يبدو أن الكاظمي أدرك الآن أن بقاءه في منصب رئيس الوزراء يتطلب تشكيل حزب ليدعم نفسه. وإذا استطاع الحزب الذي يدرس الكاظمي تأسيسه حاليًأ ، الحصول على أكبر عدد من الأصوات من بين الأحزاب الأخرى ، فمن الممكن ضمان استمرار أو إعادة انتخاب الكاظمي رئيسا للوزراء.
الوقت-منذ نيسان 2020 ، كان اسم مصطفى الكاظمي بلا شك في طليعة الشخصيات والقادة السياسيين في الساحة السياسية العراقية. وربما عندما كلف الرئيس العراقي برهم صالح رسميًا مصطفى الكاظمي ، الصحفي ورئيس المخابرات والأمن العراقي في 9 نيسان 2020 ، لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة ، كان من الصعب تصديق أن الأحزاب السياسية العراقية سترحب به بشكل غير مسبوق.
لكن وسط عدم تصديق المراقبين، نال الكاظمي في 6 أيار 2020 ثقة مجلس النواب العراقي ، ثم نال جميع أعضاء كابينته الوزارية ثقة مجلس النواب. وبصفته سياسي كلاسيكي، استطاع مصطفى الكاظمي إدارة العملية السياسية إلى حد كبير ونجح إلى حد ما في تحقيق توازن بين المطالب العامة والتيارات السياسية.
في غضون ذلك ، أعلن الكاظمي في خطاب متلفز في 31 تموز 2020 ، أن انتخابات نيابية مبكرة ستجرى في 6 حزيران 2021 ، لكن الآن تقول الأنباء من داخل البرلمان العراقي أن بعض نواب مختلف الاحزاب العراقية يسعون إلى مبادرة عملية لإنشاء حزب سياسي برئاسة الكاظمي. بالطبع ، يبدو أن الكاظمي راضٍ إلى حد كبير عن هذه المبادرة، لكن السؤال الرئيس الآن هو ما هي أهدافه ودوافعه لتشكيل حزب سياسي جديد في العراق؟ وللإجابة على هذا السؤال الرئيس، يمكن تقديم محورين أساسيين.
الكاظمي وإدراكه لضرورة تأسيس حزب جديد في العراق
يُصنف مصطفى الكاظمي الى حد كبير، على أنه زعيم سياسي متجاوز للأحزاب في المجتمع العراقي، وذلك بسبب آلية وصوله الى رئاسة الوزراء إضافة الى أدائه خلال الأشهر الماضية في منصبه. وبعبارة أخرى ، إن الضرورة السياسية هي وحدها التي جاءت بالكاظمي الى رأس السلطة في العراق، وليس دعم حزب سياسي معين.
وفقا لقواعد المعيار الدولي في الدول ذات الأنظمة البرلمانية ، فإن اختيار شخص واحد من بين أعضاء الحزب الفائز أمر مؤكد لتولي رئاسة الوزراء ، لكن المتطلبات السياسية الخاصة بالعراق أجبرت الأحزاب على ترشيح شخصية مستقلة لرئاسة مجلس الوزراء. وعلى هذا الأساس ، يمكن تقييم أسس صعود الكاظمي إلى السلطة على أنها متزعزعة وهشة ، ويمكن أن تتغير في أي لحظة.
مع الحد الأدنى من المعرفة السياسية بالحكم في العراق ، يمكن للمرء أن يفهم القاعدة الأساسية التي تقول إن الأحزاب والتيارات السياسية تلعب دوراً لا بديل له في عملية التغيير السياسي. ويبدو أن الكاظمي أدرك الآن أن بقاءه في منصب رئيس الوزراء يتطلب تشكيل حزب ليدعم نفسه.
إذا استطاع الحزب الذي يدرس الكاظمي تأسيسه حالياً، الحصول على أكبر عدد من الأصوات من بين الأحزاب الأخرى ، فمن الممكن ضمان استمرار أو إعادة انتخاب الكاظمي رئيسا للوزراء. وإذا فشل حزب الكاظمي في الفوز بأكبر عدد من الأصوات من بين الأحزاب المشاركة ، كما كان الحال مع حيدر العبادي في مرحلة ما ، فسيواجه طريقًا صعبًا لقيادة الحكومة الجديدة.
فهم خطاب الليبرالية الجديدة في العراق
يمكن تقييم الدافع الآخر لمصطفى الكاظمي في تشكيل حزب سياسي جديد في العراق، هو فيما يتعلق بفهمه للتطورات الجديدة في ظل الوقت الراهن في السياق السياسي للمجتمع. وعلى مدار العقود الماضية ، كانت هناك علاقات قبلية تقليدية دفعت بالنظام الاجتماعي العراقي إلى الأمام.
في الواقع ، لطالما كانت الأحزاب والتيارات السياسية العراقية مبنية على الانتماءات العرقية والدينية والقبلية ، لكن هذا الاتجاه تغير بشكل كبير في ظل الوضع الجديد للمجتمع العراقي. وفي التركيبة الجديدة للمجتمع العراقي ، نشهد ظهور جيل جديد خضع لتعليم أكاديمي يعرف نسبياً حالة المجتمعات الجديدة والحديثة من خلال التخلي عن البنية التقليدية للمجتمع.
هؤلاء الناس ، الذين غالبًا ما يكونون جزءًا من جيل الشباب الذين يبحثون عن عمل وعن مصدر دخل ، يريدون حياة اجتماعية وسياسية جديدة ؛ وهذا يعني أن تياراً سياسياً جديداً يمكن أن يمثل مطالب الجيل الجديد.
ووفق هذه القاعدة ، يبدو أن الكاظمي مدرك لمطالب المواطنين العراقيين الشباب ويسعى إلى تشكيل حزبه الجديد بكونه تيار سياسي قيادي يتضمن مبادئ مثل الاستقلال الوطني ومحاربة الفساد وتوظيف الشباب والجدارة ويعزز الاستقرار السياسي والانتعاش الاقتصادي.
على الرغم من أن العديد من التيارات السياسية العراقية الأخرى قد تبنت مطالب مماثلة في الماضي ، إلا أن الكاظمي أمامه أشهر قليلة قبل الانتخابات لإظهار البراغماتية للشعب العراقي. لكن اللافت للنظر أن الكاظمي ينوي تجاوز الحدود العرقية والدينية في تأسيس حزب محتمل تحت قيادته.
وهذا يعني أن حزبه لن يمتلك أسس عرقية ودينية واضحة، وأن السنة والأكراد والتركمان قد يشاركون بفاعلية في هيكل قيادته وعضويته. ويمكن رؤية دليل واضح لهذا الدافع خلال زيارته الأخيرة لإقليم كردستان ، حيث ظهر الكاظمي في خطوة رمزية، بين مواطني محافظات دهوك وأربيل والسليمانية الثلاث ، الأمر الذي رآه العديد من المراقبين السياسيين، أنه مناورة وحملة انتخابية.