الوقت – ثمانٍ وثلاثون مرّت منذ بدء الحرب بين المقاومة اللبنانية وبين الكيان الإسرائيلي، أربعة عقودٍ خبر خلالها مجتمع الكيان الإسرائيلي أنّ كلَّ ما يقوله السيد حسن نصر الله وجدوه حقيقةً واقعة أمامهم، وأنّه لم يُهدد أبداً؛ بل كان يُنفذ مباشرةً، ولنا في قصف البارجة الإسرائيلية في حرب تموز خير دليلٍ على ذلك؛ وكيف كان السيد نصر الله يُبشر اللبنانيين بأن البارجة سوف تحترق وما هي إلّا ثوانٍ قليلة وقبل أن يُنهي خطابه؛ حتى بدأت النيران تأكل تلك البارجة.
على المقلب الآخر؛ فإنّ من يكذب مرّة وثانية وثالثة سيكون من المُحال تصديقه في قوله، وهذا الحال الذي يبدو عليه ساسة الكيان الإسرائيلي، فحتى جمهورهم الداخلي أو أعضاء الأحزاب التي يرأسونها ما عادوا يصدقونهم، وبالطبع فإنّ السبب هو ذاته، فلماذا يُصدق مجتمع الكيان الإسرائيلي السيد نصر الله في الوقت الذي يُكذّب به ساسته الذين ينتخبهم؟.
في البداية؛ لا بُدَّ من التأكيد على أنّ أبرز أسباب نجاح حزب الله ومن خلفه السيد حسن نصر الله هو شبكة المعلومات والاستخبارات الكبيرة التي يتمتع بها الحزب داخل الكيان الإسرائيلي، ناهيك عن أنّ الحزب درس قيادات الكيان السياسية وفهم طريقة تفكيرهم، وهو أمرٌ لا تستطيعه كل الدول العربية مجتمعة، ولهذا شهدنا انتصارات المقاومة في كل المواقع بعكس الجيوش العربية التي تجرّعت كؤوس الهزيمة في كل الحروب التي خاضتها.
أكثر من ذلك وعلى الرغم من امتلاء لبنان بالعملاء؛ غير أنّ الحصول على معلومة بخصوص حزب الله كان بمثابة المُستحيل، وحتى هذه اللحظة فإنّ جميع المعلومات الخاصة بتسليح الحزب أو عدد صواريخه أو قوّاته لا تزال طيّ الكتمان، ولم يستطع الكيان معرفة من يُقاتل.
ومن الأسباب التي جعلت السيد نصر الله موثوقاً لدى جمهور الكيان الإسرائيلي وهو أنّه لا يُشبه لا الزعماء العرب ولا زعماء الكيان، فالسيّد نصر قدّم ابنه "هادي" وقبل أبناء البقيّة شهيداً على درب المقاومة والتحرير في العام 1997، في الوقت الذي كان فيه أبناء القادة العرب وأبناء ساسة الكيان الإسرائيلي يدرسون أو يتسكّعون في شوارع أوروبا، وهو الأمر الذي مّيزه عن بقيّة الزعماء والقادة.
وعلى عكس التجاذبات السياسية في الكيان الإسرائيلي، أو حتى في الدول العربيّة؛ انحاز السيد نصر الله وحزبه إلى الشارع مُبتعداً عن العمل السياسي ومُقرراً البقاء في مقارعة الكيان الإسرائيلي وطرده من جميع الأراضي المُحتلة، وهو الأمر الذي لم يشهده مجتمع الكيان الإسرائيلي، بل على العكس فإنّ كل ساسة الكيان وأكثر ما يهمّهم هو الوصول إلى سُدّة الحكم ولو على حساب الجمهور الذي شهد العالم أجمع أنّ أيّاً من ساسة الكيان لم يسلم من المظاهرات التي طالبت باستقالتهم.
أكثر من ذلك؛ فإنّ تعامل السيد نصر الله مع جنوده من جهة، ومع جمهور المقاومة من جهةٍ أخرى سبب حالة من الصدمة في المجتمع الإسرائيلي، كونهم لم يشهدوا حالة كهذه، بل على العكس؛ فقد كان الانفصام التام من قيادة وساسة الكيان وبين الجمهور، وهو الأمر الذي رفع من مصداقية السيد نصر الله وأثبت للجميع أنّه لا يبحث عن منصب حكومي أو دورٍ سياسي.. إنّه رجل مقاومة.
أكثر من ذلك؛ فالكيان الإسرائيلي وعلى الرغم من أنّ تاريخ كيانه المُصطنع لا يزيد عن اثنين وسبعين عاماً، لكنه وعلى الرغم من ذلك أقدم من تاريخ تشكيل حزب الله؛ غير أنّ الحزب وعلى الرغم من عمره الصغير الذي لا يتجاوز ثمانٍ وثلاثين عاماً استطاع تشكيل مجتمع مُتكافل فالجميع للجميع، وهو الأمر الذي أثار حفيظة اليهود من جهة، ومن جهةٍ أخرى ازداد إعجابهم بالسيد نصر الله الذي تمكّن من فعل ذلك في وقتٍ قصير، في حين أنّ ساسة الكيان لم يستطيعوا صياغة عقدٍ اجتماعي أو مجتمعٍ مُتكافل بمرور ذلك الوقت، بل إنّ الانقسامات داخل مجتمع الكيان أصبحت ظاهرة للعلن، وبات ينقسم هذا المجتمع إلى مجتمعات صغيرة مُتكتلة على بعضها خشية انتقام باقي المجتمعات اليهودية داخل الكيان.
وفي النهاية؛ فإنّ الصدق الذي تحلّى به السيّد نصر الله دفع ممثل الجناح الأكثر تطرفاً في الليكود موشيه فيغلن ليؤكد أن السيد نصر الله أكثر صدقاً من الزعماء الإسرائيليين حيث يقول: "أنا لا أخشى من القول إن الجمهور الإسرائيلي عموماً أدرك خلال حرب تموز أنه إذا كان هناك زعيم يمكن تصديقه في هذا الصراع فهو زعيم العدو نصر الله لا قادتنا".