الوقت- بعد أكثر من تسعة أشهر من المحادثات الأخيرة للجنة الدستورية السورية، اجتمعت الحكومة والجماعات السورية الأخرى مرةً جديدةً في 24 آب / أغسطس 2020، بحضور "جيمس جيفري" الممثل الأمريكي الخاص لسوريا، لعقد اجتماعات أسبوعية حول الدستور.
ويأتي الاجتماع في وقت عقدت فيه المحادثات الأولى في جنيف بسويسرا، في 30 يونيو 2012، بمبادرة من الممثل الخاص للأمم المتحدة لسوريا آنذاك "كوفي عنان"، لكن الأزمة السورية لا تزال دون حل والمحادثات مستمرة.
والهدف من اللجنة الدستورية السورية الصغيرة المكونة من 45 عضوًا، هو إحراز تقدم في صياغة ميثاق دستوري جديد وتسهيل الانتخابات التي ترعاها الأمم المتحدة، بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن لعام 2015.
ينعقد اجتماع اللجنة الدستورية السورية بينما على المستوى الداخلي للأزمة في البلاد، لا تزال العديد من القضايا والتوترات بقيت دون حل، ويبدو أن هذه المحادثات، مثل اجتماعات جنيف الأخرى، لن تؤدي إلى اتفاق شامل.
عند تحديد آفاق الجولة الجديدة من محادثات جنيف، يمكن مناقشة العديد من القضايا الرئيسية کما يلي.
الجشع الداخلي والتدخل الخارجي
مما لا شك فيه أن أهم قضية وتحدٍّ أمام المفاوضات بشأن صياغة الدستور السوري، تتعلق بجشع الجماعات الداخلية وكذلك التدخلات الخارجية.
فمن ناحية، تريد الجماعات الإرهابية، التي تسيطر رسميًا علی مناطق محدودة فقط في محافظتي "إدلب" و"حلب"، الحصول على امتيازات مساوية للحكومة المركزية، بل وحتى تقاسم السلطة مع نهج تغيير النظام السياسي وفقًا لرغباتها ومطالباتها. ويبدو هذا غير منطقي تمامًا من حيث الوزن السياسي وکذلك المعادلات الميدانية السورية.
وبالنظر إلى الحقائق على الأرض في سوريا، يدعم العديد من السوريين الآن الرئيس السوري "بشار الأسد" والنظام السياسي الحالي، وليس لديهم أي رغبة في تغيير كبير في الدستور، أما الآن فإن الجماعات الداخلية التي لديها أقل شرعية ممكنة بين المواطنين السوريين، تطالب من موقف متساوٍ بصياغة الدستور حسب رغباتها، ومن ثم يصوت له الشعب أثناء استفتاء عام.
وهذا بالتأكيد مغاير للترتيب السياسي للقوى وكذلك وزن التيارات السياسية المختلفة. ويمكن رؤية ذلك بوضوح في مشاركة المواطنين السوريين في الانتخابات النيابية الشهر الماضي.
ومن ناحية أخرى، فإن الجهات الأجنبية الفاعلة تؤثر وتتدخل في محادثات جنيف على نطاق واسع، بغض النظر عن الواقع السياسي في سوريا. حيث تسعى الدول الغربية، وخاصةً الولايات المتحدة وأوروبا، من خلال محادثات جنيف، إلى تحقيق هدفهم المتمثل في إنهاء حكم بشار الأسد من خلال الدستور والانتخابات.
وفي الواقع، فإن آليتهم هي إنشاء وإعداد آلية تطيح بالحكومة الشرعية للبلاد، وتؤسس لحكومة عميلة وتابعة لهم في دمشق. وهذه أيضًا عملية يعارضها بشدة الشعب والحكومة السورية، وتجعل مستقبل محادثات جنيف أكثر غموضًا.
مستقبل إدلب الغامض والمناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة المركزية
العقبة المهمة الأخرى أمام محادثات جنيف، يمكن اعتبارها قضية إنهاء الأزمة فيما يتصل بالمعادلات الميدانية السورية.
تواجه سوريا في الوقت الحاضر ثلاث قضايا مهمة في الميدان. الأولی هي أن محافظة إدلب أصبحت ملتقى للجماعات الإرهابية، وعمليًا لا يمكن لأي مفاوضات أن تكون مثمرةً حتى تنتهي الأزمة في هذه المحافظة.
والثانية هي توغل الجيش التركي في مناطق شمال سوريا على نطاق واسع، واحتلال هذه المناطق بطريقة ما. حيث يمكن اعتبار تصرفات الحكومة التركية رمزاً للاحتلال والتوسع الذي ينتهك السيادة الوطنية لدولة مستقلة.
إن الوجود التركي في شمال سوريا سيلعب بلا شك دورًا رئيسيًا في فشل محادثات السلام والدستور السوري. وطالما أن الجيش التركي والقوات التابعة له موجودان في محافظات إدلب وحلب والرقة، فلا يمكن الحديث عن نجاح اللجنة الدستورية السورية.
أما القضية الثالثة فهي أن جزءاً كبيراً من الأراضي السورية(أكثر من 20٪) تسيطر عليه بشكل غير قانوني قوات سوريا الديمقراطية، أو بعبارة أخرى، الأكراد السوريون، المدعومون مباشرةً من الإرهابيين الأمريكيين.
لا شك أن الشرط المسبق الأول لنجاح صياغة دستور جديد لسوريا، هو عودة سيطرة الحكومة المركزية على جميع أنحاء البلاد، لكن الدول الغربية وتركيا والدول العربية تسعى إلى الحصول على تنازلات كبيرة من الحكومة المركزية، من خلال الصراعات القائمة، وهو الأمر الذي لم ولا يتوافق مطلقاً مع الحقائق الميدانية. ولذلك، كما في الفترات السابقة، لا يمكن للمراقب أن يكون متفائلاً بشأن محادثات جنيف الأخيرة.