من هذه القاذفات في الشرق الأوسط
واللافت في هذا النوع من القاذفات، هو أن القاذفة الأولى منها أُسقطت بواسطة نظام دفاع جوي يمني طوره اليمنيون بالداخل، وهو نظام "فاطر 1" بصواريخ "سام 6" قصيرة المدى. أقصى مدى لهذه الصواريخ هو 24 كم، ويصل رأسها الحربي إلى 60 كجم، ويمكنها استهداف طائرات العدو حتى 14 كم.
إضافةً إلى ذلك، هناک طائرات أخرى متنوعة تابعة لتحالف العدوان السعودي أسقطها نظام الدفاع الجوي اليمني، منها مقاتلة أردنية من طراز F-16 في فبراير 2017، وطائرة الإمارات العربية المتحدة من طراز AT 802 في سبتمبر 2017، ومقاتلة إماراتية أخرى من طراز "ميراج 2000" في مارس 2016، ومقاتلة سعودية من طراز تايفون في سبتمبر 2017.
الطائرات دون طيار
استخدمت القوات الجوية الإماراتية والسعودية مجموعةً متنوعةً من الطائرات دون طيار في حرب اليمن، لمراقبة العمليات الهجومية وتنفيذها.
وكانت الطائرة دون طيار من طراز Seeker 400 واحدة من هذه الطائرات المسيرة التي يستخدمها الجيش السعودي لإجراء عمليات الاستطلاع في مناطق الصراع مع قوات أنصار الله على الحدود الجنوبية.
وأسقط نظام الدفاع الجوي اليمني لأنصار الله في تموز 2015 وتشرين الثاني 2018، ما مجموعه أربعة أنواع من الطائرات المسيرة، إحداها الإمارات والثلاث الأخری للجيش السعودي.
طائرة "كامكوبتر S100" بدون طيار نمساوية الصنع هي إحدى الطائرات بدون طيار التي تم إسقاطها في الحرب اليمنية، حيث تم إسقاط ستة منها بين أغسطس 2015 ويونيو 2019.
هذا النوع من طائرات الهليكوبتر مخصص لعمليات التصوير والمراقبة، ويمكن تزويده بصواريخ خفيفة بسرعة قصوى تبلغ 220 كم في الساعة، ومداها يصل إلی 180 كم.
لكن ذروة أداء أنصار الله اللامع في الدفاع الجوي بضربات الطائرات بدون طيار، هي إسقاط أربع طائرات قتالية أمريكية متطورة من طراز MQ9 Reaper.
في 23 مارس 2020، وعشية دخول الحرب اليمنية ذكراها السادسة، أشار "يحيى سريع" خلال مؤتمر صحفي إلى إنجازات الجيش السعودي واللجان الشعبية، خلال سنوات عدوان التحالف السعودي. وقد صنف "سريع" هذه الإنجازات على النحو التالي:
- نفذت قوات الدفاع الجوي واللجان الشعبية التابعة للجيش اليمني أكثر من 721 عملية منذ بداية العدوان، لإسقاط أو إبعاد طائرات العدو.
- دمرت قوات الجيش واللجان الشعبية اليمنية أكثر من 8887 دبابة وعربة عسكرية وناقلات أفراد ومدرعات وجرافات العدو، منذ بداية العدوان السعودي.
- أسفرت الاشتباكات منذ عام 2015 عن مقتل أكثر من 10 آلاف ضابط وجندي سعودي وإماراتي.
- ضربت آلاف الصواريخ الباليستية قواعد ومنشآت العدو خلال خمس سنوات من القتال، ويجب على العدو انتظار نفس العدد بل وأكثر في وقت قصير جدًا. وقد نفذت وحدة الطائرات بدون طيار التابعة للجيش واللجان الشعبية اليمنية 4116 عملية عسكرية منذ بداية الغزو السعودي.
ومؤخرا، ومع كشف النقاب عن المركبة المدرعة "بأس 1" التي صنعها خبراء يمنيون، أظهر اليمنيون أنهم أصبحوا مكتفين ذاتياً في إنتاج جميع أنواع الصناعات العسكرية.
بشكل عام، كلما ابتعدنا عن بداية الغزو السعودي لليمن، زاد ميزان القوى في الحرب اليمنية ثقلاً لصالح حركة أنصار الله والشعب اليمني. وإن تحرك السعودية لإنهاء الحرب في اليمن، إذا حدث اليوم سيكون أفضل من الغد، رغم أنها تتکبَّد تكاليف عسكرية وسياسية باهظة.