الوقت- بعد مضي شهر على اتفاق وقف إطلاق النار المؤقت بين برلمان طبرق وحكومة الوحدة الوطنية ، تم التوقيع أخيرا على اتفاق شامل لوقف إطلاق النار يوم أمس في مقر الأمم المتحدة بجنيف السويسرية بين الطرفين ، حيث أعرب ممثلو الجانبين المتنازعين في ليبيا عن تفاؤلهم بتنفيذ هذا الاتفاق ، لكن هناك عوامل داخلية وخارجية مختلفة تدخل في تطورات المستقبل في ليبيا بعد اتفاق وقف إطلاق النار الدائم.
عملية الاتفاق
وابتداءً من شهر سبتمبر ، بدأت المجموعات المعنية المتنازعة في ليبيا ، بوساطة دول مثل تونس والجزائر والمغرب ، مفاوضات في المغرب لإيجاد حلول سياسية للأزمة الليبية ، حيث تقول الدولة المغربية ، التي لعبت سابقًا دورًا رئيسيًا في اتفاقية الصخيرات لعام 2015 ، إن السبب الرئيس للأزمة الليبية هو عدم وجود حكومة مركزية قوية وموحدة ، لذلك ، وبدعوة من حكومة الوحدة الوطنية والبرلمان المستقر في الشرق ، طلب منهم الجلوس إلى طاولة المفاوضات للتوافق على 6 مواقف حاكمة حساسة من إجمالي 10 مواقف يتنافس عليها الطرفان.
وجرت الجولة الأولى من المحادثات في مدينة بوزنيقة المغربية، وخلال هذه الجولة من المحادثات، التي أدت إلى وقف مؤقت لإطلاق النار ، ناقش الجانبان خطة اقترحها رئيس البرلمان المقيم في الشرق عقيلة صالح ، ووفقاً لعقيلة صالح ، سيتم انتخاب رئيس جديد له نائبان لرئاسة الجمهورية ، وتنقسم ليبيا إلى ثلاث مناطق بدلاً من تسع ، ثم ينتخب رئيس الوزراء من منطقة لم ينتخب منها رئيس رئاسة الجمهورية.
مجالات الاتفاق
الامر الذي أدى إلى التقارب والاتفاق النهائي في جنيف حتى الآن ، يستند إلى ثلاثة عوامل مهمة: 1. إيمان تركيا العسكري الواضح بالتطورات الميدانية في ليبيا منذ أوائل عام 2020 ؛ هذا إضافة إلى بقية المجموعات التي تعمل بالوكالة في ليبيا ، مثل حفتر والتي كانت تنتظر التدخل الميداني للدول الداعمة لها ، وبالإضافة إلى مجموعة فاغنر ، التي كانت موجودة بالفعل في ليبيا ، تنشر روسيا نظام S300 حول ميناء رأس لانوف النفطي منذ شهر أغسطس لمواجهة الضربات الجوية التركية ، ومن جهة أخرى ، أعلنت مصر ، بدعم مالي من السعودية وموافقة برلمان القاهرة ، استعدادها للتدخل في ليبيا ، ما دفع فايز السراج لدعوة رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد لزيارة ليبيا ، وكانت الدعوة للتعاون في شؤون سد النهضة الإثيوبي ، الذي يمثل أهمية جيوسياسية للقاهرة ، وهكذا ، كان تدويل الأزمة الليبية وارتفاع تكاليف الدول المهتمة في ليبيا أحد المجالات الرئيسية التي قررت فيها هذه الدول في النهاية دفع الأطراف المتنازعة إلى الحلول السياسية.
2. والعامل الثاني هو إخفاق خليفة حفتر في تحقيق الأهداف المعلنة خلال الأشهر الثمانية الماضية ، حيث شكلت خسارة قاعدة الوطية الجوية الاستراتيجية جنوب غرب طرابلس هزيمة ثقيلة لحفتر ، وعلى الرغم من وعوده ، لم يتمكن حفتر من استعادة القاعدة الجوية ، ثم طردت قواته من مدينة ترهونة الاستراتيجية ، كما أثارت الهزائم العسكرية المتتالية لحفتر الخلافات بين عقيلة صالح رئيسة برلمان طبرق وحفتر ، حيث تعتقد عقيلة صالح أن حفتر أطال الحرب وقتل أشخاصًا في العامين الماضيين دون تحقيق الأهداف المعلنة.
3- وفي النهاية ، كان العامل الرئيس الثالث هو الصراع في المناطق الرئيسية الغنية بالنفط في ليبيا والضربة الشديدة للاقتصاد الليبي التي أدت إلى احتجاجات شعبية في ليبيا في شهر سبتمبر الماضي ، وامتدت المظاهرات ، التي كانت في البداية ضد حكومة الوحدة الوطنية بسبب نقص سبل العيش والخدمات ، إلى بنغازي وشرق ليبيا بعد أيام قليلة ، ما أدى إلى عقد جلسة عاجلة لمجلس النواب في طبرق.
آفاق ليبيا المستقبلية بعد اتفاق السلام
قبل الاتفاق النهائي في جنيف ، تمكنت الوفود المشاركة من الاتفاق على 7 وظائف من أصل 10 وظائف رئيسية ، وتشمل هذه المناصب رئيس البنك المركزي وديوان المحاسبات ورئيس ديوان الرقابة الإدارية ورئيس وأعضاء المفوضية العليا للانتخابات ورئيس لجنة مكافحة الفساد ورئيس المحكمة العليا والنائب العام ، هذا وسبق أن اتفق الجانبان على أن يكون مقر ديوان المحاسبة في العاصمة (طرابلس) ولجنة مكافحة الفساد في مدينة سهبا (في الجنوب) ومكتب الرقابة الإدارية في بنغازي (شرق) ليبيا ، وفي غضون ذلك ، اتفقت الجهات الدولية الفاعلة في مؤتمر عبر الفيديو كونفرانس في برلين منتصف شهر أكتوبر / تشرين الأول على الامتناع عن إرسال أسلحة ومعدات عسكرية إلى الأطراف المتورطة في النزاع في ليبيا.
كما ان النقاط الرئيسية للاتفاق النهائي هي عبارة عن: انسحاب القوات الأجنبية من ليبيا ، وتشكيل لجنة عسكرية مشتركة ، وإعادة فتح جميع الطرق في ليبيا ، وتبادل الأسرى ، وبحسب ستيفاني ويليامز ، المبعوثة الخاصة للأمم المتحدة إلى ليبيا ، فقد تم استئناف الرحلات الجوية بين طرابلس وبنغازي اليوم ، وفيما يتعلق بالاتفاق الجديد ، قالت: "طالب الجانبان برفع الاتفاق إلى مجلس الأمن من أجل إصدار قرار ملزم تلتزم بموجبه جميع الأطراف بوقف دائم لإطلاق النار".
والامر الذي يجعل احتمالية التوصل إلى اتفاق أخير إيجابيا بالنسبة لليبيا هو أن دور حفتر في مستقبل ليبيا يتضاءل وأنه يكاد يُستبعد من معادلات ليبيا المستقبلية ، لكن هناك العديد من التحديات لمستقبل هذه الاتفاقية ومنها ؛ 1. يجب أن تغادر القوات الأجنبية ليبيا في غضون الأشهر الثلاثة المقبلة ، وحتى الآن ، أعربت تركيا عن شكوكها بشأن انسحاب مجموعة فاجنر الروسية من ليبيا ، لذلك إذا لم تغادر إحدى القوات الأجنبية ليبيا ، فستبقى الأرض والعذر للدول الأخرى للبقاء ، وهذا في حين تتعارض مصالح فرنسا وروسيا والسعودية والإمارات ومصر ، التي دعمت الحكومة الشرقية حتى الآن ، مع مصالح دول مثل تركيا وقطر وغيرهما من الدول المجاورة الليبية ، والتي تشمل بالإضافة إلى البعد الاقتصادي خلافات أيديولوجية مثل جماعة الإخوان الليبية.
2- والموضوع الثاني والأساسي من حيث الجذور الاقتصادية هو نهج حكومة الوحدة الوطنية وموافقتها على الاتفاق ، فحتى الآن ، أدركت النخب السياسية والعسكرية في ليبيا أن الحل العسكري بعد اتفاق وقف إطلاق النار لعام 2015 قد فشل في خدمة مصالح الجماعات المعنية ، حيث بدأت الأزمة الاقتصادية الجديدة بتعطيل صادرات النفط الليبية من حقلي النفط الحساسين في سرت والجفرة ، مما أدى إلى احتجاجات معيشية في جميع أنحاء ليبيا ، ومن ناحية أخرى ، سبق لروسيا أن نشرت منشآت عسكرية في الجفرة ، ما أدى إلى تضافر جهود تركيا للسيطرة على منطقة سرت ، لذلك لا يزال هناك الكثير من الضمانات بأنه بعد مرور بعض الوقت على ضخ عائدات النفط في الاقتصاد الليبي ، فإن جشع الحكومات الأجنبية لثروة ليبيا من ناحية وإيجارات النفط المقسمة بين الجماعات المتورطة النزاع في ليبيا لن تبدأ توترات جديدة.