الوقت- عندما زار الرئيس الأمريكي رونالد ريغان البابا يوحنا بولس الثاني في الفاتيكان عام 1982، وجد الزعيمان السياسيان والدينيان البارزان في العالم على وجه السرعة قضية مشتركة في معارضة عدو مشترك وهو: الشيوعية، الأمر الذي يبدو أن البيت الأبيض يسعى إليه هذه المرة من أجل تشكيل تحالف مقدس ضد الصين ، حيث كان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في روما يوم الثلاثاء الماضي لمنع تمديد اتفاقية الصين والفاتيكان بين إدارة ترامب والصين التي تتهمها أمريكا بإساءة معاملة الأقليات الدينية بما في ذلك الإيغور، واتخذت أمريكا مؤخراً موقفاً ضد تمديد الاتفاقية الثنائية مع بكين حول تعيين أسقف الكاثوليك.
في العقود الأخيرة، تم تقسيم الكنيسة في الصين إلى قسمين، سرية وهي تحت إشراف روما مباشرة، والجمعية الوطنية الكاثوليكية في الصين (CPCA)، وفي سبتمبر 2018، تم التوصل إلى اتفاق بين بكين والفاتيكان لتوحيد الكنيسة السرية والـ CPCA.
ولم يتم الإعلان عن تفاصيل الاتفاقية، التي من المقرر تمديدها بحلول 22 أكتوبر، لكن وسائل الإعلام نقلت عن مسؤولين بالفاتيكان قولهم إن الاتفاقية قد تستند أيضاً إلى مسودة اتفاق مع فيتنام تدرج بموجبه هانوي "عاصمة فيتنام" الأساقفة المعتمدين، ويكون للبابا القول الفصل في اختيارهم.
ودعا بومبيو، الأسبوع الماضي، كاتدرائية روما إلى عدم تجديد الاتفاقية، قائلاً إن الاتفاقية لا تحمي الأقليات الكاثوليكية أو الأقليات الدينية الأخرى من اضطهاد الحزب الشيوعي الصيني. وحذر بومبيو في تغريدة واضحة على تويتر أن "الفاتيكان يعرّض سلطته الأخلاقية للخطر في حال تم تمديد العقد".
ويعتقد البيت الأبيض ومنتقدو الاتفاقية الآخرون بأن الاتفاقية لم تفعل شيئاً لتحسين وضع الكاثوليك أو الأقليات الدينية الأخرى وتعطي "النظام القمعي" الشرعية والسلطة الأخلاقية، ومع ذلك، فإن وزير خارجية الفاتيكان بيترو بارولين والمسودة الرئيسة لهذه الاتفاقية تضمن الحرية الدينية للمسيحيين في الصين.
ويقول مؤيدو هذه الاتفاقية أن المفاوضات مع الصين خلال هذين السنتين أثمرت إيجاباً، ومنها الاعتراف بسلطة البابا والجمعية الوطنية الكاثوليكية في الصين من قبل الحزب الشيوعي، كما يستدل مؤيدو الاتفاقية بأن الاعتراف بالكنيسة بعد الاتفاق قد يؤدي إلى ظروف أفضل للكاثوليك على المدى الطويل.
ويعتقد الأب لورنزو بيرتسي، محرر مجلة كاثوليكية وخبير في الفاتيكان في العلاقات الدولية، أن بكين، باتفاقية الفاتيكان، ترسل رسالة إلى الأقليات الدينية مفادها أن الدين يمكن أن يوجد تحت سيطرة الحكومة الصينية، ويقول بيرتسي أيضاً إنه في خضم التوترات المتزايدة بين دول الجوار مع الصين، وتوترات بكين المتزايدة مع الاتحاد الأوروبي، وقرار إدارة ترامب ببدء "حرب باردة" جديدة مع الصين، فإن الاتفاقية مهمة لأنه "عندما ترى بكين هذا الكم الكبير من "الصين فوبيا" في الغرب، فإن وجود قناة اتصال مع الفاتيكان، باعتبارها أقدم سلطة في الغرب، سيكون خبراً ساراً لهم".
لقد تم سجن ما يقدر بمليون مسلم من الأيغور وأعيد تدريبهم، وفقاً لتقرير وزارة الخارجية السنوي لعام 2019 حول الحرية الدينية في الصين، والذي تعتبره بكين كاذباً وجزءاً من حملة ضدها، كما تم التضييق على المسيحيين وتدمير الكنائس، وتم منع القساوسة الكاثوليكيون الذين يعارضون السجن أو التعذيب، من ممارسة وظيفتهم الدينية او يتم تغييبهم.
وإضافة إلى المسؤولين الأمريكيين ، انتقدت بعض الشخصيات السياسية الغربية الأخرى والمؤسسات الثقافية والسياسية هذه الاتفاقية. ووصف كريس باتون ، آخر حاكم بريطاني في هونغ كونغ ومستشار الفاتيكان ، الاتفاقية بأنها تعاون مع الديكتاتوريين وأنها شوهت مصداقية الكنيسة الكاثوليكية. وقال باتون إنه يخشى أن يكون الفاتيكان قد توصل إلى اتفاق مع الحزب الشيوعي الصيني في أسوأ الظروف الممكنة.
الكنيسة الكاثوليكية الأمريكية حصان طروادة ضد الصين
مع تصاعد التنافس بين الصين وأمريكا في عهد ترامب، والذي يرى الكثيرون أنه يذكرنا بسنوات الحرب الباردة بين الغرب والشرق في منتصف القرن العشرين، لم تدّخر واشنطن أي وسيلة للضغط على بكين، ومع تزايد الإجراءات المعادية للأقليات الدينية واحتجاجات السود الواسعة على مدى شهور ضد العنصرية المتكرسة في أمريكا، لكن المسؤولين في واشنطن ركزوا على انتقاد وضع حقوق الإنسان، وخاصة الحرية الدينية في الصين.
في يوليو الماضي، فُرضت عقوبات على عدد من كبار المسؤولين الصينيين بتهمة القمع الديني. كما اتهم نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس الصين بقمع المسيحية في اجتماع "دعم الحرية الدينية" في يونيو 2019، قائلاً: "في الواقع، نحن في الصين نشهد أسرع تطور للمسيحية خلال 2000 عام من تاريخ البشرية"، واستشهد أيضًا ببيانات قائلاً: "قبل 70 عاماً، في الأيام الأولى للحزب الشيوعي الصيني ، كان هناك 500 ألف مسيحي فقط في الصين ، ولكن اليوم ، بعد جيلين فقط، وصل عدد المسيحيين إلى 130 مليونًا.
يجب أن يُنظر إلى رحلة بومبيو الآن على أنها خطوة في اتجاه الحفاظ على هذه الضغوط ، لأنه إذا تمكنت الصين والفاتيكان من التوصل إلى اتفاق لحل مشاكل المسيحيين في الصين ، فإن هذه الاتفاقية ستلغي فعلياً طبيعة سياسة المسؤولين الأمريكيين تجاه المسيحية، ومن المهم للبيت الأبيض انتقاد الكنيسة الكاثوليكية للصين ، لأنه قد يكون تذكيراً بتحالف واشنطن وبكين ضد الاتحاد السوفيتي الشيوعي.
واشتهر البابا يوحنا بولس الثاني بدوره في انهيار الشيوعية في أوروبا الشرقية، ودعم قادة الحركة الاحتجاجية في بولندا وأصبح زعيمهم الأخلاقي. لكن خليفته، البابا بنديكتوس السادس عشر، قال إنه مستعدّ للتحدث مع المسؤولين الصينيين ودعا إلى الوحدة في الكنيسة.
منذ انتخاب البابا فرانسيس في عام 2013، والتي كانت قبل ساعات قليلة من تولي شي جينغ بينغ الرئاسة في الصين، واصل العمل كرئيس للفاتيكان للتوصل إلى اتفاق مع الصين، وبالنظر إلى أن الصفقة كانت قيد المناقشة منذ عقود، فمن غير المرجّح أن يكون لزيارة بومبيو تأثير سلبي عليها - وخاصة أن البابا فرانسيس رفض اللقاء بوزير الخارجية ، في إشارة إلى اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني.