الوقت- تشهد تونس حالة من الغليان السياسي والفوضى السياسية التي لم تشهدها البلاد منذ عدّة عقود، لدرجة أنّ البعض بدأ يحذّر بأن الديمقراطية في تونس في خطر كبير، وهناك مخاطر من حلّ البرلمان، يضاف إلى هذا بعض الإشارات القادمة من الخارج بأنّ دولاً بدأت تبحث عن طرق للتدخل بالشأن الداخلي التونسي، ودعم أحزاب تونسيّة على حساب أخرى للزيادة من حدّة الفوضى داخل البلاد.
يضاف إلى فوضى المشهد السياسي انتشار جائحة كورونا داخل البلاد وتأثيرها على الاقتصاد، الأمر الذي من شأنه أن يعقّد الأوضاع السياسيّة والاقتصادية داخل البلاد، وبالتالي أيّ محاولة لضرب المؤسسات الدستورية وتعطّل عملها سيكلف البلاد الكثير.
المشهد حالياً داخل تونس على الشكل التالي، هناك محاولات لسحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنوشي، وعلى الضفة الأخرى اعتصام لحزب الدستوري الحرّ بقيادة عبير موسى داخل مجلس النواب، وسبق ذلك اتهامات لرئيس الحكومة السابق إلياس الفخفاخ باستغلال النفوذ وتضارب المصالح، ما أجبره على تقديم استقالته، واتهامات لدول عربية بتأجيج الصراع السياسي في تونس.
نبدأ من الرئيس التونسي قيس سعيد الذي لوّح بالتدخل لوقف الانفلات الذي يجري في البرلمان، دون أن يفسر الخطوة التي قد يلجأ إليها. لكن أوساطا سياسية تونسية لم تستبعد أن يكون الخيار الذي يلوح به الرئيس سعيد هو حلّ البرلمان الذي بات يعيش حالة من الفوضى والانفلات ويثير غضب الشارع التونسي.
وقال الرئيس سعيد، عقب لقاء جمعه براشد الغنوشي رئيس البرلمان ونائبيه إن "البرلمان لم يتمكن من ممارسة مهامه ويعيش حالة من الفوضى"، مضيفا "لن أترك الدولة التونسية بالشكل الذي تسير عليه وقد أستخدم حقوقي الدستورية".
وبعد أن أشار إلى أن البلاد تعيش أخطر وأدق اللحظات في تاريخها، قال إن "الوسائل القانونية المتاحة في الدستور موجودة لدي اليوم بل هي كالصواريخ على منصات إطلاقها".
من جهته دعا رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي إلى حماية التجربة الديمقراطية في بلاده، وسط تحذيرات من محاولات للانقلاب عليها بدعم خارجي، وفيما ندد الرئيس قيس سعيّد بتعطيل البرلمان من قبل كتلة الحزب الدستوري الحر، يضيق الطوق حول رئيس الوزراء المستقيل إلياس الفخفاخ مع ترسّخ شبهات تضارب المصالح التي تلاحقه.
فخلال ندوة انعقدت اليوم الاثنين في البرلمان عن الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، حاولت تعطيلها كتلة الحزب الدستوري الحر (16 نائبا من أصل 217 نائبا) برفع شعارات وسط القاعة، قال الغنوشي إنّه يتعيّن حماية التجربة الديمقراطية من كلّ الأصوات والمشاريع التي تسعى إلى إذلالها والنيل منها.
وحذر الغنوشي ممن يسعون للنيل من التجربة الديمقراطية عبر ما وصفه بخطاب شعبوي يبيع الأوهام ويسوق لتعطيل مؤسسات الدولة، مشددا على أهمية إرساء المحكمة الدستورية لوقف الجدل حول تأويل الدستور وتفسيره.
وتأتي تصريحات كل من رئيس البرلمان ورئيس الدولة في وقت يواصل فيه نواب الحزب الدستور الحر، الذي تعود جذروه إلى حزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل، الاعتصام في البرلمان وتعطيل جلساته في إطار تحرك يستهدف تنحية رئيسه زعيم حركة النهضة (54 نائبا).
ويوم أمس بلغت الخلافات داخل البرلمان التونسي درجات كبيرة من التصعيد وانتقلت من العنف اللفظي إلى المادي، بسبب تواصل اعتصام بعض النواب داخله، بينما هدد الرئيس التونسي قيس سعيد باللجوء للقانون والدستور ضد من يعطل عمل مؤسسات الدولة.
وبحسب المصادر، فقد شهدت جلسة اليوم تشابكا بين نائب من حركة النهضة ونائب عن كتلة الحزب الدستوري الحر، مما أدى إلى كسر رجل أحد النائبين وخلع كتف الآخر في مشهد لم يعرفه البرلمان عبر تاريخه، علما بأن جلسة أمس عرفت تدافعا بين نائبتين من النهضة والدستوري، مما أدى لكسر في ساق نائبة من النهضة.
من جانب آخر، أثار حضور ممثلي الشرطة العدلية إلى البرلمان لمعاينة تجاوزات الحزب الدستوري الحر (حزب بن علي)، جدلا كبيرا داخل البرلمان، حيث اعتبر الحزب المذكور أنها "سابقة في تاريخ البرلمان، وانتهاك لحرمته"، إلا أن وزارة الداخلية أكدت أن حضورهم تم وفق إذن قضائي، مؤكدة حياد المؤسسة الأمنية تجاه التجاذبات السياسية داخل البرلمان.
وسادت حالة من الفوضى أروقة المجلس بسبب رفض رئيسة كتلة الحزب الدستوري الحر عبير موسي هذه المعاينة.
ونددت حركة النهضة بما وصفته بالبلطجة التي يقوم بها نواب هذا الحزب في البرلمان، ورفعت دعاوى ضده لدى القضاء.
وجاءت تصريحات رئيس البرلمان التونسي، في ظل اتهامات صريحة من قبل قياديين في حركة النهضة للإمارات ومصر بدعم تحركات الحزب الدستوري الحر وأطراف أخرى للإطاحة بالعملية الديمقراطية في تونس.
وفي السياق، قال رئيس كتلة حركة النهضة نور الدين البحيري -في تدوينة نشرها عبر صفحته في فيسبوك- إن مواقع إماراتية ومصرية صوتت لرئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي في عمليات استطلاع الرأي.
وأضاف البحيري أن العملية هدفها إيهام الرأي العام بأن موسي هي البديل عن المؤسسات الشرعية والمنتخبة في تونس على غرار مجلس نواب الشعب، مضيفا أن حجم حقد الإمارات ومصر وحفتر على تونس أصبح كبيرا جدا.
كانت حركة النهضة وأحزاب أخرى من داخل الائتلاف وخارجه قد طالبت بدورها رئيس الوزراء المستقيل بتفويض مهامه لأحد أعضاء الحكومة، والتفرغ للدفاع عن نفسه.
وكان الفخفاخ قد استقال الأربعاء الماضي بعدما قررت النهضة أكبر أحزاب الائتلاف سحب الثقة منه، ورد الأخير بإقالة وزراء الحركة الستة رغم أنه كان باتا في حكم المستقيل.
وفي تطور رسّخ شبهات تضارب المصالح التي أثيرت الشهر الماضي حول شركات يملك الفخفاخ أسهما فيها، وأبرمت صفقات مع الدولة، طالب تقرير للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد أمس النائب العام بإصدار أوامر منع السفر وتجميد أموال لبعض المشتبه بهم في هذه القضية.
ولم تذكر الهيئة -في بيان لها- ما إذا كان الفخفاخ من بين المعنيين بالأوامر المطلوبة أم لا، ولكنها أشارت إلى أنها أحالت إلى الدائرة القضائية المختصة بالجرائم المالية والاقتصادية تقريراً ثانيا يتضمن وثائق إثبات تتعلق بشبهات تضارب مصالح وفساد مالي وإداري، وتهرب ضريبي، طالت صفقات أبرمتها الدولة مع شركات يملك الفخفاخ أسهما فيها