الوقت- لا تزال عملية الكرّ والفرّ بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وضابط الاستخبارات السابق سعد الجبري، قائمة حتى اللحظة لتشمل محاولات من قبل ابن سلمان لدفع الجبري للعودة إلى السعودية، ويبدو أن جميع محاولات ولي العهد السعودي باءت بالفشل، ليضطر لمخاطبة "الانتربول الدولي" ووضع اسم "الجبري" على لوائح المطلوبين، ولكن "منظمة الشرطية الدولية" رفضت الطلب واعتبرت أنه يأتي على خلفية دوافع سياسية، ومع ذلك ظلّ ولي العهد يمارس ضغوطه على الجبري ليجبره على العودة، وذلك من حلال اعتقال نجليه :سارة وعمر ومنعهما من السفر بالرغم من توسّلات والدهما الجبري، ولا يزال الأخذ والرد قائماً بين الطرفين حتى اللحظة.
ومؤخراً نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكيّة، في تقرير لها الجمعة، مضامين رسائل متبادلة بين الجبري وابن سلمان، وحصلت الصحيفة على عدّة وثائق جديدة في هذا السياق، تتضمّن رسائل من ابن سلمان نفسه إلى الجبري، ومن السلطات السعودية إلى "الإنتربول"، ورسائل أخرى من نواب في الكونغرس تتعلق بقضية الجبري، الذي كان الرجل الثاني في وزارة الداخلية السعودية تحت إدارة ولي العهد السابق محمد بن نايف، وبات اليوم على رأس قائمة "المطلوبين" لابن سلمان، إذ لم يدّخر هذا الأخير وسيلة لإعادته إلى السعودية، بدءًا بالحديث معه مباشرة وإغرائه بـ"وظيفة كبيرة" في السعودية، ثم اعتقال ابنيه الأصغرين اللذين بقيا في السعودية، واستخدامهما كرهينتين للضغط عليه، ثم إرسال أحد أصدقائه القدامى لاستدراجه إلى تركيا "حتى يكون قريبًا من عائلته"، ثم توجيه اتهامات له بالفساد.
ويبدو أن الرجلين نقلا المعركة إلى وسائل الإعلام، إذ تأتي هذه التسريبات الجديدة، التي حصلت عليها الصحيفة بالأساس من شركة المحاماة التي تمثّل الجبري في كندا، كحلقة جديدة في سلسلة التسريبات التي كان آخرها ما نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" في تقرير موسّع، الأسبوع الفائت، كاشفة عن وثائق ومستندات خاصة من ملف التحقيقات في قضايا الفساد التي تطاول الجبري، والتي يبدو أن السلطات السعوديّة هي التي كانت وراء تسريبها.
الوثائق التي يملكها الجبري تعدّ سيفا ذو حدين قد تُكلف ولي العهد السعودي محمد بن سلمان كرسي العرش أو تساهم في ايصال ابن سلمان إلى كرسي العرش وبهذا يقضي على آمال ابن عمه الأمير محمد بن نايف، ومن هذا المنطلق يسعى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى استدراج الجبري من مكان اقامته في كندا إلى السعودية أو دول الجوار للتفاوض معه أو اخفاءه عن الوجود.
لم يستطع ابن سلمان القاء اقبض على الجبري قبل سفره خارج البلاد حيث تمكن رجل المخابرات بفضل شبكة علاقاته الخارجية والداخلية من الخروج خارج السعودية وطلب اللجوء في كندا التي منحته هذا الحق، ولم ينبس الجبري ببنت شفة منذ وصوله إلى هناك ولم يتحدث عن شيء ولم يهدد أحد، لسببين الأول لكون عائلته لاتزال داخل اسوار المملكة وهو يخاف من ان يحصل لهم مكروه والثاني انه هو نفسه متورط في ملفات فساد عندما كان اليد اليمني لولي العهد السابق محمد بن نايف.
الفساد المتعلق بالضابط السابق سعد الجبري أثارته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، حيث نقلت عن مسؤولين سعوديين حاليين، قولهم إن الجبري الذي عمل لسنوات طويلة كذراع يمنى لولي العهد وزير الداخلية السابق محمد بن نايف، أهدر ما لا يقلّ عن 11 مليار دولار خلال فترة توليه مسؤولية برامج مخصصة لمكافحة الإرهاب، ومنح نفسه أجوراً فلكية، تدخل في إطار قضايا فساد تحضّرها الحكومة لمواجهته بها.
وأخطر ما ورد في تقرير "وول ستريت جورنال"، بحسب ناشطين، هو نقلها عن مسؤولين حاليين قولهم إن اختلاسات الجبري كانت تتم بمباركة من محمد بن نايف، وهو ما طرح تساؤلات عن اتخاذ ابن سلمان قضية الجبري كوسيلة لإخراج صراعه مع ابن عمّه إلى العلن.
نحن لا نريد أن نبرأ ابن نايف ومساعديه من الفساد الذي كان يحصل خلال توليه ملف مكافحة الارهاب، ولكن من الممكن أيضاً وهذا وارد جداً أن يكون بحوزة الجبري وثائق ضد ولي العهد السعودي نفسه، وهذا ما يفسر اعتقال ابن سلمان لنجليه كوسيلة للضغط على والدهم لإجباره على العودة للمملكة أو احضار الوثائق لإبعاد شبح الخوف عن ابن سلمان، خاصة وانه لا يزال يحضر نفسه لتنصيب نفسه ملكاً للبلاد، وقد تشكل هذه الوثائق عائق في وجه ابن سلمان، خاصة وان الجبري يرتبط بشكل وثيق مع الامير محمد بن نايف ويكن الولاء له، ليس هذا وحسب فالجبري لديه علاقات مع شبكات الأمن السعودية، وبالتالي وجود هذه الوثائق وقوة ابن نايف والجبري الأمنية قد تقضي على آمال ابن سلمان في أيّ لحظة.
صحيفة "وول ستريت جورنال" تحدثت بوضوح كيف حاولت السعودية إغراء الجبري ودعوته للسفر نحو تركيا، وقالت إن الجبري يمتلك وثائق تكشف وجود شبكة بمليارات الدولارات ساهمت في إثراء كبار المسؤولين الحكوميين السعوديين، وبحسب الصحيفة، فإن "عائلة الجبري تعتقد أنّ الرياض تريد إعادته لأنه يعرف أسرار العائلة المالكة"، مشيرةً إلى أنه "لدى ولي العهد محمد بن سلمان ثأراً شخصياً معه بسبب خلافات بينهما".
وثائق الجبري كشفت أن الرياض موّلت الرئيس السوداني السابق عمر البشير وقبائل في غرب العراق. ويخشى مسؤولون غربيون من أن يؤدي النزاع إلى كشف معلومات حساسة عن "العمليات ضدّ الإرهاب".
وجاءت محاولة استدراج الجبري إلى تركيا قبل صدور مذكرات توقيف بحقه وسجن اثنين من أبنائه في آذار الماضي، ليُنقل عنه خشيته على حياته وتعرضه لضغوط من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
وسائل الاعلام السعودية الرسمية أو تلك التي تمولها السعودية سارعت لنشر خبر صحيفة "وول ستريت جورنال" على اعتبار انه يصب في مصلحة تطلعات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وهو ضد محمد بن نايف، وبالتالي يرفع من اسهم ابن سلمان لدى الشعب السعودي ويقوض شعبية محمد بن نايف، ولكن تفاجأت السلطات السعودية بإطلاق ناشطون هاشتاغ "محمد بن نايف" وصل إلى قمة الترند في السعودية، عبروا فيه عن تضامنهم التام مع الرجل الذي أطاح به ابن سلمان من كافة مناصبه منتصف العام 2017.
كثافة التغريد في هاشتاغ "محمد بن نايف" دفع ما يعرف بـ"الذباب الإلكتروني" إلى إسقاطه من "الترند"، ورفع هاشتاغات أخرى للتشويش عليه، بحسب اتهامات مناصري ابن نايف، الذين أكدوا أنهم نجحوا برفعه مجددا مرة أخرى.
في الختام؛ الواضح جداً ان خطر محمد بن نايف لا يزال قائماً وقد يدفع هذا الخطر محمد بن سلمان للجنون مرة أخرى والاقدام على خطوة جديدة غير محسوبة النتائج، خاصة وان الجبري مرتبط بغريمه محمد بن نايف الذي يعد التهديد الأكبر لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لذلك يعمد ابن سلمان على محاصرته ومضايقته هو وأعوانه وتوجيه اتهامات لهم وتوريطهم في ملفات فساد تمهيداً لاعتقالهم وابعادهم كلياً عن الساحة السياسية.