الوقت-إن حرب الأعصاب التي شنّها حزب الله في لبنان ضد الكيان الصهيوني في الأيام الأخيرة، تأتي في إطار المعادلة والرسالة التي وجّهها السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله في لبنان قبل عام، بعد استشهاد اثنين من مقاتلي المقاومة، بعد هجوم الكيان الصهيوني على سوريا.
"قف على الحائط وانتظر على إجر ونص"، عبارة قالها قبل عام تحديداً الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في رسالة إلى الإسرائيلي، عقب استشهاد مقاومين في عدوان على سوريا. وما بين هذه الرسالة وردّ المقاومة لاحقاً، فعلت هذه العبارة فعلها لدى الإسرائيليين، وتنامى القلق من الرد وكيفيته وتوقيته.
وبعد عام يتكرر المشهد مجدداً، وها هو الإسرائيلي ينتظر مجدداً "على إجر ونص" على إثر استشهاد مقاوم فلسطيني على مقربة من مطار دمشق الدولي. وفي خلاصة المشهدين اعتراف إسرائيلي عبّرت عنه صحيفة "يديعوت أحرونوت"، تحت عنوان "حرب أعصاب"، قائلة: "ينجح نصر الله في إحراجنا واستنزافنا ذهنياً، على نفس شاكلة بعوضة نموذجية، نحن ببساطة غير جيدين في حروب الأعصاب".
وتحت عنوان "حرب أعصاب، انتظروا على إجر ونص" كتبت صحيفة يديعوت أحرونوت ما يلي: "انتظروا على رجل ونص" هو تعبير أرساه نصر الله في أحد خطاباته التي تفتت الأعصاب قبل حوالي سنة وأصبح من حينها أحد أحب التعابير لدى عناصر حزب الله".
وأضافت الصحيفة أنه "لمع نجم السيد حسن نصر الله أمس مرة أخرى في شبكات التواصل الاجتماعي، وحتى استهلّت به النشرات الإخبارية مساءً في قنوات البيت، وقالت: نحن سنعمل في الوقت وفي الزمان الذي نجده صحيحاً، سندير ضدّكم حرب أعصاب، وأنتم انتظروا". وتابعت صحيفة يديعوت أحرونوت" أن ما حصل أمس في هار دوف أي "مزارع شبعا" مؤسف لأن حزب الله "نجح، بطريقة ما، مرة أخرى، في الوصول إلى نتيجة جيدة من ناحيته، فيما الأوراق التي في يده لا يمكن أن تكون أسوأ".
هي "حرب أعصاب" إذاً، فما هو هذا المصطلح الذي يعود إلى الحرب العالمية الأولى والذي ارتبط حصراً آنذاك بالجنود على الأرض، وبما كانوا يعانون منه من توتر وانهيارات عصبية. حرب الأعصاب التي تختلف عن الحرب النفسية تغيّرت وتطورت، حتى بتنا نتحدث عن حرب أعصاب جديدة ليست بالضرورة أن تكون مرتبطة بحرب عسكرية ميدانية، وهو ما قامت به المقاومة من خلال شنّ حرب أعصاب طالت مستويات عديدة لدى الاحتلال.
وهناك مصطلح "حرب الأعصاب" الذكية كما هو حال إيران تجاه خصومها، وتحديداً أمريكا، هنا نتحدث عن حرب الأعصاب التي تستدعي مراجعة أطباء نفسيين وتناول مهدئات ومسكنات ربما. ولا شك أن هناك الكثير من التقارير التي تناولت هذا الواقع داخل الجيش الإسرائيلي عقب حرب 2006 والحروب على غزة، وصولاً إلى تزايد حالات الانتحار، فضلاً عن محاولة تهرّب الجنود من القتال في الجبهات الأماميّة عبر إيذاء أنفسهم.
صمت حزب الله قتل الإسرائيليين
قال مدير مكتب الميادين في فلسطين المحتلة ناصر اللحام إن "المقاومة أتلفت أعصاب الإسرائيليين في المحافظة على صمتها في ذروة العملية حيث لم تصدر أيّ بيان مباشرة"، مشيراً إلى أنه في بادئ الأمر فإنّ صمت حزب الله قتل الإسرائيليين، وثانياً فإن القادة الإسرائيليين تسّرعوا وتسابقوا على التصريحات الصحافية وهذا ما أدّى إلى توريطهم أكثر وأكثر".
وأضاف اللحام إنّه "تمّ تعديل الروايات ست مرات ما بين تقرير ميداني، وآخر للناطق باسم الجيش الإسرائيلي، وأخيراً في مسألة التعدّي التي وردت في بيان حزب الله، الذي توعّد بأن الضربة لم تأت بعد وأنها ستأتي، وهذا ما أدّى إلى انقسام الجمهور الإسرائيلي إلى قسمين: نصف الإسرائيليين لا يصدقون نتنياهو، والنصف الآخر يصدق السيد نصر الله، والمجموع يعني 2-صفر".
حزب الله استخدم الحرب النفسية لتوتير خصمه
أما مديرة الميادين أونلاين بهية حلاوي تناولت من جهتها أدوات هذه الحرب التي تمّ من خلالها تلف أعصاب الإسرائيليين، وقالت إنّ الحرب النفسية هي مثل أيّ حرب إنما ما يختلف فيها هي المظاهر أو التجليات، وما حصل أمس حرب نفسية وفي هذه الحالة نحن أمام حالة توتير الخصم وإيصاله إلى حد الهيستيريا، ليسيطر الذعر والقلق عليه".
وأضافت إنّ من أدوات هذه الحرب ممكن أن تكون بياناً أو تصريحاً أو سلاحاً نووياً، أو في موضوع التوقيت والتلاعب به، مثلاً اختيار الصمت لفترة معينة، أو توقيت المؤتمرات أو البيانات للإعلان عن ما حصل كما حدث أمس. وتابعت: "اليوم نحن في زمن وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الاتصال السريع، وبالتالي فإن تغريدة صغيرة ممكن أن تغيّر من زمام المعركة مثلما حصل البارحة".
ولفتت حلاوي إلى أن "المنظومة السياسية الإسرائيلية قائمة على الدعاية والاستعراض، وهنا تصبح عملية القلق كبيرة فهم لا يقلقون فقط من الخارج وإنما من الداخل أيضاً، ومن الجماهير الإسرائيلية التي تتابعهم، وخاصة بوجود السوشيل ميديا التي ترصد وتوثّق الأخبار بصورة مباشرة ودقيقة".
لحرب الأعصاب شروط أساسية أهمها القوة
قال من جهته محلل الميادين للشؤون الأوروبية والدولية موسى عاصي ، إنّه "لطالما استخدم هذا الأسلوب (حرب الأعصاب) إلى جانب الحروب الكبرى والهجمات العسكرية التي كانت تشنّها الدول، ولكن ذروة هذه الحرب النفسية وفعاليتها أخذت مجدها مع ظهور وسائل الإعلام وتحديداً في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، وتجلّت بشكلها الواضح عندما استخدمها النازيون في حروبهم أي قبل الحرب العالمية وخلال الحرب العالمية الثانية".
وأضاف عاصي إننا "رأينا مثل هذه الأساليب في الحروب الكبرى، وخاصة في المواجهات والخصومات بين الدول، ومع ظهور وسائل الاعلام الحديثة بات هذا الأسلوب له فاعلية كبرى وبانت ذروته في حرب تموز 2006، وكانت الذروة عندما كان أمين عام حزب الله يستخدم الخطابات والمداخلات أثناء المعارك. وأيضاً عندما كان العالم المقاوم يستخدم بعض الأفلام والدعايات من أجل توجيه الضربات النفسية المعنوية لجنود الاحتلال، ورأينا كيف كان جنود الاحتلال على المستوى الفردي كيف كانوا يبكون".
لحرب الأعصاب شروط أساسية يقول عاصي، من أهمها "أن يكون للفريق الذي يستخدم حرب الأعصاب أو الحرب النفسية أن يكون لديه القوة الكافية لتطبيق أو تنفيذ تهديداته من أجل ردع الآخر، وإفهامه أن لديه القوة وأنها ليست تهديدات فارغة وإنما فعلية، ويكون لها تداعيات قاسية كما حصل أمس".