الوقت- أعلنت دولة الإمارات قبل عدة أسابيع عن تطبيع رسمي لعلاقاتها التي تطورت على مدى أعوام خلف الستار مع دولة الاحتلال الإسرائيلية وأكدت العاصمة الإماراتية أبو ظبي عن عزمها توقيع العديد من اتفاقيات تعاون في مجالات عدة مع تل أبيب وحول هذا السياق، كشفت العديد من المصادر الاخبارية عن هبوط أول رحلة تجارية بين إسرائيل والإمارات يوم الاثنين الماضي كانت انطلقت مطار "بن غوريون" بالقرب من تل أبيب وعلى متنها وفد إسرائيلي أميركي يترأسه صهر الرئيس الأمريكي ومستشاره "جاريد كوشنر"، بعد نحو أسبوعين من الاعلان عن اتفاق تطبيع العلاقات. وبحسب مواقع تحديد مسارات الطائرات، عبرت الطائرة أجواء السعودية التي تقول انّها ترفض تطبيع العلاقات مع إسرائيل قبل التوصل إلى سلام مع الفلسطينيين، في أول رحلة معلنة لشركة طيران إسرائيلية تسافر في سماء المملكة. لكنّها تفادت أجواء البحرين وقطر. لقد شهدت الأعوام الأخيرة بشكل خاص ما هو أشبه بالسباق بين بعض الدول الخليجية، وفي مقدمتها الإمارات، من أجل تطبيع علاقاتها بطرق رسمية وعلنية مع إسرائيل التي تحكمها سلطة يمينية هي الأعنف في تاريخها. الجدير بالذكر أنه لم يكد الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" ينهي إعلانه عن اتفاق الإمارات وإسرائيل على التطبيع وإقامة علاقات دبلوماسية كاملة بينهما حتى تصدر وسم "التطبيع خيانة" مواقع التواصل الاجتماعي وانتشرت العديد من الإدانات بين أبناء الشعب الإماراتي لهذا التطبيع.
وفي محاولة لذرِّ الرماد في العيون؛ خرج وزير الخارجية الإماراتي "عبد الله بن زايد" محاولاً التخفيف من أثر الصدمة على المجتمع الإماراتي، ليؤكد أن موقف دويلته "ثابت" من القضية الفلسطينية وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية وأن الإمارات مُلتزمة بمبادرة السلام العربية التي تهدف إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وتكثيف الجهود الدولية والإقليمية لتحقيق سلام شامل وعادل ودائم في الشرق الأوسط وفق المعايير الدولية وقرارات الشرعية ومبادرة السلام العربية ومبادئ مدريد. ما كان عيال زايد يُقدمون على هذا "الاعتذار" المُبطّن لولا أنّهم وجدوا أنفسهم قد تورّطوا في ذلك الاتفاق، ولم يعد بمقدورهم المُتابعة به أو التنازل عنه، حيث بات واضحاً أنّ "محمد بن زايد" ولي عهد أبو ظبي وبإعلانه اتفاق التطبيع مع الكيان الإسرائيلي انقلب على مبادئ الدستور الإماراتي لما به من تهميشٍ لجميع حكام الدولة وفئاته المختلفة. وأكثر من ذلك؛ يبدو الانقسام الإماراتي واضحاً من خلال عدم تأييد حُكّام الشارقة، عجمان، رأس الخيمة، أم القيوين والفجيرة لهذا الاتفاق، كما أنّهم لم يصدروا أي بيانٍ يؤيدون فيه اتفاق التطبيع، كما خرج بعض أبناء تلك المشيخات ليؤكدوا أنهم مع الحق الفلسطيني والمُقاومة الفلسطينية، حيث خرجت ابنة حاكم الشارقة لتؤكد أنّها "فلسطينية" كردٍ على اتفاق التطبيع الاستسلامي.
إدانات إماراتية لاتفاقية العار
برز العديد من المغردين الإماراتيين الذين يعارضون توجه حكومة بلادهم، مؤكدين وقوفهم إلى جانب القضية الفلسطينية، وأن حكومة أبو ظبي لا تمثل توجه الإماراتيين. حيث علّق الناشط الإماراتي "جاسم راشد الشامسي"، بتغريدة على تويتر قائلاً: "مواطن إماراتي أنا.. وباسم شعب الإمارات المختطف العروبي المسلم، نرفض رفضا باتا قاطعا أبديا التطبيع مع العدو الصهيوني، وأقول لخائن حقوق الشعب والأمة الإسلامية محمد بن زايد: لا نعترف بمعاهداتك، بل لن نعترف بك رئيسا مستقبليا للإمارات". وأما "أحمد بن راشد بن سعيد"، فعلّق قائلاً: "الأقبح من الخيانة تبريرها، والمنفِّذ كالآمر، والعار يقول: هل من مزيد؟".
ومن جانبه، غرّد "حميد النعيمي" أيضاً: "كإماراتي أقول: عندما كنا (صغارا) وكانوا يعلموننا أن (تحرير القدس أشرف قضية)، ودارت الأيام وبعد سنين من السرية قالوها في العلن أننا (كبوابة للتطبيع مع الصهاينة نكون سطرنا أشرف المواقف التاريخية)، (القضية لم تتغير) لكن هوانا كان (فلسطينياً أو قل كان إسلاميا وأصبح إسرائيلياً)". وكتب في تغريدةٍ أخرى: "مازلنا نستقي خيبات الأمل من قبل سياسة #محمد_بن_زايد ألم تكفِنا دعوات المقهورين والمظلومين ممن وصلتهم المؤامرات حتى نجني الدعوات ممن احتل #الصهاينة أرضهم وقتلهم وشرّدهم ومن جميع كارهي وناقمي العدو الصهيوني المجرم".
ورداً على تغريدة "محمد بن زايد" التي نشرها يتحدث فيها عن الاتفاق مع الكيان الصهيوني، علّق الناشط الإماراتي "إبراهيم آل حرم": "لا تمثل شعب الإمارات.. شعب الإمارات مع الشعوب العربية والمسلمة ضد التطبيع مع الكيان الصهيوني، ومزبلة التاريخ تتسع لجميع الخونة مهما كانت أسماؤهم وأسماء عوائلهم". وقال في تغريدةٍ أخرى: "رغم أن الإمارات وطني، ولكن حكومتها على رأسهم محمد بن زايد لا تمثلني ولا تمثل كل حر وشريف يعيش على هذه الأرض، ومع هذا فهي دولة لا تملك ثقلا جغرافيا وسياسيا وديموغرافيا، وكل ما تملكه الحكومة هي أموال الشعب التي تنفقه على سفاهات تظن أنها ستصنع لها ثقلا بمثل هذه الخيانات لقضايا الأمة". وعلّقت الناشطة فاطمة الشامسي: "الاتفاق الإماراتي مع الكيان الصهيوني يسيء لنا كإماراتيين، ولا يمكن أن نقبل به".
أما الإماراتي "محمد بن صقر" فوصف يوم الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي بـ"الأسود"، وقال: "هذا يوم أسود وحزين في تاريخ شعب #الإمارات الذي وقف مدافعاً بشرف طوال حياته ومن قبل تأسيس الدولة عن حق إخوانه في #فلسطين وحق أمته في #الأقصى، الاتفاق بين #محمد_بن_زايد و #نتنياهو جريمة ولا يمثل أبناء #الإمارات الشرفاء". ومن جانبه علّق "طلال الرشود"، عبر تويتر، وقال: "في هذا اليوم المؤلم لا يسعنا إلا أن نستذكر الماضي المشرف، كان الإماراتيون سباقين لمساندة ثورة فلسطين بالثلاثينيات، ولعل أبرز مثال على ذلك حملة التبرعات التي نظمها الأديب مبارك الناخي بأواخر 1937 بدعم من حاكم الشارقة سلطان القاسمي، والتي جمعت 800 روبية وغطتها جريدة "الشباب" القاهرية".
اعتقالات سرية في الإمارات على خلفية معارضة اتفاق عار التطبيع مع إسرائيل
كشفت العديد من المصادر الحقوقية عن قيام النظام الإماراتي باعتقالات سرية خلال الأيام الماضية على خلفية معارضة اتفاق عار التطبيع بين أبوظبي وإسرائيل. وذكرت المصادر، أن الاعتقالات طالت مواطنين إماراتيين تحدثوا في مجالس خاصة وشاركوا على مواقع التواصل الاجتماعي مواقف ضد اتفاق عار التطبيع. وأضافت المصادر أن الاعتقالات استهدفت كذلك العشرات من العرب لاسيما فلسطينيين وأردنيين بعد أن عبروا عن استيائهم من تورط أبوظبي في مؤامرة تصفية القضية الفلسطينية والتطبيع مع إسرائيل. ووفقاً لتلك المصادر فإن جهاز أمن الدولة استنفر خلاياه الأمنية منذ إعلان اتفاق عار التطبيع مع إسرائيل بغرض رصد أي محاولة انتقاد داخل الإمارات سواء في المجالس الخاصة أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي بغرض قمعها فورا وفرض حالة من الإرهاب المسبق لمنع أي احتجاجات.
ويأتي ذلك فيما أكدت شخصيات إماراتية معارضة مقيمة خارج الدولة أن اتفاق عار التطبيع مع إسرائيل يعد "خيانة للأمة والشعب"، مشيرين إلى أن التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي وصمة عار في جبين النظام. ولطالما أكد الشعب الإماراتي على موقفه وثوابته الداخلية والخارجية، وفي مقدمتها رفض التطبيع ودعم القضية الفلسطينية، حيث كان هذا الثابت دائماً وحاضراً في كل مؤتمرات وتصريحات الإمارات حتى قبل عقد من الزمن. وذلك ما أكده استطلاع للرأي، أجراه معهد "واشنطن"، أكد فيه أن 80 % الإماراتيين ليسوا مع قيام علاقات بين بلادهم وبين إسرائيل، وأنهم لا يوافقون على مقولة "أن من يرغب من الشعب في أن تربطه علاقات عمل أو روابط رياضية مع الإسرائيليين يجب أن يُسمح له بذلك".
ورغم حملات التضييق والقمع، عبّر الكثير من أبناء الشعب الإماراتي عن سخطهم من هذه الخطوة معتبرين أنها يوم أسود في تاريخ الشعب الإماراتي المشرق تجاه القضية الفلسطينية، وهو ما عبر عنه عدد من النشطاء الإماراتيين في الخارج، فجاء تصريح للناشط الإماراتي "محمد الشامسي" يقول فيها "باسم شعب #الإمارات المسلم… نرفض رفضا باتا قاطعا أبديا التطبيع مع العدو الصهيوني". ودعا الناشط والكاتب الإماراتي المعارض "أحمد الشيبة النعيمي" الإماراتيين على أرض الدولة وخارجها إلى استنكار التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي باعتباره فعلاً شنيعاً وخيانة، مذكرا بأننا محاسبون أمام الله على قول الحق وعن ما يحدث من تدنيس لسمعة وطننا. كما تساءل أستاذ الاقتصاد سابقا في جامعة الإمارات "يوسف اليوسف"، عن مواقف حكام دبي والشارقة، ورأس الخيمة، وهم محمد بن راشد آل مكتوم، وسلطان القاسمي، وسعود القاسمي، من اتفاق التطبيع الذي أبرمه محمد بن زايد.
وفي النهاية فإنه يمكن القول أن اتفاق التطبيع شكّل ضربة قاسمة للسلام المجتمعي الذي كانت تتغنى به الإمارات طوال عقود، فبعد إعلان ذلك الاتفاق؛ وجد عددٌ كبير من الإماراتيين في ساحات التواصل الاجتماعي المكان المُلائم ليُعبِّروا عن سخطهم من هذا الاتفاق، وخرج عددٌ كبير منهم بمقاطع مصوّرة لانتقاد هذه الخطوة، وخصوصاً أولئك الذين يعيشون في الخارج، ليؤكدوا أنّ الاتفاق لا يشملهم ولا يشمل أيّ إماراتي وأنّهم في حلٍ منه، مُهددين أيّ مصالح للكيان داخل الإمارات.