الوقت- باتت كثيرة هي الدول و ليست إيران لوحدها من تنتقد السياسات الامريكية، وسياسة الإحتلال الإسرائيلية للأراضي الفلسطينية، خلال اجتماعات الجمعية العامة التي تعقد سنويا في مقر الامم المتحدة في نيويورك. وفي هذا العام، كما الأعوام الماضية، واجهت سياسة الإحتلال الإسرائيلي، والهيمنة الأمريكية، موجة واسعة من الإنتقادات من قبل العديد من القادة وزعماء العالم. لكن كما تعودنا دائماً، أيضا في هذه المرة، خشي الزعماء العرب من توجيه أي إنتقادات حادة لأمريكا والكيان الإسرائیلي، ونسو فلسطين بالكامل فی خطاباتهم، ما عدی الخطابات التي سئمناها ومللناها كثيرا حول ضرورة السلام مع الكيان الإسرائيلي. لكن في المقابل، دافع الكثير من زعماء العالم، عن القضية الفلسطينة وإنتقدوا السياسة الأمريكية والإسرائيلية بكل شجاعة، وكانت رئیسة الأرجنتين «كريستينا فرنانديز»، أحد هؤلاء الزعماء الشجعان، فما هذا الخنوع من قبل الزعماء العرب في معاملتهم تجاه أمريكا والكيان الإسرائيلي!؟.
رئيسة الارجنتين «كريستينا فرنانديز دي كيرشنر» استطاعت وكما عودتنا دائما، أن تنتقد سياسة الدول الغربية والكيان الإسرائيلي خلال كلمتها التي القتها قبل أيام أمام الجمعية العامة في الإمم المتحدة، في ما خفق العديد من الزعماء العرب والمسلمين، في انتقاد واشنطن وتل أبيب علی الانتهاكات القانونية التي تصدر عنهما تجاه الدول العربية وفلسطين بشكل خاص، وتجاه العالم بأسره بشكل عام. حيث لم تقتصر إنتقادات فرنانديز، لامريكا والغرب والكيان الإسرائيلي خلال هذه الكلمة، في دائرة ضیقة، بل انتقدت النفاق السياسي الغربي والأمريكي برمته، بدءً من إدعاءاتهم في ما يخص محاربة الإرهاب، مروراً بالحرب علی غزة، وصولا الی تعاملهم غير النزيه تجاه إيران وسوريا.
وقالت الرئيسة الأرجنتينية في جانب من كلمتها أمام الجمعية العامة: «اجتمعنا منذ عام وكنتم تعتبرون نظام الأسد إرهابيًا، وكنتم تدعمون المعارضة الذين كنا نعتبرهم ثوار، والیوم نجتمع للجم الثوار الذين تبين فيما بعد إنهم إرهابيون، تم ادراج حزب الله في وقت سابق ضمن قائمة الإرهاب وتبين فيما بعد أنه حزب كبير ومعترف به في لبنان، اتهمتم إيران على خلفية الانفجار الذي طال السفارة الإسرائيلية في بوينس آيرس عام 1994 ولم تثبت التحقيقات من قبلنا تورط ايران بهذا الانفجار، اتضح من خلال القصف على غزه فداحة الكارثة التي ارتكبتهااسرائیل و موت العديد من الضحایا الفلسطينيين بينما اهتممتم بالصواريخ التي سقطت علىاسرائیل والتي لم تؤثر أو تحدث خسائر في اسرائيل».
وفي نفس السياق، انتقدت رئيسة البرازيل «ديلما روسيف» في كلمتها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، عدم قيام الدولة الفلسطينية وإستمرار إحتلال الأراضي الفلسطينية من قبل الكيان الإسرائيلي، وبناء المزيد من المستوطنات في الضفة الغربية. وفي ما تهرّبت أمريكا والكثير من الدول الأوروبية عن مهامها في مساعدة اللاجئين السوريين، فقد أعلنت رئيسة البرازيل عن ترحيبها باللاجئين السوريين، ضيوفا يحلّون علی بلادها، لا يسعنا إلاّ أن نشكرها علی هذه المشاعر الإنسانية التي لا يتمتع بها الزعماء الأوروبيين. كما طالب رئيس كازاخستان خلال القاء كلمته أمام الجمعية العامة في الامم المتحدة أن يتم نقل مقر هذه المنظمة الی أحد الدول الآسيوية بدل بقائها في نيويورك.
اسمحوا لنا هنا أن نوجّه إنتقاداً للدول العربية، خاصة الاردن ومصر والسعودية، التي خلت كلماتها من أي انتقادات صريحة وواضحة تجاه الكيان الإسرائيلي، في إجتماع الجمعية العامة الأخير في نيويورك، تجاه ما يفعله ضد الفلسطينيين والمقدسات الإسلامية في فلسطين، خاصة تجاه القدس والمسجد الاقصی المبارك. وبالطبع من استمع الی كلمة «عبدالفتاح السيسي» التي القاها أمام الجمعية العامة في الامم المتحدة، يجد أن سيادته لم يتطرق الی الكيان الإسرائيلي علی الاطلاق، وأن كلمة «إسرائيل» لم ترد في خطاب السيسي حتی لمرة واحدة!. عجيب هذا الصمت إزاء جرائم الإحتلال الإسرائيلي من قبل الزعماء العرب، مع جميع تحفظاتنا علی كلمة "زعيم". ولا نعرف كيف تستطيع الشعوب العربية أن تستوعب هذا التخاذل من قبل قياداتها تجاه فلسطين، في حال أننا شهدنا خلال عقد إجتماع الجمعية العامة في دورتها الأخيرة في نيويورك، كيف دافعت رئيسة الارجنتين وزعماء آخرين، بكل شراسة وشجاعة عن القضية الفلسطينية، وكيف انتقدوا جرائم الاحتلال ضد الفلسطينيين.
حيث كل ما طالب به الرئيس المصري إزاء القضية الفلسطينية في نيويورك، ليس إلاّ تكرار «الاستجداء العربي» المتمثل في التاكيد علی تسوية القضية الفلسطينية من خلال قبول إسرائيل بـ «إقامة دولة (فلسطين) المستقلة على حدود الرابع من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية». وما أثار استقرابنا في كلمة السيسي، أكثر من عدم تذكيره بالجرائم الإسرائيلية، هو انتقاده المبطن لمقاومة الشعب الفلسطيني والشعوب الاخری التي تتصدي لسياسة الإحتلال في المنطقة، حيث اعتبر القضية الفلسطينية، أنها المبرر الرئيسي الی ما وصفه بالتطرف والإرهاب في المنطقة، حين قال: «إحدى أخطر الذرائع التى يتم الاستناد الیها لتبرير أعمال التطرف والإرهاب» هي القضية الفلسطينية ومقاومة الشعب الفلسطيني! هذا كلام في غاية العجب. وأما عن صمت سائر الدول العربية الاخری وتماشيها مع جرائم الكيان الإسرائيلي ونسيانها التام للقضية الفلسطينية في خطابات زعمائها أمام الجمعية العامة، فحدث ولا حرج.
إذن علی الشعوب العربية أن تسأل قياداتها إن كانت تمثلها هذه القيادات حقا، عن سبب خلو كلماتها من ذكر انتقادات صريحة للكيان الإسرائيلي، أمام إجتماع الجمعية العامة الاخير في نيويورك، في الوقت الذي وجهت فيه رئيسة الأرجنتين «كريستينا فرنانديز» إنتقادات صارمة لكیان الإحتلال و واشنطن، بسبب إنتهاكاتهما لحقوق الشعب الفلسطيني.