الوقت- ألقى المشهد الضبابي الذي يعصف في منطقة الشرق الاوسط بظلاله على موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول الإتفاق النووي.
فقد أعلن نتنياهو بالأمس في مقابلة مع شبكة سي ان ان، وضع خلافه مع واشنطن حول الإتفاق النووي جانباً، لأجل التعاون مع إدارة أوباما أو أي إدارة مقبلة في تنفيذ بنود الإتفاق النووي الموسوم بـ"برنامج العمل المشترك الشامل".
التطور الجديد في موقف "نتنیاهو" يأتي بعد مرور ثلاثة أشهر من الهجوم الشرس على الإتفاق، وأكثر من سنتين على ضجيجه الإعلامي حول المفاوضات النووية بين طهران وواشنطن، وحوالي 3 سنوات على خطابه في الامم المتحدة برفقة لوحته الكرتونية الشهيرة، التي وضع فيها خطا أحمر على صورة لقنبلة نووية، قال إنها تجسد الخطر الإيراني الداهم، جازما بأن طهران باستطاعتها إنتاج القنبلة خلال عام واحد.
قبل الدخول في أي تحليل لكلام نتنياهو الأخير الذي يأتي في ظل العديد من المتغيرات على الساحة السورية، ثبت للجميع، ولأعداء إيران صحة المعلومات التي تقدمها حول برنامجها النووي السلمي رغم كافّة الإدعاءات الغربية والعربية أيضاً، ولكن للأسف سنكون في المرحلة المقبلة، مرحلة تطبيق الإتفاق النووي، امام إتهامات أمريكية وإسرائيلية، لغاية في نفس يعقوب، وقد نرى العديد من الدول العربية والإسلامية تروّج لهذه الإدعاءات لغايات آخرى ولكن الشعوب لا تنسى، وثبت للجميع مصداقية طهران في برنامجها النووي.
وأما بالنسبة لأبعاد كلام نتنياهو، الذي حمل في طياته تصاريح نووية، عندما أوضح بأن "إسرائيل ستتحرك إذا حاول أحد استخدام الأراضي السورية لتهريب سلاح نوويّ إلى حزب الله"، لا يمكن حصر هذه الأبعاد بالإتفاق النووي، وتجدر الإشارة إلى التالي:
أولاً: بات نتنياهو اليوم مجبراً على أن يكون أكثر واقعية في التعاطي مع الملف النووي، لأن الصوت العالي لن يجد نفعاً، وبالتالي لا بد من فتح صفحة جديدة مع أمريكا تختص بالملف النووي بغية الحصول على إمتيازات أكبر عبر إختلاق بعض الأسباب لتقييد الإتفاق مع طهران. إن إستمرار نتنياهو بالتصويب على الإتفاق السيئ، من وجهة نظره، يعنى عدم قدرته على الخوض في تفاصيله مع واشنطن، وهذا ما تخشاه الحكومة الإسرائيلة برئاسته.
ثانياً: تأتي تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بعد سنوات من التهديد بتوجيه ضربة عسكرية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتي وجد فيهاالعديد من المحللين "قنابل فارغة". إن إقتدار الجمهورية الإسلامية الإيرانية حال دون جرأة نتنياهو، ومن خلفه أمريكا، على إجتياز الخطوط الحمراء مع إيران.
ثالثاً: إن غوغائية نتنياهو في التعاطي مع طهران بشكل عام، والملف النووي على وجه الخصوص، تهدف للترويج لسياسة "إيران فوبيا" في المنطقة والعالم. في الحقيقة، يسعى نتنياهو لإيجاد فجوة أكبر في العلاقة بين إيران وجيرانها العرب، بغية شرعنة كيانه. وللأسف هناك العديد من الدول العربية تعاونت مع الكيان الإسرائيلي في إطار الترويج لسياسة "إيران فوبيا".
رابعاً: تعرّض نتنياهو، في الآونة الاخيرة، لهجوم واسع من الصحافة الإسرائيلية جرّاء إضطراب العلاقة مع واشنطن، لذلك يحاول رئيس الوزراء من خلال الموقف الجديد إصلاح علاقته مع البيت الأبيض بغية تحسين صورته الداخلية التي بدت مهشّمة في الأسابيع الماضية.
خامساً: لا يمكن التغافل عن تطورات الموقف الروسي في الأزمة السورية، وبالتالي بعد الأخذ والرد الذي حصل مؤخراً إزاء هذا التدخل الذي أثار إمتعاض واشنطن وتل أبيب والعديد من الدول الغربية، وجد نتنياهو نفسه مضطراً للعودة إلى الفلك الأمريكي، بإعتبار أن التعاون بات اليوم أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى. في الواقع إنتهز رئيس الوزراء الإسرائيلي الفرصة لتحسين العلاقة مع واشنطن التي تريد تقويض الدب الروسي في سوريا. قد نشهد في الفترة المقبلة تقارب تركي-أمريكي-إسرائيلي لمواجهة القوات الروسية التي بدأت منذ يومها الاول بتوجيه ضربات قاسية لتنظيم داعش الإرهابي.
اذاً، لا يشير موقف نتنياهو إلى أي تغيّر إزاء الملف النووي الإيراني، إلا أنه يحاول الإلتفاف على سياساته السابقة بغية الضغط على واشنطن للدخول في تفاصيل الإتفاق ونسفه من الداخل بعد فشله في التأثير على الإتفاق عبر الهجوم والتهديد الإعلامي. بإختصار، يريد رئيس الوزراء الإسرائيلي تدمير الإتفاق بمؤازرة "شيطان التفاصيل"، فكما يقال في بلادنا أن الشيطان يكمن في التفاصيل.