الوقت-إن القضاء الممنهج على حياة السود في الولايات المتحدة هي أزمة وطنية وأخلاقية، لكنها ليست أزمة جديدة. وعلى مدى السنوات العديدة الماضية، قَتَل ضباط الشرطة الأمريكيين أطفالًا مثل تامير رايس البالغ من العمر 12 عامًا ومايكل براون البالغ من العمر 18 عامًا، والبالغين مثل برونو تايلور وجورج فلويد، وفي كل مرة تُنظم احتجاجات من قبل السود والحركات المناهضة للعنصرية، ويقطع السياسيون وعودًا بتشريع قوانين رادعة لكن لا يزال مجتمع السود يشهد مثل هذه الأحداث.
تكرس ثقافة العنف في الشرطة الأمريكية
في الأيام الأخيرة، على الرغم من نشوب احتجاجات في العديد من المدن الأمريكية على اثر مقتل جورج فلويد، فإن حادثة أخرى مماثلة قد حدثت في الولايات المتحدة والتي تظهر مرة أخرى العنف الجامح للشرطة البيض ضد السود، الأمر الذي أغضب مجتمع السود. حيث قُتل جاكوب بليك البالغ من العمر 29 عامًا برصاص الشرطة الأمريكية يوم الأحد. وحاول جاكوب ركوب سيارة قريبة وسط شجار بين المجموعتين، لكنه تعرض للضرب على يد الشرطة أمام زوجته وأطفاله ثم أطلق عليه الرصاص.
في حين أن السود في الولايات المتحدة هم ضحايا الأذى والمعاناة منذ قرون، لكن لا تزال الملايين الى الآن تنزل إلى الشوارع بحثا عن العدالة واحتجاجًا على ثقافة القتل التي تتبعها الشرطة والعنصرية المنهجية المُمارسة ضد السود. لكن غالبًا ما يتم تجاهل الاحتجاجات، على الرغم من التغطية الاعلامية الواسعة لها وحتى دعم بعض السياسيين الأمريكيين لها.
في غضون أسبوعين فقط بعد اغتيال جورج فلويد في شهر مايو، تم تنظيم أكثر من 2000 احتجاج في جميع الولايات الخمسين، وكانت المظاهرات ضخمة جدًا، ووصلت حتى إلى المدن الكبيرة والصغيرة والولايات التي يسكنها البيض بالكامل. ووفقًا لقاعدة بيانات الاحتجاج التي تسمى "count love"، تم تنظيم 531 احتجاجًا على الأقل في جميع أنحاء البلاد في 6 يونيو وحده.
لكن نتيجة هذه الاحتجاجات الواسعة النطاق كانت تشديد ترامب على قمع المتظاهرين ووصفه للمتظاهرين أنهم سارقين ومثيري شغب. وخلال خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الخميس بمناسبة قبول ترشيحه من قبل الجمهوريين لخوض الإنتخابات القادمة، وصف المتظاهرين الذين تجمعوا أمام البيت الأبيض في واشنطن بالـ"بلطجية" ودعا إلى إرسال الحرس الوطني اليهم لمواجهة ما يسميه الفوضى.
ومع ذلك، وفي الوقت الذي يؤكد فيه المعارضون على سلمية الاحتجاجات، فإنهم يلقون باللوم على الشرطة وسلوكهم القمعي في جر الاحتجاجات الى العنف. وفي هذا السياق قال مارتن لوثر كينج الثالث، نجل زعيم الحقوق المدنية ومُنظم مسيرة يوم الجمعة، بمناسبة الذكرى السابعة والخمسين لتجمع تاريخي قاده والده في واشنطن: "يجب أن نجد دائمًا طرقًا لتنظيم احتجاجات سلمية". وأضاف "بينما أنا لا أشجع العنف بأي شكل من الأشكال، لكنني أعرف أسباب لجوء الناس إلى العنف".
لماذا تتكرر المأساة؟
منذ سنوات عديدة، لا يزال هنالك سؤال يطرح نفسه على العديد من نشطاء وخبراء المجتمع المدني الأمريكيين وهو: لماذا لا يمكن إيقاف ممارسات الشرطة العنيفة ضد السود على الرغم من الاحتجاجات الشعبية المتكررة؟
ورداً على هذا السؤال، تعتقد رشاون راي من معهد بروكينغز أن عوامل مختلفة، بما في ذلك عدم وجود إجراءات معيارية لاستجواب ضباط الشرطة، والطريقة التي يتم بها دفع الغرامات المدنية (الفدية) لضحايا عنف الشرطة، وإعادة توظيف الضباط المفصولين تمثل بعض هذه العوامل التي لعبت دور في ممارسة العنصرية والعنف من قبل الشرطة.
ووفقًا للدراسة، فإن السود يقتلون على أيدي الشرطة 3.5 مرات أكثر من البيض. كما يُقتل المراهقون السود على أيدي الشرطة بمعدل 21 مرة أكثر من المراهقين البيض. وفي الولايات المتحدة، يُقتل شخص أسود كل 40 ساعة تقريبًا، ويمكن توقع مقتل واحد من كل 1000 رجل أسود على يد الشرطة خلال حياته. وعلى الرغم من هذه الإحصاءات ، فإن نظام مساءلة الشرطة الأمريكية غير فعال وغير شفاف للغاية.
بعد انتشار مقاطع الفيديو التي أظهرت التعرض على رودني كينغ بالضرب والشتم من قبل ضابط شرطة أبيض في عام 1991 بواسطة كاميرا فيديو منزلية، تم إجراء سلسلة من التغييرات لزيادة المراقبة على الشرطة. وعلى سبيل المثال، تم تثبيت كاميرات في سيارات الشرطة وعلى زي الشرطة، ومع ذلك، فإن هذه التغييرات لم تجعل ضباط الشرطة عرضة للمساءلة، ولا يُتهم الضباط عادة بقتل السود العزل. لقد أصبحت هذه قاعدة، أنه حتى لو تم اتهامهم ، فإن الضباط لا يدانون أبدًا.
يحتاج المدعون إلى قضاء الكثير من الوقت قبل توجيه الاتهامات للتأكد من سلامة القضية، لكن فقط عندما يتم تسجيل أشرطة الفيديو من قبل المواطنين ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، تتخذ الإجراءات الجنائية وتيرة متسارعة. وخلال الحوادث الأخيرة - من كريستين كوبر في سنترال بارك إلى أهامود أربيري في جورجيا إلى جورج فلويد في مينيابوليس - كانت الهواتف الذكية للمواطنين المدنيين هي التي أثبتت الجريمة وأدت إلى استجواب الشرطة. الأمر الذي يقوض تمامًا طبيعة الرقابة الداخلية للشرطة على أداء الضباط. من ناحية أخرى، خلص السيد راي في تحقيقه إلى أنه حتى مع وجود أدلة وإدانة كافية، لا توجد عقوبة كبيرة في انتظار الضباط المخالفين.
وشاركَ ديريك شوين ، الضابط الذي قتل جورج فلويد ، في 18 قضية سوء معاملة على الأقل. فقد تورط في العديد من حالات اطلاق النار الخاطئة وفي حالات وصفها غالبية شهود العيان بأنها عنف ممارس من الشرطة. لكن القضية الرئيسية هي أن حصانة الشرطة أصبحت قانونًأ يتمتع به رجال الشرطة. فقد قام الضباط العنصريون الذين قتلوا تامير رايس ، وهو مراهق أسود في كليفلاند في عام 2014 ، بقتل مراهق أسود آخر ، أنتون روز ، في شرق بيتسبرغ في عام 2018. واللافت أن هؤلاء الضباط طردوا من الشرطة عام 2014 لإدانتهم بالقتل!
في الواقع ، عندما يتم طرد ضابط ما، فإن قانون الشرطة يساعده على تقديم الاستقالة بهدوء بدلاً من طرده. وهذا ما يسمح للضباط الجشعين والعنصريين بالعمل في قسم شرطة آخر.
النقطة الأخرى المثيرة للاهتمام هي أن الشكاوى المتعلقة بسوء سلوك الضباط غالباً ما تُحال إلى الشؤون الداخلية للشرطة للتحقيق فيها وليس إلى القضاء. وفي حال خرجت الشكوى من الشؤون الداخلية بسبب متابعة المدعي لها، فإنها تحال إلى هيئة محلفين ، تتكون عادة من ثلاثة ضباط شرطة ، لتقرير ما إذا كان الضباط المتهمون قد ارتكبوا سوء سلوك ام لا. في الواقع ، فإن الشرطة، كزملاء عمل، يشكلون عمليًا القاضي وهيئة المحلفين أنفسهم. حتى تحقيقات راي تظهر أن الضباط السود يواجهون صرامة أكبر من الضباط البيض عند مواجهتهم ملفات اتهام.
هناك قضية أخرى أظهرتها التحقيقات وهي وجود فراغ منهجي في التعامل مع العنصرية في الشرطة الأمريكية وهي طريقة دفع التعويضات لضحايا العنف. وبموجب قانون الحصانة - وهو قانون يمنع الضباط في كثير من الأحيان من دفع غرامات مدنية - عادة ما يكون الضباط محصنين ضد التبعات المالية لمثل هذه الغرامات، ويتم الدفع للضحايا من جيوب دافعي الضرائب. أي أن دفع غرامة قتل جورج فلويد سيكون من جيوب المتظاهرين ضد العنصرية وعنف الشرطة!
منذ عام 2010 ، دفعت سانت لويس أكثر من 33 مليون دولار ، ودفع مواطنو بالتيمور حوالي 50 مليون دولار لسوء سلوك الشرطة. وعلى مدى السنوات العشرين الماضية ، أنفقت شيكاغو أكثر من 650 مليون دولار على سوء سلوك الشرطة. وبالمثل، في العام من يوليو 2017 إلى يونيو 2018 ، دفعت مدينة نيويورك 230 مليون دولار لحوالي 6500 حالة إساءة.
إن وجود هذه الثغرات القانونية ومسارات الهروب للضباط العنصريين يعني أنه ما لم تكن هناك إرادة حقيقية من جانب الهيئة الحاكمة لمعالجة المشكلة العنصرية في المجتمع الأمريكي ، ستستمر وحشية الشرطة التقليدية ضد السود وتستمر معها الاحتجاجات غير المثمرة ضد انعدام العدالة.