الوقت- أثارت تصريحات رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خلال مؤتمر صحفي عقده مع مجموعة من الصحفيين الأجانب، جدلاً واسعاً على المستويين المحلي والدولي. فقد قال نتنياهو إن الكيان الإسرائيلي "لا يرغب في البقاء في غزة" وإن هدفه يتمثل في "تحرير القطاع من حركة حماس"، لكنه لم يقدم أي تفاصيل واضحة حول الجهة التي ستتولى إدارة غزة بعد الحرب أو الكيفية التي سيُعاد بها الأسرى. هذه التصريحات وُصفت من جانب منتقديه بأنها غامضة ومفتقرة إلى الحلول العملية، بينما اعتبرها باراك ساري، أحد أبرز المنتقدين لسياسات الحكومة الحالية والحرب على غزة، مجرد "خزعبلات" لا تحمل إجابات على الأسئلة الجوهرية.
في تصريحاته، أكد نتنياهو أن الحرب يمكن أن تنتهي سريعاً إذا ألقت حماس السلاح وأفرجت عن جميع الأسرى، مشيراً إلى أن خطته لما بعد الحرب تقوم على خمسة مبادئ أساسية، تشمل نزع سلاح القطاع، وإبقاء السيطرة الأمنية بيد الكيان الإسرائيلي، وإنشاء مناطق عازلة آمنة، وتشكيل إدارة مدنية لا تتبع حماس أو السلطة الفلسطينية، بالإضافة إلى منع ما وصفه بـ"تعزيز الإرهاب". كما شدد على أن الكيان الإسرائيلي سمح بإدخال أكثر من مليوني طن من المساعدات إلى غزة، نافياً استخدام التجويع كأداة حرب، ومتهماً حماس وبعض المنظمات الدولية بإعاقة توزيع المساعدات الإنسانية.
كما أعلن نتنياهو عن نيته السماح بدخول مزيد من الصحفيين الأجانب إلى غزة، لكنه لم يخفِ أن هذا الوصول سيكون تحت إشراف عسكري مباشر، ما دفع مراقبين إلى اعتبار الخطوة محاولة لتحسين الصورة أمام المجتمع الدولي، لكنها تبقى محدودة الأثر ما لم يُرفع الحظر الإعلامي المفروض منذ بداية الحرب. هذه النقطة تحديداً جاءت في سياق انتقادات دولية أوسع لسلوك الكيان الإسرائيلي تجاه الصحفيين، خاصة بعد مقتل عدد منهم، بينهم مراسل قناة الجزيرة أنس الشريف، في غارات جوية قرب مستشفى الشفاء، ما أثار دعوات لإجراء تحقيقات مستقلة ومحاسبة المسؤولين.
تزامناً مع ذلك، يواجه الكيان الإسرائيلي ضغوطاً سياسية واقتصادية متزايدة على الساحة الدولية. فقد قررت بعض الدول الأوروبية تعليق تصدير الأسلحة، كما انسحبت مؤسسات مالية وصناديق استثمار من السوق الإسرائيلية، فيما تزايدت الدعوات الأوروبية للاعتراف بالدولة الفلسطينية. في موازاة ذلك، تسربت تقارير عن خطط مثيرة للجدل تتعلق بإمكانية نقل سكان من غزة إلى دول أخرى، وهو ما نفته بعض الحكومات المعنية، لكنه أثار استياءً فلسطينياً واسعاً واعتُبر إعادة إنتاج لسيناريو النكبة.
الوضع الإنساني في غزة يزداد سوءاً يوماً بعد آخر، إذ تشير تقارير أممية إلى وفاة مئات المدنيين جراء الجوع، بينهم أطفال، في ظل انقطاع الكهرباء وشح المياه وتدهور الخدمات الصحية، فضلاً عن مخاطر انتشار الأمراض. وبينما تُحمّل منظمات الإغاثة الكيان الإسرائيلي المسؤولية عن تأخير المساعدات، تواصل الحكومة الإسرائيلية نفي الاتهامات، مؤكدة أنها وفرت ممرات آمنة وأرسلت شحنات إغاثية عبر الجو والبر، لكنها أقرت بوجود صعوبات في إيصال المساعدات إلى مستحقيها.
على الصعيد الداخلي، تكشف الخلافات بين نتنياهو وقيادة الجيش عن تباين في الرؤى بشأن إدارة الحرب ومآلاتها. فبينما يفضّل نتنياهو مقاربة أمنية مشددة تضمن بقاء السيطرة الميدانية للكيان الإسرائيلي، يرى بعض القادة العسكريين أن احتلالاً شاملاً لغزة قد يكون مكلفاً ويستنزف الموارد، ويفضلون حلاً مرحلياً يسمح بالسيطرة على أجزاء من القطاع فقط، مع إبقاء المدنيين في مناطق محصورة.
في الفضاء الإعلامي، يواصل الكيان الإسرائيلي تسويق روايته الرسمية عبر المنصات الدولية، في حين يسعى ناشطون وصحفيون مستقلون إلى تقديم روايات بديلة توثق حجم الكارثة الإنسانية على الأرض. وقد ساهمت وسائل الإعلام المستقلة، إلى جانب حملات التضامن الإلكتروني، في إبراز الفجوة بين الخطاب الرسمي والواقع الميداني، ما زاد من الضغوط على الحكومة الإسرائيلية أمام الرأي العام العالمي.
تصريحات نتنياهو الأخيرة يمكن قراءتها كمحاولة للموازنة بين رسائل موجهة للداخل، لتثبيت صورته كزعيم أمني حازم، ورسائل للخارج تهدف إلى تخفيف الانتقادات وتحسين صورة الكيان الإسرائيلي. غير أن غياب التفاصيل الدقيقة حول مستقبل غزة، وعدم وضوح آليات إعادة الإعمار أو ضمان وصول المساعدات وحرية العمل الصحفي، يجعل هذه التصريحات أقرب إلى المناورة السياسية منها إلى خطة عمل قابلة للتنفيذ. وفي ظل استمرار التصعيد العسكري وتدهور الأوضاع الإنسانية، تبقى الحاجة ملحة إلى خطوات عملية وشفافة، من شأنها أن تفتح الباب أمام تسوية عادلة تنهي دوامة الحرب وتضمن الحقوق الأساسية للفلسطينيين.