الوقت- الجميع يعلم أن الوجود الأمريكي على الأراضي السورية هو "احتلال علني" واعتداء على سيادة دولة أخرى، خاصة وان الدولة السورية لم تدعُ واشنطن ولم ترحب بها على اراضيها، ومع ذلك الجيش الامريكي موجود في سوريا بكل وقاحة، وحتى دون اذن رسمي من الكونغرس، لكن الادارات الامريكية تشن حروبها على دول الشرق تحت حجج واهية مثل حماية الامن القومي وتوجيه ضربات استباقية وما الى ذلك.
قبل يومين تحدث وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، عن سبب الوجود الأمريكي المسلح غير القانوني على الأراضي السورية وفرض العقوبات الجديدة على البلاد. وقال لافروف، متحدثا في المؤتمر الدولي "البحر الأبيض المتوسط والحوار الروماني": "يجب أن نعلن مع الأسف، أنه استجابة للتقدم البناء في التسوية السياسية، تتلقى دمشق وجودا مسلحًا أمريكيًا غير قانوني على أراضيها، والذي يستخدم بشكل علني لتشجيع الحركة الانفصالية وعرقلة استعادة وحدة البلاد".
بالفعل هذا ما تقوم به أمريكا منذ أن قدمت إلى سوريا، فهي تدعي انها تتحالف مع الاكراد ولكنها في الوقت نفسه تطعنهم في الظهر عندما تجد الفرصة مواتية لتحقيق مصالحها، فالادارة الامريكية لايعنيها أن يقيم الاكراد دولة خاصة بهم، ولكنها تستخدم هذه الورقة لاحداث شرخ في الداخل السوري وابقاء البلاد مقسمة، والمضي قدما في نشر الفوضى لكي لا تشهد سوريا اي استقرار ولكي لا يعلن الجيش السوري نصره الاخير، فهي تعمل على الاستنزاف والاستفادة من عامل الوقت، حتى ان لافروف اشار الى أن "سورية تمكنت من قصم ظهر الإرهاب في معظم أراضيها"، مؤكداً أن جهود إعادة إعمار البلاد وإعادة المهجرين السوريين إلى مناطقهم التي استهدفها الإرهاب تتطلب مشاركة المجتمع الدولي بأسره.
النقطة الثانية لماذا توجد القوات الامريكية شرق الفرات؟
أولاً: شرق الفرات يحتوي على غلة سوريا من النفط والقمح ومصادر المياه وغيرها من الثروات والموارد الطبيعية، لذلك نجد الولايات المتحدة تسخدم كامل نفوذها للبقاء هناك، وحرمان الشعب السوري من موارده الطبيعية، وما يؤكد ذلك، أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترمب، أعلن سحبَ قوات بلاده من سوريا، مع انطلاق عملية "نبع السلام" التركية شمال سوريا 9 أكتوبر الماضي، ولكن سرعان ما عادت هذه القوات إلى العديد من تلك القواعد، بعد انتهاء العملية التركية، تحت ذريعة حماية الآبار والمنشآت النفطية.
وفي 6 تشرين الثاني، وافق ترمب على "توسيع المهمة العسكرية الأمريكية" لحماية حقول النفط في شمال شرق سوريا، حسب وكالة “أسوشيتد برس"، التي قالت إن قرار ترامب أتى عقب اجتماع عَقَده مع مسؤولين في وزارة الدفاع.
اذا واشنطن تستغل ما يجري في سوريا، وتدعم المشروع الكردي الانفصالي لمصالحها الشخصية، وما تواجد "داعش" هناك الا خدمة للمشروع الامريكي، فهي تريد ان تعيد توزيع الديموغرافيا السورية، والدليل انها قامت بتهجير مئات الآلاف من العرب، هذا إذا لم يتجاوز العدد مليوناً وأكثر، من مناطق يشكلون فيها أغلبية مثل الحسكة والرقة وريف دير الزور وهدم بلدات وقرى عربية بأكملها وتسويتها بالأرض وتهجير أهلها في شمال وشرق سوريا؟ ولا أحد يتحدث عن مصير هؤلاء.
ولكي تكمل واشنطن شرها في سوريا، أصدرت قوانين بموجبها فرضت عقوبات على سوريا، وكما قال وزير الخارجية السوري الراحل، وليد المعلم، أن الولايات المتحدة تحاول حرمان الشعب السوري من "آخر كسرة خبز" مستخدمة العقوبات كسلاح أخير لتحقيق أهدافها في سوريا، مضيفاً بأن دمشق تعلمت بالفعل كيفية مقاومة عقوبات واشنطن واتخاذ إجراءات لمكافحة تداعيات هذه العقوبات.
ثانياً: لأمريكا اهداف استراتيجية من ابقاء قواتها شرق الفرات، اذ تستهدف هذه القواعد تحقيق عدّة أهداف، التهديد المباشر باستخدام القوّة ضد أيّ دولة تعارض الوجود الأمريكي في المنطقة، والحفاظ على أمن الكيان "الإسرائيلي" ضد أيّ محاولة تهدف إلى دعم القضية الفلسطينية من أجل استعادة الحقوق المُغتَصبة في الأرض والوطن، والمراقبة والتجسّس والتدخّل في الشؤون الداخلية للدول وافتعال الأزمات المُستدامة.
اذا الوجود الأمريكي العسكري في سوريا الممتد على طول الشريط الحدودي بين سوريا وتركيا، الشمال الشرقي حيث يسيطر على غالبية هذه الحدود الكرد، يشير إلى نوايا أميركا في تعزيز مبدأ الانفصال والتقسيم والفيدرالية السوري، مع الأخذ بعين الاعتبار الذرائعية الأميركية اللامنطقية، تتذرّع أميركا في مكافحة الإرهاب الذي صنعته، وأن دور هذه القواعد مهم بالنسبة للعمليات العسكرية للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في سوريا، تأمين طرقات سريعة للإمداد والتموين والخدمات الأخرى المختلفة للقوات الأميركية والغربية بحسب ما تزعمه، ولكن الواقع هو الدعم المباشر للإرهاب بغية تحقيق التنافُس مع الروسي في المنطقة وإعادة سيناريو أفغانستان، خاصة بعد انطلاق العمليات العسكرية الروسية في 30 أيلول/ سبتمبر 2015، وإن كان خجولاً زمن باراك أوباما كأول تواجد عسكري أميركي على الأرض منذ بدء الحرب على سوريا، وتشكيل التحالف الدولي في آب/أغسطس 2014 بعد أحداث الموصل. قد بدأ يحظى بدفعة قوية من إدارة دونالد ترامب ليتّضح الهدف الرئيس الاستراتيجي هو التنافُس مع روسيا لتقسيم مناطق النفوذ في المنطقة العربية، ظل الانهيار الذي تشهده بعض الدول في المنطقة.
لافروف في خطابه الاخير تحدث ايضا عن ازدواجية الغرب، اذ قال: "الغرب يظهر ازدواجية المعايير ويرفض تقديم المساعدة إلى سوريا حتى عندما يتعلق الأمر بمشكلات إنسانية. وفي مواجهة تفشي الوباء يواصل الغرب سياسته الخانقة اقتصادياً للجمهورية العربية السورية".
وقال وزير الخارجية الروسي “إن ما يدعو للأسف أن بلداناً كثيرة بما فيها أعضاء في الاتحاد الأوربي وكذلك بلدان إقليمية رفضت تحت ضغط شديد من الولايات المتحدة الأمريكية المشاركة في المؤتمر الدولي للاجئين السوريين الذي انعقد في العاصمة السورية دمشق في شهر تشرين الثاني الماضي كما أرغمت واشنطن منظمة الأمم المتحدة التي هي منظمة عامة على تقليص مشاركتها في المؤتمر واقتصارها على صفة مراقب فقط.
ورأى أن "واشنطن تعول على عامل الوقت واستمرار الخلاف العربي- العربي في الداخل السوري، من أجل ظهور واقع جديد يغيّر وجه سوريا ويهدد دول الجوار لاحقاً وصولاً إلى روسيا".