الوقت- تشير المحاولات التي تسعى بعض الاطراف ذات العلاقة بالأزمة السورية الى تطبيقها على أرض الواقع ومن بينها سعي تركيا لإقامة منطقة عازلة في شمال هذا البلد، وتدريب وتجهيز المعارضة المسلحة السورية من قبل أمريكا، وتغيير التكتيكات العسكرية الأمريكية والتركية لمهاجمة تنظيم "داعش" الإرهابي، الى ان الادارة الأمريكية بصدد تنفيذ مخطط واسع يهدف الى إبقاء سوريا في دوامة الأزمة رغم مزاعم واشنطن بأنها تعمل على حلّها.
فخلال الايام القليلة الماضية شهدت المناطق ذات الاغلبية الكردية في شمال سوريا تطورات مهمة يُعتقد انها ستترك آثاراً سريعة وواضحة على مسار الأزمة السورية ومجمل الاوضاع على المناطق الممتدة على طول الحدود العراقية - السورية - التركية.
ومن أبرز هذه التطورات اللقاء الذي عقد مؤخراً في اربيل عاصمة اقليم كردستان العراق بين رئيس الاقليم مسعود برزاني ومساعد وزير الخارجية الأمريكي (بريت ماككورك) وصالح مسلم رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي السوري الموالي لحزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا.
والتطور الآخر تمثل بإعلان وزير الدفاع الأمريكي اشتون کارتر دعمه لوحدات الحماية الشعبية الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري. وفي غضون ذلك ذكر ممثل صحيفة (حريت) التركية في واشنطن ان وزير الدفاع الأمريكي بحث في البنتاغون مع ثمانية من الخبراء بشؤون المنطقة دور تركيا القادم في الأزمة السورية وتداعيات النزاع المسلح بين الجيش التركي وحزب العمال الكردستاني.
التطور الثالث تمثل بإعلان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ان بلاده لا تصر في الوقت الحاضر على ازاحة الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة كشرط لتسوية الأزمة السورية كما كانت تفعل في السابق.
والتطور الرابع تمثل بدخول عشرات المسلحين المدربين والمجهزين من قبل أمريكا وتركيا الى داخل الاراضي السورية، وهذه هي المجموعة الثانية من المسلحين التي تدخل سوريا خلال الفترة الأخيرة، حيث وقع بعض أفراد المجموعة الاولى في فخ لجبهة النصرة فيما التحق آخرون بمقرات حزب العمال الكردستاني.
والحدث الخامس تمثل بتنظيم مؤتمر لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري في مدينة رميلان النفطية في شمال سوريا وحضره ممثلون عن الاحزاب الرئيسية في اقليم كردستان العراق وفي مقدمتها الحزب الديمقراطي بزعامة مسعود بارزاني وحزب الاتحاد الوطني بزعامة جلال طالباني.
ورغم الخلافات السياسية والايديولوجية القديمة بين حزب العمال الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني والتي أدت الى اندلاع اشتباكات بين الجانبين في تسعينيات القرن الماضي أسفرت عن سقوط مئات القتلى والجرحى، تمكن مساعد الخارجية الأمريكية بريت ماككورك من تهدئة هذه الخلافات من خلال عقد لقاء مشترك مع بارزاني وصالح مسلم في اطار سيناريو أمريكي يهدف الى توحيد الاكراد تحت المظلة الأمريكية لمواجهة التطورات القادمة.
وهذه القضية بحسب المراقبين تحظى بأهمية سياسية بالغة قد تؤثر على مسيرة الصراع القائم بين تركيا وحزب العمال الكردستاني، في وقت تسعى فيه أمريكا الى حشد الاكراد في إطار مشروع واسع يهدف الى إعطائهم دوراً محورياً في رسم مستقبل سوريا.
وهنا تبرز أهمية وخطورة الاجراءات الاخرى المتزامنة مع هذه التطورات لاسيما محاولة اقامة منطقة عازلة في شمال سوريا وتدريب المعارضة السورية المسلحة والسعي لمنع تشكيل اتحاد بين مناطق (الجزيرة وكوباني وعفرين) ذات الاغلبية الكردية، حيث تشير القرائن المتوفرة الى أن أمريكا تعمل في الوقت الحاضر على تركيز اهتمامها لحسم أزمة سوريا لصالحها، في وقت تواجه فيه معارضة شديدة من قبل إيران وروسيا خصوصاً وان الأخيرة قد صعدت من مستوى تواجدها العسكري في سوريا لمنع أي محاولة غربية قد تقودها واشنطن لإسقاط حكومة الرئيس بشار الأسد، ما يعني أن الادارة الأمريكية بدأت تراهن على الاكراد للعب دور خاص في رسم مستقبل سوريا على غرار ما حصل في اقليم كردستان العراق خلال تسعينيات القرن الماضي وبداية القرن الحالي وتحديداً في السنوات التي سبقت سقوط نظام صدام عام 2003.