الوقت- في الأسابيع الأخيرة، بدأت جمهورية إيران الإسلامية دبلوماسية نشطة لتوقيع عدد من اتفاقيات التعاون مع الصين وروسيا. وفي البداية، كان هناك حديث عن توقيع صفقة بقيمة 400 مليار دولار بين طهران وبكين تمتد لمدة 25 عامًا وبالفعل تم التوقيع خلال الفترة الماضية على عدد من الاتفاقيات طويلة الأمد بين إيران والصين في مختلف المجالات وخاصة في مجال الطاقة وعبور البضائع.
وبعد التوقيع على اتفاقية الـ 25 سنة بين إيران والصين، شهدنا أيضًا تمديد اتفاقية التعاون بين طهران وموسكو. وفي هذا الصدد، ناقش الدكتور "محمد جواد ظريف"، وزير الخارجية الإيراني خلال زيارته لموسكو في 21 يوليو 2020، مع الجانب الروسي تمديد وتحديث طويل الأجل لقانون المعاهدة على أساس العلاقات المتبادلة ومبادئ التعاون بين جمهورية إيران الإسلامية والاتحاد الروسي الذي تم التوقيع عليه في مارس عام 2001. وعلى الرغم من هذه الاتفاقية تتجدد بشكل تلقائي لمدة 5 سنوات قبل انتهاء صلاحيتها، إلا أنه تجدر الإشارة إلى أنه في مثل هذه الظروف الجديدة، فإن الهدف الرئيس لكلا الطرفين هو تمديد وتحديث الاتفاقية وفقًا لمتطلبات الفترة والظروف الجديدة.
يذكر أن اتفاقية 2001، تضمّنت إعلان مبادئ للعلاقات والتعاون ونصت على التزام الطرفين بعدم استخدام القوة أو التهديد باستخدامها إزاء بعضهم البعض، وعدم إتاحة أراضيهما لأي أعمال عدوانية أو إرهابية تمسّ أمن البلدين، فضلاً عن عدم تقديم مساعدات لأي جهة تفكّر في الاعتداء على أيّ منهما. وأصدر الطرفان الإيراني والروسي بياناً مشتركاً حول مستقبل بحر قزوين قالا فيه إن البحر يجب أن يبقى بحراً للسلام والصداقة»، مؤكدين اعترافهما بالمعاهدات السابقة بين البلدين بخصوص هذا الموضوع. وصرّحا علانية في حينه بعدم تقبّلهما مدّ أنابيب للغاز والنفط في قاع البحر، كذلك، أوضحا أن البحر يستخدم حصراً للأهداف السلمية ولا يسمح بالوجود العسكري فيه. كما نصّت المادة السادسة من الاتفاق على المساعدة في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، وبناء محطات الطاقة النووية، والتعاون في مجالات الصناعة، والعلوم والتكنولوجيا، والزراعة، والصحة العامة.
ووفقاً لعدداً من المراقبين، فإن عوائد هذا المستوى الذي وصلت إليه العلاقات بين طهران وكل من موسكو وبكين ستنعكس إيجاباً على احتياجات إيران، نظراً إلى أن الصين وروسيا، تمتلكان القدرة على القيام بعمليات الاستثمار التي تلزم إيران. كذلك، فإن التوجه للتوقيع على توافقات استراتيجية مع روسيا والصين في ذات الوقت سيصنع، توازناً سياسياً أكثر منطقية بين شركاء طهران الاقتصاديين، فضلاً عن أنه سيزيل آثار العقوبات التي طالت الاقتصاد الإيراني، والتي تسببت أيضاً في فراغ في البنى التحتية الإيرانية، حيث يتوقّع الخبراء الاقتصاديون أن تملأ الاتفاقيات التي تم توقيعها هذا الفراغ.
إن نشاط طهران فيما يتعلق بالتوقيع على اتفاقية جديدة مع روسيا والصين ظاهرة يمكن الإشارة إليها بشكل أساسي باسم "الاستدارة نحو الشرق". وانطلاقا من حقيقة أن طهران، أصبحت محبطة من سياسات واستراتيجيات الدول الغربية، وخاصة أداء الأوروبيين في مناقشة الوفاء بالتزاماتها فيما يتعلق بالاتفاق النووي، فلقد تبنّت طهران الآن استراتيجية لزيادة تقرّبها من المحور الشرقي. ولكن اتباع طهران استراتيجية "الاستدارة نحو الشرق"، كان له العديد من ردود الفعل من قبل الجبهة الغربية، حيث أدانت أمريكا والكيان الصهيوني، في ردود فعل مختلفة، أي اتفاق بين إيران والصين وروسيا. وفي غضون ذلك، عبر الكيان الصهيوني عن قلقه أكثر من تقّرب طهران من بكين وموسكو. والآن، ومع أخذ ذلك في الاعتبار، يطرح هذا السؤال نفسه، حول سبب قلق الكيان الصهيوني من "الاستدار الشرقي" لإيران، وما هي التهديدات التي يرونها في استراتيجية السياسة الخارجية الجديدة لإيران؟.
أسباب خوف "تل أبيب" من "الاستدار الشرقي" لإيران في مجال سياستها الخارجية
فيما يتعلق بأسباب خوف الكيان الصهيوني من قرب إيران من الصين وروسيا، يمكن ذكر عدة نقاط مهمة:
1- على مدى العقود القليلة الماضية، وضع الكيان الصهيوني أحد أهم محاور سياسته الخارجية في الحفاظ على الضغوطات والعقوبات ضد إيران وفي السنوات الأخيرة، دعمت "تل أبيب"، من خلال ضغطها القوي في أمريكا، بشدة عقوبات واشنطن غير القانونية والأحادية ضد طهران بسبب برنامجها النووي. في الواقع، يأمل الصهاينة في أن تضع العقوبات والضغوط الأمريكية طهران في نهاية المطاف على طريق الاستسلام لمطالبها، ولكن أي اتفاق بين إيران والصين وروسيا في هذا الوقت قد يعني إنهاء حلم "تل أبيب" هذا.
وهذا الأمر يُعدّ أيضاً أكثر أهمية بالنسبة لـ"تل أبيب" عندما تقوم إيران، بموجب الاتفاقية الاستراتيجية التي تم التوقيع عليها مؤخراً بين طهران وبكين، بتزويد الصين بالنفط على مدى السنوات الـ 25 المقبلة، واستثمار الصين 400 مليار دولار في إيران لفترة مماثلة وتعهد الصين بتوسيع حضورها في قطاع البنوك والاتصالات في إيران. وفيما يتعلق بمشاريع البنية التحتية، فإن الصين ستقوم ببناء وتشغيل موانئ وخطوط سكك حديدية جديدة، كما ستساعد بكين إيران في تطوير شبكة الإنترنت 5G ونظام GPS. ونتائج هذا الاتفاق واضحة أيضا، فقد قررت الصين الآن تجاهل العقوبات الأمريكية ضد إيران وهذه القضية أرعبت الكيان الصهيوني إلى حد كبير.
وعلاوة على ذلك، عندما توضع قضية توسيع وتجديد الاتفاقية التي تم التوقيع عليها بين إيران وروسيا بجوار اتفاقية طهران الاستراتيجية مع بكين، تصبح "تل أبيب" أكثر وعياً من أي وقت مضى بعدم فعالية العقوبات الأمريكية. وخلال الاتفاقية السابقة، أوفت موسكو بالتزامها بإكمال بناء محطة "بوشهر" للطاقة النووية بالإضافة إلى بيعها أنظمة "إس 300" الصاروخية لإيران. بطبيعة الحال، يمكن القول أن الصهاينة غير راضين على الإطلاق من الاهتمام الروسي بتوسيع التعاون النووي مع طهران في الاتفاقيات الجديدة، والدعم الذي تقدمه موسكو لطهران في مجلس الأمن الدولي.
2- يمكن تقييم المستوى الثاني من مخاوف الكيان الصهيوني من "الاستدار الشرقي" لإيران، على أنّه التأثيرات الحتمية لهذه التحالفات على علاقات "تل أبيب" مع بكين وموسكو. في الوضع الحالي، يحاول قادة الكيان الصهيوني جاهدون أن يكون بجانبهم دول أوروبية وروسيا والصين، وفي السنوات الماضية، بذلوا جهوداً كثيرة للاقتراب من موسكو وبكين. في الوقت الحاضر، يعلمون أن تعزيز علاقات طهران مع روسيا وبكين سيقلل، من ناحية، آمال الصهاينة الحصول على الدعم الكامل من هاتين القوتين الدوليتين، ومن ناحية أخرى، ستعزز تلك العلاقات الطيبة سياسات طهران الإقليمية. إن هذا الأمر أصبح مهم بشكل خاص في السنوات الأخيرة، حيث أصبحت السياسات الإقليمية للصين وروسيا في غرب آسيا أكثر انسجامًا مع سياسات طهران الإقليمية، ويمكن رؤية مثال ناجح منها في الأزمة السورية.
3- وفي المستوى الثالث، وبعد التوقيع على الاتفاق الاستراتيجي بين الصين وإيران، ليس أمام إسرائيل خيار سوى إلغاء عقد تطوير ميناء "حيفا" إلى جانب العديد من مشاريع البنية التحتية الأخرى وصفقات التعاون العلمي والتكنولوجي مع هذا البلد. ونفس هذه الشركات الصينية التي من المفترض أن تبني البنية التحتية الحيوية، بما في ذلك السكك الحديدية، في إسرائيل، أصبحت الآن ملتزمة ببناء مشاريع مماثلة في إيران. وفي مثل هذه الظروف، يبدو أن نظرة إيران نحو الشرق في سياساتها الخارجية قد أرعبت الكيان الصهيوني أكثر من أي وقت مضى. وربما لم يكن هذا الكيان قلقًا أبدًا بشأن تعاون إيران مع الصين وروسيا كما هو الآن.