الوقت- يسير المناخ السياسي اللبناني على قدم وساق بعد الانفجار المروع في ميناء بيروت منتصف آب الماضي، والذي أدى إلى استقالة حكومة حسان دياب ، وبعد استقالة دياب ، بدأت المناقشات والاستشارات بين المجموعات السياسية اللبنانية حول مرشح جديد لرئاسة الوزراء ، ومع تنحي الحريري عن قبول ترشيح شخص لمنصب رئيس الوزراء من قبل الحريري ، وكرئيس لحزب المستقبل وتيار 14 آذار ، قدم مرشحًا أقل شهرة اسمه مصطفى أديب ، والذي تم قبوله بشكل غير متوقع من قبل أغلبية النواب في البرلمان اللبناني وكلف بمهمة تشكيل الحكومة من قبل الرئيس اللباني ميشيل عون ، لكن من أجل مزيد من الدراسة للتطورات في لبنان وتشكيل الحكومة في هذا البلد ، أجرى موقع "الوقت التحليلي" مقابلة مع الدکتور"سعد الله زارعي" الخبير في شؤون غرب آسيا في هذا الصدد.
الوقت: دخل تحدي تشكيل حكومة جديدة في لبنان مرحلة جديدة بتعيين مصطفى أديب ، السؤال الذي يطرح نفسه أولاً هو لماذا لم يرشح الحريري نفسه وقام بترشيح شخص آخر؟ ومن ناحية أخرى، بهذاالإجراء ، ماذا سيحدث لموضوع مناقشة الانتخابات المبكرة التي أثارها حزب المستقبل و 14 آذار؟
الدکتور زارعي: بعد استقالة السيد حسان دياب ، كانت القضية ذات الأولوية بالنسبة للبنان هي تشكيل الحكومة ، وفي غضون ذلك ، وخلال الخلافات الداخلية في تيار 14 آذار ، حينما تواجدت معظم التيارات السنية في هذا الطيف ، ووفقًا لاتفاق الطائف ، فإن منصب رئيس الوزراء يتعلق بأهل السنة ، ولكنهم لم يتمكنوا من الاتفاق على خيار معين ، وبقيت هذه المسألة تذهب وتجيئ لفترة ، إلى أن أثيرت قضية إعادة ترشيح السيد سعد الحريري ، والتي قوبلت برد فعل سلبي من ميشيل عون رئيس الجمهورية ، لأن الحريري انسحب العام الماضي دون اعلام الرئيس ، ونتيجة لذلك لم يكن عون مهتمًا بإعادة ترشيح الحريري ، وعليه ، فخلال المباحثات الداخلية في تيار 8 آذار أي بين حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر ، وبعبارة اخرى بين السيد حسن نصرالله ونبيه بري وميشال عون ، تم الاتفاق على ان يرشح السيد الحريري شخصاً لمنصب رئيس الوزراء ، وألا يترشح هو نفسه للمنصب ، لكن شروط إعادة انتخاب الحريري ما زالت غير ممكنة ، لأن الحريري هو رئيس وزراء فترة الهدوء وليس رئيس وزراء فترة الأزمات ، وفي الوضع الراهن يواجه لبنان أزمة اقتصادية كبيرة.
كان الحريري نفسه يدرك هذه الحقيقة بشكل أو بآخر ، لكنه اعتقد أن بإمكانه إدارة الموقف بطريقة يمكن لحكومته أخيرًا أن تخفف الأزمة الاقتصادية إلى حد ما من خلال جذب تعاون مالي واسع النطاق ، خاصة من قبل الأوروبيين ، حيث ان زيارة السيد ماكرون إلى بيروت والقضايا التي أثارها أثناء وبعد زيارته ، حولت آمال السيد الحريري في الحصول على مساعدة خاصة إلى حد ما الى يأس ، وفي النهاية توصل تيار 14 آذار (مارس) إلى الصيغة التي تم تحديدها في 8 آذار ، أي انه يجب ترشيح شخص آخر غير الحريري لمنصب رئيس الوزراء ، وفي غضون ذلك رفعت بعض الأسماء ، مثل السيد "تمام سلام" ، ولكن في النهاية تقرر أن يتولى منصب رئيس الوزراء شاب وجديد مما أوصل التيارات المختلفة في لبنان الى السيد مصطفى أديب والذي كان يتمتع بخلفية اقتصادية ومنصب في حكومة السيد ميقاتي وله أيضًا تاريخ من المسؤولية الدبلوماسية في الدول الأوروبية ، ويعتبر بشكل عام شخصية معروفة وذات سمعة جيدة ، والآن علينا أن ننتظر ونرى ما إذا كانت هذه العملية ستنتهي أم لا ، وهو ما يتحدد بمرور الوقت ولا يمكننا التحدث على وجه اليقين عن نهاية عملية تشكيل الحكومة.
الوقت: السؤال المهم الآخر هو المصير المحتمل لتشكيل الحكومة من قبل مصطفى أديب، إلى أي مدى يمكن للمرء أن يأمل أنه بالاتفاق الكبير بين الفصائل البرلمانية على دعم أديب ، سيتمكن من تشكيل حكومة مستقرة على عكس سابقه؟
الدکتور زارعي: كما ترون ، الفرق بين حكومة دياب وأديب هو أن حكومة دياب لم يتم دعمها من قبل تيار 14 مارس ، وأصبح دياب رئيسًا للوزراء بأغلبية الأصوات في البرلمان التي بيد 8 مارس ، ومع ذلك ، فإن السيد أديب ، بينما يحظى بدعم شبه حاسم من حركة 8 آذار ، ويحظى أيضًا بأغلبية دعم تيار 14 آذار ، أي باستثناء حزب القوات اللبنانية والسيد سمير جعجع ، فان القوى الأخرى في 14 آذار تدعم أديب ، لذا فإن أديب لديه دعم أكثر حسماً ، ولكن رداً على مدى استدامة هذا الدعم؟ يجب أن يقال إن لبنان أرض لاتدوم الاتفاقات فيه طويلاً ، ورغم أن الحكومة ليست حكومة مؤقتة ولا يقع على عاتقها مهمة اجراء انتخابات مبكرة ، إلا أنه في نفس الوقت بقي سنتان كحد أقصى على الانتخابات النيابية المقبلة ونتيجة لذلك ، لن تكون دورة حياة هذه الحكومة أكثر من عامين ، أي حتى إجراء الانتخابات الجديدة في ابريل عام 2022.
الوقت: باعتبار ان المنطقة حاليا هي ساحة للجهات الفاعلة الإقليمية والدولية ذات المصالح المتضاربة في بعض الأحيان ، كيف تقيمون دور الأطراف الأجنبية في مستقبل الحكومة اللبنانية الجديدة؟
الدکتور زارعي: ان حكومة السيد أديب لا تواجه بطبيعة الحال معارضة خارجية ، لكن لبنان الآن بحاجة إلى دعم عملي ، وفي الواقع ، فان التعليقات السياسية لا تساعد كثيراً في حل مشاكل لبنان ، والسؤال عمليا هو انه هل الغربيون مستعدون لتقديم الدعم المالي الموعود للبنان؟ على سبيل المثال ، هل سيؤتي ما يقوله السيد ماكرون عن إنشاء صندوق دعم بقيمة 247 مليون دولار بثماره أم أنه هل سيكون حديث الولايات المتحدة الامريكية على سبيل المثال عن تقديم قرض بقيمة 10 مليارات دولار من خلال صندوق النقد الدولي عملياً؟ تجربتنا تقول لا ، خاصة وأن الوضع الاقتصادي للولايات المتحدة الامريكية والدول الأوروبية ليس مواتياً لمثل هذه الاطروحات ، لذلك لا أعتقد أنهم سيكونون قادرين على تقديم مساعدة عملية لحكومة السيد أديب ، وعلى العكس من ذلك ، صرح الأمريكيون بأنهم سيستمرون في فرض عقوبات على لبنان ومن المرجح أن يستمروا في ذلك في الأشهر المقبلة لإضعاف حزب الله.